النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: وجوه في ثنايا الزحام ..رواية في حلقات

     
  1. #1
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    وجوه في ثنايا الزحام ..رواية في حلقات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وجوه في ثنايا الزحام ..رواية في حلقات
    عبدالغني خلف الله
    الحلقة الأولي
    أيها الحضور الكريم.. حان الآن وقت إعلان الفائز بجائزة الموظف المثالي لهذا العام وتذهب إلي..إلي..الموظفة السره عبد القيوم محمد نور رئيس قسم المراجعة الداخلية بالبنك أو بالأحرى (السريره) عبد القيوم كما يحلو لزملائها بالبنك و المتعاملين معه علي مناداتها .. فليتكرم السيد رئيس مجلس الإدارة بتسليمها الجائزة وهي عبارة عن شهادة تقديرية وعربة جديدة.. تصفيق حاد وزغرودة يتيمة انبعثت من بين المناضد الأنيقة..نهضت بخطوة رشيقة ومرحة توزع الابتسامات والتعليقات يمنة ويسرة لاستلام جائزتها بعد أن احتضنت والدتها ومن ثمّ انحنت لتقّبل يد والدها عبد القيوم أفندي باشكاتب المديرية العتيق والذي أحيل للتقاعد القسري هذا العام ويعمل سكرتيراً لمجلس الإدارة بحكم تجربته العريضة في الوظيفة والحياة ..بيد أنها لم تتعلم قيادة السيارات بعد لكنها تذكرت والدها ومعرفته الفائقة بجميع أنماط العربات الحكومية وهو يتنقل من بلد إلي بلد .. لا شك أنه سيعلمها قيادة السيارات ولن تعدم سائقاً يقوم بتوصيل العربة للمنزل.. شخص واحد تمني لو أن والدها لم يحضر ليقوم هو بتوصيلها بالعربة الجديدة ألا وهو نادر حماد الموظف الجديد الذي انضم حديثاً للعمل بالفرع وهو في واقع الأمر إبن الساعي حماد أقدم العاملين بالبنك علي الإطلاق ..ولكن لماذا هذا الاسم الغريب الذي تستمتع بسماعه ويستمتع بمناداتها به أيضاً زملاؤها بالبنك ؟!!
    تعود القصة إلي جدتها (الُسرة بت عتمان ) والدتها لأمها والتي أصبحت فيما بعد ( السريره بت عتمان ).. واستمر الجميع بالقرية ينادونها بهذا الاسم إلي أن أنجبت ابنتها ( مواهب) أولي بناتها فأصّرت علي أن تحمل اسم الجدة .. وبدورها فقدت الجدة اسمها لتصبح ( حبوبه ) فقط.. فانداح الاسم للحفيدة الابنة (السرة ) . كانت الحفيدة الغالية قد لفتت الأنظار إلي جمالها وذكائها منذ أن كانت طفلة صغيرة تتعلم المشي بعجلة صغيرة من الخشب صنعها لها خصيصاً عبدو النجار صديق والدها الحميم وجارهم بالبيت الكبير وزميله في لعب ( الكوتشينة ) حين يلتئم شمل الجميع عمال ومزارعين وموظفين عصراً في فناء منزل التهامي خال السريرة المفضل ورئيس نادي كرة القدم الوحيد في القرية والذي كان فيما مضي موظفاً مرموقاً بالحكومة بالخرطوم لكنه آثر العودة والاستقرار بالقرية وفتح له مغلقاً لبيع مواد البناء وعايش القرية وهي تنمو وتكبر رويداً رويداً لا سيما بعد أن انفتح أبناؤها علي العالم الخارجي وسافروا لأوروبا ودول الخليج .. فشمخت العديد من البنايات وتغيرت حياة الناس نحو الأفضل ...
    كان نادر يكن إعجاباً صامتاً ل(لسريره ) منذ أن التحق بكلية الاقتصاد ..ذات الكلية التي تخرجت منها بيد أنه كان في السنة الأولي بينما كانت هي في السنة النهائية.. يرنو إليها من علي البعد مثل نجمة مزروعة في السماء من المحال الوصول إليها..ولم يظفر منها بأي اهتمام طيلة ذلك العام سوي تحية الصباح عندما يدلفان إلي الحرم الجامعي صباحاَ.. وكان ذلك يحدث مرة واحدة في كل شهر تقريباً وبمحض الصدفة فتمنحه تلك اللحظات النادرة إحساساً بالراحة والسعادة يلازمه أياماً وليالٍ بحالها ..ولولا أن والده ووالدها زميلان بنفس المصرف ما كان ليجرؤ أن ينظر حتي في عينيها .. كانت باهرة ورائعة وقد أحبها الجميع وأنت لن تجدها لوحدها وإن حاولت فهي دائماً محاطة بالزملاء والزميلات وأحياناً أساتذة الكلية ولم تعد سراً قصة ذاك الأستاذ الجامعي السوداني القادم من شرق أوروبا و الذي فقد عقله بسببها لمجرد أنها اعتذرت عن قبوله زوجاً لها .. فصار يهيم علي وجهه في الطرقات ويأتي بحركات أقرب للجنون بل هي الجنون بعينه ..كأن يعتلي مثلاً صينية الحركة وفي فمه صافرة ينظم بها حركة السير فما كان من ذويه إلا أن أخذوه إلي خارج السودان للعلاج بإحدى مشافي لندن .. إييه يا السريره ..ما هي إلا بضعة أسابيع وتغادرين الجامعة ربما وإلي الأبد وأنا.. من أنا أيا تري ؟ أنا لا شيء .. لست سوي طالب مهمل لا يهتم به أحد.. كيف صبرت علي فراقك كل تلك السنوات .. لقد كنت أفكر بك دائما وكانت صورتك تتشكل علي الدوام في ثنايا كل وجه صبوح أصادفه في الطرقات وداخل أروقة الجامعة.. لكن الأيام تأخذ دورتها .. تخرجت أنا أيضاً وتوظفت بنفس المصرف الذي تعملين به .. لكنك الآن رئيستي في العمل وما زلت في نظرك ذاك الطالب المسكين إبن الساعي .. ثم نادر .. من فضلك لحظه .. هل تتقن قيادة السيارات ؟ .. بلي أستاذتي ولدي رخصة سارية المفعول .. إذن لقد حُلت المشكلة يا أبي..نادر سيوصلني للمنزل ..أراك لاحقاً ..هيا نادر لقد تأخر الوقت .
    ولج نادر إلي مبني المصرف بمعنويات عالية وكأنه ضمن ( السريرة ) حبيبة لأيامه الباهتة وأوقاته الميتة التي كان يعيشها طوال فترة التحاقه بالعمل هنا.. لكن شخصاً ما يهابه استقبله بصمت وتجهم ورد تحيته الصباحية المعتادة بفتور وتجاهل حتي أنها لم ترفع رأسها عن الأوراق التي أمامها ..لماذا يا هديل هذا الاستقبال المستفز وقد كنت تنهضين كل يوم بل وتبتسمين في وجهي وتهرعين إلي البوفيه وتأمرين لي بكوب من القهوة . لا تسيء فهمي بهذه الصورة الظالمة .. شايفاك اشتغلت سواق خاص لسيدة الصون والعفاف آنسه ( السريرة ) ..لا يا (هديل ) الموضوع ليس كما تتصورين .. تزاملنا في الجامعة وبنفس الكلية .. وكانت بحاجة لمن يقوم بتوصيل العربة الجديدة التي تسلمتها من والدك السيد رئيس مجلس الإدارة شخصياً.. وهي لم تولد وفي يدها مفتاح عربة مثلك ..(السريره ) إنسانه طيبه يا هديل ..فلماذا تغارين منها ؟ ..أغار ..أنا أغار يا نادر ؟ ..إذن لماذا تعاملينني بهذه القسوة لمجرد أنني أوصلتها بعربتها ..آآخ منكم يا أولاد العاملين بهذا المصرف ..تنظرون إليّ وكأنني من الأسرة المالكة .. كون أبي ثري ويملك خمسين في المائة من أرصدة البنك ويتشارك مع مؤسسة الفكي هاشم للاستيراد والتصدير في أصول البنك .. ربنا يشفيهو .. سمعت أنو في أمريكا وفي حالة حرجه..نعم .. نعم .. بصراحه يا نادر لقد سئمت هذه الحواجز التي تضعونها بيني وبينكم ..الجميع لا يعاملني كزميلة في قسم الودائع .. صحيح أنني تخرجت من ( كيمبردج )..واسكن مع أسرتي في حي راقي وفيلا فخمة وعدد كبير من العمال يسهر علي راحتي .. شغاله من الفلبين لترتيب غرفتي وعمل (الميك أب) الخاص بي والاعتناء بمظهري وأكثر من طباخ أفرنجي ..كل هذه الأبهة وهذا المجد لا يهم يا نادر ..أريد أن آكل طعاماً تصنعه أمي وأريدها أن تمشط لي شعري وتدللني كما كانت تفعل في الماضي عندما كنا ضمن الطبقة الوسطي..الكل ينافقني ويتملقني ويمنحني مشاعر مفتعلة بما فيهم أنت يا نادر..أنا يا هديل ؟ أنا متملق ؟! ..هل هذا هو رأيك فيّ ؟ .... معقول البحصل ده ؟ معقول .. بعد إذنك طالع بره اشم هواء نقي وأرجع ..نادر ..نااادر ..أرجوك ..

  2.  
  3. #2
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثانية
    انشغلت السريره بدروس تعلم قيادة السيارات وفات عليها أن اليوم هو يوم اجتماع مجلس الإدارة الذي يعقد كل ثلاثة أشهر فقد استوقفتها سيدة وقورة ومعها طفلتها فاعتقدت أنهما يرجوانها أخذهم معها في طريقها للمصرف بينما كانت تستدير من الشارع الجانبي الموصل لمنزلهم لتمتطي الشارع الرئيسي .. ركبت تلك السيدة بالمقعد الأمامي وركبت طفلتها بالمقعد الخلفي .. مرحبا..أي الطرق أقرب للجهة التي ترغبون بها ؟! وأنت يا شاطره اسمك منو ؟ ..( جيهان ) ..اسم جميل .. معناه شنو ؟ .. معناه ضوء القمر وإنتي اسمك شنو ؟ السريره ..إسمي السريره ..السروره يعني شنو ؟ ..السريره بكسر السين .. السين ؟ .. السين منو الكسرا ؟ ..ليه إنتي ما دخلت المدرسه ..ما بتعرفي حروف الجر والنصب في أي صف إنتي ..؟ أنا ..أنا .. ؟ في الحقيقة يا أستاذه نحن ناس تعبانين ولدينا مشكله ونطلب المساعده .. قالت الأم مقاطعة .. خير إن شاء الله ..شب حريق في منزلنا وقضي علي كل ما نملك وزوجي مريض .. من فضلك ساعدينا ..علي الرحب والسعه .. أمشي معاكم بيتكم وأرفع تقرير عن الضرر الذي لحق بكم وأرفعه لقسم الدعم الاجتماعي بالمصرف الذي أعمل به ..لآ لآ ..لا تذهبي .. فقط أعطينا مما أعطاك الله ..قالت ذلك وأسبلت ثوبها فوق وجهها وانخرطت في البكاء ..ما تصدقيها يا السريره ..أمي كذابه ..الطفلة ذات الثمانية أعوام تتدخل..نحنا ساكنين في عماره ببنوا فيها ..وأبوي الخفير بتاع العماره ..وأنا ما دخلت المدرسه ..أمي سايقاني طواالي تشحد بي ..وكل يوم جمعه نقيف في باب الحوش بتاع المسجد نشحد ..أقيف كتيير لامن رجلي يوجعوني ..خلاص ياخي أنا تعبت ..عليكي الله خلي أمي تبطل الشحده وتدخلني مدرسه وأبوي كمان بعرف نجاره .. نجار يعني..يا بت بطلي هلوسه .. الأم تحاول دون جدوى منع ابنتها من الاستمرار في الحديث ..صحيح كلام بتك يا .. يا منو ؟ ..عشوشه ..الطفلة تجيب نيابة عن أمها .. امي اسمها عشوشه وأبوي اسمو جباره وأختي اسمها مي ..خلاص ..خلاص ..كفي يا بت ..الأم وقد نفد صبرها ..اسمعي يا خاله خدي المبلغ ده وده الكرت بتاعي فيهو عنوان المصرف تعالي إنتي وزوجك عشان نديك تمويل صغير يساعد زوجك يعمل ليهو ورشة نجاره .. الكذب حرام والتسول كمهنه برضو حرام ..أنا آسفه يا بتي ..والله الظروف العايشنها تحنن الكافر .. كتر خيرك وبارك الله فيك وربنا يعدل خطوتك ويحفظك من أولاد الحرام وبنات الحرام .. أنزلتهما من العربة والأم تنظر لابنتها نظرة شذرة وتقول لها ..أصبري لي عاد
    إلي أين يا هذا ..؟ ..لا أدري إلي أين ..أنا متملق ؟!!.. أنا يا هديل ..؟ حسناً سترين نادر الحقيقي يا فاتنتي المدللة .. إن كان أبوك ملياردير فجدي الأول قائد من قادة الثورة المهدية .. الثورة التي قامت بتركيع أقوي وأكبر إمبراطوريات القرن الثامن عشر في الكون .. الإمبراطورية البريطانية ..أنا سليل ذلك المجاهد وأحمل اسمه .. كيف سأضعف أمام أي بنت حتي ولو كنت أنت يا هديل ..؟ حتي ولو كانت .. ولو .. ولو كانت .. كانت .. السريره.. لكن يا صديقي العزيز تصرفاتك شبه اليومية تجعلها تأخذ عنك هذا الانطباع .. لاحظ أنك تقف كل يوم في شرفة المكتب الخاص بكما وتراقب الشارع بفارغ الصبر .. فأنت طبعاً تحضر للعمل بالترحيل الجماعي وهي تحضر بسيارتها الخاصة وما أن تلمح عربتها وقد توقفت أمام المصرف حتي تركض هابطاً الدرج وتتقدم نحوها ..تفتح لها الباب وتعطيك مفتاح السيارة لتبحث لها عن ( باركنق ) مناسب لوجود مشكلة مواقف سيارات بالمنطقة وتظل تدور وتدور تبحث عن موقع يناسب عربتها المرسيدس الصغيرة ذات البابين .. لماذا كل سيارات الخلق لها أربعة أبواب وسيارتها ببابين ؟ .. ومن ثمّ تعيد لها مفاتيح السيارة وعند انتهاء الدوام تركض كالمجنون لتعود بالعربة وتوقفها تحت قدميها وتقول لها تفضلي اصعدي .. يلا باي ..اشوف وشك بخير ..كل يوم والسيناريو ذاته .. يلا باي وصباح الخير .. كيفك .. حتي أنك لم تصافح يدها ولا مرة واحدة في حياتك .. تصافح عينيها هذا ممكن ومتاح ويحدث بالساعات الطوال لوجودكما في مكتب واحد ..نادر .. نادر ..أنا آسفه جداً إذا ضايقتك بكلامي .. لكن ..أنا عايزاك إنت بالذات من دون كل الموظفين .. عايزاك .. عايزاك .. كيف اشرح ليك ؟! .. يا رببببببببببببببببببببي !!!!..خلاص ولا يهمك .. رأيك شنو في ساندوتش من الكافتيريا الجديده ..سندوتشات عم اسماعيل في بوفيه المصرف ده كّرهتنا السندوتشات .

  4.  
  5. #3
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثالثة
    عكفت السريرة علي تقرير الأداء المالي للبنك تعده في عجل وهي تنظر إلي ساعة يدها في سباق رهيب مع الزمن ولاحظت وهي تدخل القاعة وجود شخص غريب في مقتبل العمر حسن الهندام وتلوح عليه سيماء الثراء والأهمية ربما لأول مرة .. تري من هو ومن يكون ؟!! .. أخذت موقعها والفتي يقرؤها بتمعن ويتفحصها من أم رأسها إلي أخمص قدميها ..وعندما لاحظ والدها وقد كان يجلس إلي جانبه انشغاله بابنته عّرفه عليها وهو يبتسم ..ابنتي السريره وهي رئيس قسم المراجعة الداخلية بالبنك ..تشرفنا ..قالها بشيء من الفتور وعدم الاكتراث وكان الأب لا يعلم حتي تلكم اللحظة كنه ذاك الشاب ولماذا هو موجود أصلاً بالاجتماع ..أما هي .. فقد تجاهلت عيناه وانهمكت في مراجعة التقرير الذي أمامها بدون أن ترفع رأسها عن الأوراق.. ابتدر رئيس مجلس الإدارة الاجتماع بالترحيب بالدكتور مازن الفكي هاشم ابن رجل الأعمال المعروف وصاحب مؤسسة الفكي هاشم العالمية للاستيراد والتصدير وهو مكلف بحضور الاجتماع لوجود والده خارج البلاد بأمريكا لإجراء بعض الفحوصات الطبية ونعلم جميعنا أن هذه المؤسسة العملاقة تملك رصيداً ضخماً من الأسهم وجميع حساباتها بالعملة المحلية والعملات الأجنبية بهذا المصرف وهذا شيء طبعاً يسعدنا ويشرفنا .. وزاد بأن عّرفه بأنه طبيب بيطري حديث التخرج ومن ثم قرأ أجندة الاجتماع . .رفع الدكتور مازن يده منوها ًبنقطة نظام وكانت السريرة قد بدأت للتو في استعراض ملامح التقرير وعندما أُعطي الفرصة لمخاطبة المجلس ذكر بأنه كان يتوقع وجود عدد كافِ من صور التقرير أمام جميع أعضاء مجلس الإدارة الموقر ..بيد أن الأستاذة .. من ؟! ..السريره ..مدير الفرع وهو يسعفه بالاسم ومضيفاً .. في الواقع اسم الآنسة الرسمي هو السرة عبد القيوم لكن الجميع هنا ينادونها ب(السريره) .. كنت أفضل ترك الألقاب جانباً قبل أن ندخل قاعة الاجتماعات لأن قضايا المال والاقتصاد لا تحتمل الوجاهات والألقاب ..علي كلٍ بإمكان الآنسة أن تستمر في استعراض تقريرها إن سمح بذلك حضرة الرئيس علي أن توزع علينا في المرات القادمة صور التقرير ..لا سيدي .. ليس قبل أن أوضح لك ولفائدة أعضاء المجلس الموقر .. لماذا لا نطبع تقرير الأداء المالي ونوزعه علي الأعضاء المحترمين .. فنحن هنا لسنا في حفل عام لنوزع فقرات برنامج الحفل كتابة علي الجمهور الكريم .. فهذه أسرار مالية في غاية الحساسية وقد ينسي أحد الأعضاء الموقرين نسخته داخل عربته أو في منضدة مكتبه فيضطلع عليها شخص ما ينتمي للمصارف المنافسة فيغري بعض كبار المودعين بسحب ودائعهم فيما لو كان البنك يعاني من قصور في السيولة النقدية والنقد الأجنبي بالتحديد .. لا سمح الله .. فينهار المصرف بالكامل .. أنهت تقريرها وعندما انتقل المجلس لمناقشة بقية الأجندة استأذنت من رئيس مجلس الإدارة الانصراف لمتابعة الأعمال الروتينية بالبنك أما هو فقد شيعها بنظرات بها مزيج من العنجهية والإعجاب والندم علي ما بدر منه من ملاحظات .
    لم تنم تلكم الليلة وخيال ذلك الفتي المشاغب (مازن) يسيطر علي تفكيرها وها هي تستعيد كل ثانية أمضتها خلال الاجتماع ..يا الله!!! .. لماذا هو وسيم لهذه الدرجة ..؟! ومما زاد من شعورها بالقلق أنه ثري ومتغطرس .. وبين اليقظة والأحلام قررت أن( مازن) هذا سيكون أهم معارك حياتها علي الإطلاق ويجب ألاّ تخسر تلك المعركة وإلا فعليها الاستعداد لمعايشة الوحدة القاتلة والندم طوال حياتها ..ألهذه الدرجة شغفك هذا المغرور حباً يااا ..قلت لي اسمك شنو ؟! ..أي والله .. تصور .. إذن أنت في مأزق رهيب ما كان عليك الوقوع فيه وأكثر من موظف بالبنك و عميل يتمني تقبيل التراب الذي تمشين عليه ..أعلم ذلك .. لكن هذا الولد قدري فيما يبدو فماذا عساي أن أفعل .. وبالجانب الآخر عاش مازن أسوأ كوابيس حياته .. فقد كان يستيقظ مذعوراً من النوم بعد أن يري في المنام (السريرة ) في فستان العرس وشخص ما يتأبط ذراعها وهما يتوجهان نحو العربة الموشحة بالورود والأزاهير ..أو وهو يرقص معها في منتصف الحلبة وقد أسندت خدها إلي كتفه والثريات تلون المكان أو وهو يدلف بها إلي غرفة الفندق .. كان يستيقظ وهو يتصبب عرقاً ومن ثمّ يتوجه نحو الثلاجة ويشرب شيئاً من الماء المثلج ومن ثمّ يعود لفراشه وهو لا يزال ظمآن للماء ول(السريرة ) وكل شيء فيها .. حتي ملابسها غير المتناسقة ووجها الخالي من الأصباغ وال ( ميك آب ) يوترانه فلا يعرف للراحة سبيلاً ..أي فتاةِ هذه يا ربي ؟!..أكاد أُجن من التفكير .. ولماذا حاولت اضطهادها وإغضابها خلال اجتماع مجلس الإدارة يا هذا ما دامت قد أعجبتك ..؟ تعرف بلا شك طريقتي في اجتذاب الفتيات ..التجاهل وعدم الاكتراث هما أقرب الطرق للبنت التي تظن أنها من الأهمية بمكان .. لكن سأضعها في موقف لا تحسد عليه يذّكرها من أنا ومن أكون ..هالو .. مرحبا .. أهلاً إشراقه ..خير إن شاء الله ..لماذا تتصل بي في هذه الساعة المتأخرة من الليل يا مازن..؟ ..لأنك جارتي وصديقتي وأكثر شخص في هذه الحياة وقوفاً إلي جانبي مذ كنا صغاراً يا إشراقة ؟ وما مناسبة هذا الإطراء غير المعهود ؟ ..أرجوك .. مري علي بالمكتب صباحاً قبل توجهك لمكاتب المنظمة .. ضروري جداً .. لكن المستر ( ميدوس ) مدير المنظمة سيطير ظهر الغد إلي باريس ويجب أن أقوم بتجهيز بعض التقارير ليأخذها معه إلي .. معليش إشراقه .. ألا تحتاجين بعض السيولة النقدية .. كل ما في الأمر أنني سأحرر لك شيكاً تصرفينه من البنك .. ها .. ما قولك ؟ .. إذا كان الأمر كذلك فليذهب مستر ( ميدوس ) إلي الجحيم .. إذن موعدنا الساعة التاسعة صباحاً ..اتفقنا ؟ ..التاسعة ؟!!! .. منذ متي وأنت تستيقظ في هذا الوقت المبكر ..؟ .. ذلك لأن الموضوع علي درجة من الأهمية لا توصف .. تصبحين علي خير .. لقد أصبحت بالفعل .

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 18-01-2015 الساعة 07:27 AM
  6.  
  7. #4
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الرابعة
    لحظة وسأعود لك يا ابنتي .. عم حماد وهو يوجه شابة يراها لأول مرة بالمصرف لتجلس في القسم المخصص للزبائن المعتمدين .. ريثما اخطر ابني نادر. إذن أنت والد زميلنا نادر.. ؟ كنا زملاء في الجامعة.. أهلا بيك. هنادي عثمان الهاربة الجميلة في السودان!!! ما هذه المفاجأة السارة يا هنادي ؟! نادر وقد فوجئ بوجودها .. عدت من القاهرة قبل أسبوع فقط وبحثت عن عنوانك حتى وجدته عند احد الزملاء القدامى وعلمت بأنك صرت مصرفيا كبيراً.. لا كبير ولا حاجة.. كلما في الأمر أنني موظف بسيط بقسم الودائع وأنت هل أنهيت دراستك في الاقتصاد بالقاهرة.. أرسلت زفرة اختتمتها بعبارة آآآه يا نادر ..وحدثته كيف أنها بعد أن قطعت دراستها هنا والتحقت بجامعة القاهرة في الصف الثالث وما لاقته من نجاحات هناك.. انتقلت من ثالثة لرابعة وكل العلوم أما ممتاز أو جيد.. وأخبرته كيف أنها لم توفق في امتحانات النقل للصف الرابع وللمرة الثانية وكيف أنها باتت تشعر بالخوف الشديد وعدم التركيز بمجرد أن تمسك بالقلم لتجيب على الأسئلة.. وخمنت إن إحدى زميلاتها القادمة من قطر أفريقي ربما تكون قد دست لها في طعامها بعض الأشياء ذات الصلة بالسحر والشعوذة.. ومن ثم عادت للسودان بعد أن سمعت بأن شيخا مشهورا بأم درمان يعالج مثل هذه الإشكالات.. مرحبا السريرة.. أقدم إليك زميلتي في الجامعة هنادي.. زميلتك كيف؟!!! وأنا لم أقابلها .. السريرة وقد هالها الروعة التي تسربلت بها هنادي.. بل تقابلنا.. لكنك سرعان ما تخرجت من الجامعة.. ألا تذكرين أستاذتي تلك الطالبة التي أفقدتك صوابك في احد أركان النقاش..
    اختلفنا في المفردة ( افترضنا ) و( فرضنا ).. نعم .. نعم.. لقد تذكرت... كنت حينها قد اجتذبت اهتمام كل الحاضرين بركن النقاش عندما كنت أخبرتهم عن نشأة الحركة الصهيونية وعن (هرتزل..) وما إلي ذلك فوجهت لك سؤالا ابتدرته بعبارة ( لو فرضنا ) وأنت تصححين بعبارة ( افترضنا من فضلك..) وتركنا القضية الرئيسية في المنتدى .. قضية فلسطين وبتنا نتجادل في أيهما اصح.. فرضنا أم افترضنا.. يا لك من (غلباوية) يا هنادي.. مرحب بيك.. هل من خدمة استطيع أن أقدمها لك؟ هل تنوين فتح حساب بالمصرف.. لا بل جئت بحثا عن هذا الولد الشقي.. نادر .. هو كذلك يا .. هنادي اسمي هنادي.. من النادر أن تجدي شخصاً نادراً مثل نادر.. عن إذنكم .. السريرة تغادر وعلامات القلق تبسط نفسها في لألاء وجهها الصبوح.. واتفق الاثنان على الذهاب إلى ذلك الشيخ بعد انتهاء ساعات الدوام وأصر عليها أن تصعد معه لمكتبه حيث هديل .. مرحبا .. أهلا بيك .. أقدم لك زميلتي في الجامعة هنادي .. أستاذة هديل رئيسة قسم الودائع بالبنك .. تشرفنا .. أتفضلي أجلسي ثم بعد إذنكما ارفع هذه الأوراق لقسم التحاويل الخارجية.. (واو..!!) .. هنادي وقد أدهشتها أناقة ورصانة هديل.. ما هذا يا نادر ..؟! أنت كما أنت لم تتغير .. تعرف كيف تحرز أهداف في مرمى الحياة .. لقد كنت اللاعب المميز والخطير.. ولديك صولات وجولات بدءا بالصف الأول حتى الرابع.. كنت يا هنادي.. وكنت فعل ماضي ناقص.. أما الآن فانا لاعب احتياطي يجلس على كنبة الاحتياط..! ومدرب الفريق يعاملني كواحد من أشبال الفريق بالرغم من أن فارق السن بيننا ثلاثة أعوام فقط.
    لم يكن الشيخ مهيأ لاحتمال روعة وهيبة هنادي عندما جاء عليها الدور أخيرا لتدلف إلى غرفته ومعها نادر..وقد اكتست الجدران بجلود الحيوانات المفترسة وانداحت غمامة من الدخان اللطيف المنبعث من (المبخر) العملاق المصنوع من الأجر والموشى بالزخارف.. فنهض من مجلسه على الأرض فاغراً فاه لا يستطيع حتى رد التحية بأحسن منها.. فامسك بيدها وهو يجرها نحو مقعد يتيم وكأنه طبيب متخصص في الأمراض النفسية .. وبعد أن استعاد رشده قال لها وهو يتظاهر بالوقار.. في الحقيقة تذكرت شخصاً عزيزاً عليَّ بمجرد أن رأيتك.. عفوا يا أحباب.. كان المفروض أن استقبلكم استقبالاً يليق بكم.. قال ذلك وهو يلتفت إلى مساعده المشدوه هو الأخر بالإفراط الموجع في الرقة الذي لون قسمات هنادي.. وكأنه يريد أن يقول له.. اخرج من هنا..فهم الرجل إشارته ونهض في تثاقل واضح وهو وهو يردد عبارة (أها .. أها .. أيوا .. أيوا).
    نعم .. اسم الآنسة منو.. هنادي حسن.. عاشت الأسامي .. مشكلتك شنو؟!
    والله يا شيخنا كلما ادخل الامتحان اشعر بخوف شديد وتخونني ذاكرتي فلا أتذكر المعلومات مع إني مذاكرة كويس..!!.. واسم الوالدة منو .. أمينة .. أمي اسمها أمينة..والبنت (ام وجها مندي .. وحقها ما بتدي .. ام لونا زي الكركدي..) قصتك معاها شنو؟! هنادي فوجئت بالسؤال وحاولت ان تضع تلك الصفات في شخص ما اسمه يأتيها ويغادر ذاكرتها.. دي .. دي .. ما (ناندي) جارتي في الفصل ونحن في نفس الكنبة..وبدا وكأن عقلها الباطن يجيب .. البنت دي عاملة ليك (عمل).. سحر يعني.. تكون وضعت ليك حاجة في فنجان شاي أو شربات.. صحيح يا شيخنا.. البنت دي حسودة ونظراتها نحوي دائما مسمومة.. لا تحب لي الخير أبداً .. الغبية .. ولا يهمك .. ناولني با ابني كوب الماء الموضوع بالقرب منك .. شكرا..
    ومن ثم بدأ يقرأ بعض التعاويذ.. منها ما يمكن فهمه والبعض الآخر اقرب للهلوسة.. وأخيرا أفاق الشيخ من تشنجه والعرق يتصبب من وجهه.. وهو يتمتم .. خلاص .. اشربي .. الآن أوقفناها عند حدها.. لكن الضرر الحاصل ليك كبير جدا.. أعطيني رقم هاتفك الجوال يا آنسة.. وقبل أن تخلدي تماما إلى النوم سأهاتفك من هنا.. واقرأ عليك بعض الكلمات تقومين بترديدها من خلفي وأنت تنامين شيئا فشيئا.. اتفقنا.. اتفقنا يا شيخنا.. لا والله امسكي عليك جنيهاتك.. نحن لسة ما أنجزنا حاجة بعدين.. بعدين.. طيب مع السلامة .. مع السلامة.. ولدى مغادرتهما الغرفة وخروجهما بصعوبة شديدة من بين العديد من النسوة اللائي ينتظرن دورهن للدخول.. قال لها نادر.. بصراحة أنا ما مرتاح للشيخ ده.. كيف يعني يا نادر.. لم تكن نظراته نحوك بريئة يا هنادى .. كوني حذرة.. حذرة جدا في تعاملك مع هذا الرجل.. دى غيرة أم خوف حقيقي؟! الاثنان معا.

  8.  
  9. #5
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الخامسة
    أغمض نادر عينيه ليستعيد تلك الدقائق الغالية التي أمضاها .. مع هديل ؟!! ..لا .. لا لا .. مع السريرة بعيد تسلمها للجائزة وكان قد بذل جهداً كبيراً في قيادة السيارة الجديدة وتفادي الارتطام بأكثر من حافلة علي الطريق وقد أصابه نوع غريب من التوتر الممزوج بالسعادة والابتهاج وهو يري حلم حياته تجلس إلي جانبه والموسيقي الحالمة تنبعث من جهاز الترانزستور بالعربة والمغني يردد ( لكن غرامك حبه حبه ..صلاني بنارو ولهيبو ) ..آه لو تعلم هذه البنت كم أحبها .. ربما أكثر قليلاً من هديل ..فقط لو تعلم ..والمحزن في الموضوع أنها تعاملني مثل شقيقها الأصغر همام ..صحيح إنها لطيفةً معي في حدود اللياقة والذوق والتهذيب ..لكن هذا لا يكفي ..نعم هي تكبرني بحوالي ثلاث سنوات ..فأين المشكلة وأنا أحبها لدرجة الجنون ..هل عليّ أن أراجع شهادة ميلادي لأعرف كم أبلغ من العمر كلما التقيت فتاة فاتنة أم ماذا ؟ .. شكراً نادر .. تعبناك معانا .. واجبنا ..كنت أتمني لوتحضر معانا الكرامة بعد غد الجمعة بالبلد لكنه مشوار طويل وقاس .. لا عليك ..أحضري لنا نصيبنا وأنت تعودين إلي هنا .. سأفعل بالتأكيد سأفعل إن شاء الله ..إييه لكم كبرت يا نادر وصرت فتي ما شاء الله عليك .. بس ؟!!! ..معقول يخفق قلبي لشخص في عمر شقيقي الأصغر .. صحيح أنا ( بريدو شديييد ) لكن ما زى ما إنت فاكر يا هذا ..والله ؟!! طيييب ..سنري .. مع السلامة .
    يا لها من فكرةِ رائعة ..هذا أحسن قرار يا بنيتي .. نحتفل بعربتك الجديدة بقريتنا مع الأهل..يا سلام ..يا سلااااأم ..وخصوصاً خالك التهامي .. سيسر كثيراً لرؤيتك تنجحين وتتقدمين في الحياة .
    مرحبا عم حماد ..المدير يطلبك أستاذه .. ألم يقل لك لماذا يطلبني ؟ .. لا .. لكنني لاحظت وجود فتاة أراها لأول مرة بالبنك .. يبدو أن الموضوع في غاية الأهمية .. حسناً سأذهب إليه لكن بعد توصيل أغراضي لمكتبي ..عفواً آنستي .. من الأفضل أن تذهبي علي الفور وسأقوم أنا بوضع حاجياتك في خزانة مكتبك .. لا بأس .. مرحباً سيادة المدير .. صباح الخير .. الأستاذة إشراقة عبد الناصر وتعمل سكرتيرة لمدير منظمة (آخرون ) الخيرية وهي منظمة أجنبية ..أهلاً بيك أنا (السريره ) رئيس قسم المراجعة الداخلية .. تشرفنا .. اسمك (أوريجنال ) خالص .. ومن ثمّ مدت يدها لمصافحة الضيفة العزيزة لكن الأخيرة صافحتها بعد تردد بيدها اليسرى .. نعم أستاذ كيف أساعد الآنسه .. الآنسه .. إشراقه عبدالناصر .. أجلسي أوًلا واستمعي جيداً لما سأقول .. ولكن قبل ذلك عودي لمكتبك وراجعي لي الحساب رقم 307 ورصيده لو سمحت .. سأفعل دقيقه من فضلكم .. وعادت بعد بضعة دقائق لتخبره بأن الحساب يعود للدكتور مازن الفكي هاشم ورصيده جيد .. ما المشكلة إذن ؟ الأستاذة إشراقة لديها شيك بمبلغ ألف دولار .. حسناً .. الرصيد أكثر من سبعمائة ألف دولار .. لكن الدكتور مازن لا أدري إن كان يمزح أم يحاول اختلاق مشكلة مع المصرف في غياب والده .. حرر لها الشيك في باطن كفها بدعوي أنه نسي دفتر شيكاته بالمنزل .. ماذا ؟!! .. شيك في باطن كفها ..؟ هذا ليس معقول وليس مقبول أيضاً .. دعيني أنظر إلي يدك لو سمحت يا آنسه ..( ادفعوا للآنسة إشراقة عبد الناصر مبلغ ألف دولار لا غير ) والتوقيع مطابق ..حاولت السريرة مداراة الغضب الذي بان علي وجهها وقد فهمت رسالته .. فمن ناحية وجدت إشراقة جميلة وأنيقة ومفرطة في الرقة والعذوبة ومن جانب آخر يريد أن يتحداني كرئيس لقسم المراجعة الداخلية لأن توقيعي علي الأوراق حتمي و هام جداً .. صباح الخير جميعاً .. عبد القيوم أفندي والد السريرة يقتحم المكتب ثم وبعد أن قرأ التوتر علي وجوه الجميع تساءل ..ما الأمر حضرة المدير؟ .. نعم . نعم .. شيك مكتوب بباطن الكف ..عفواً يا ابنتي هل لي بكفك لحظة واحده .. أدفعوا ..ألخ.. الأمر واضح السيد المدير .. ولو سمحت لنا بدقيقة واحدة يا ابنتي ..إشراقه ..عاشت الأسامي ..استريحي للحظات بالاستقبال ريثما نستجلي الأمر ..وفيما كانت تغادر المكتب لم تستطع السريرة أن تمنع نفسها من تأملها بعمق من جديد ..أخي المدير .. مؤسسة الفكي هاشم تملك أربعين في المائة من أسهم البنك وستدخل معنا كشريك في المخطط الإسكاني الجديد .. أري أن نرسل في طلب كاميرا ومصور ونقوم بتصوير ما هو مكتوب بيد هذه البنت ونوقع علي الصورة لا سيما والكاميرا ستعطينا الصورة في بضع ثوان فقط .

  10.  
  11. #6
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السادسة
    وهكذا حُلت المشكلة واستلمت الزائرة التي عصفت بكيان السيد المدير من شدة جمالها وتفجرها أنوثة وسحراً مبلغ الألف دولار نقداً ولم يفته بالطبع أخذ رقم هاتفها بحجة أن المصرف مستعد لكافة المعاملات لصالح منظمة ( آخرون ) ولها شخصياً إن كانت تود فتح حساب بالبنك .. بالطبع أرغب ..لذلك وددت لو يتم فتح الحساب الآن ويودع الشيك كرصيد وهذه بطاقتي الشخصية إن شئت ..ها ها ..هكذا العولمة التي نتمنى ..آنسه ..سأرسل لك الأستاذ نادر لتكملة إجراءات فتح الحساب ..بالإذن .. فقد تمنت لو أنه كان أمامها لتصفعه بقوة في وجه وتستقيل .عادت السريرة لمنزلهم وشعور طاغٍ بالحزن والإحباط يسيطر عليها ..لكن ..لعلك لا تعلم من أنا ومن أكون يا دكتور مازن الفكي هاشم .
    ( تيت تيت ..السُره حديد ..تيت تيت ..السُره حديد )..هكذا استقبل أطفال الحي الغربي من القرية..الحي الأقرب لشارع الأسفلت ..السريره ووالدها وشقيقها ..وهي تقود العربة ببطء شديد لمبادلة مستقبليها حباً بحب في تلك الظهيرة الخريفية التي تسربلت بالرزاز .. وكأنما كل شيء في القرية يحتفي بعودتها سيما وقد انشغلت بالعمل المضني في المصرف منذ رمضان الفائت .. والجميع متلهف لرؤيتها .. لم لا وهي جميلة الجميلات في القرية وهي التي تستغل جميع علاقاتها الواسعة بعملاء البنك في الأعمال الخيرية البسيطة هنا ..قامت بجمع بعض المال لصيانة أسقف الفصول في مدرسة البنات الوحيدة وقد استعمرتها الخفافيش لتحول ثلثي التلميذات ل(شفخانة) القرية بعد أن ُأصبن بمرض الأزمة وضيق التنفس ..كذلك قامت باستجلاب محول عملاق بملايين الجنيهات فوصلت الكهرباء لكل بيت تقريباً ..إنها السريرة ولا عجب إن أحبتها الفتيات قبل الفتيان .
    لم تتأخر زوجة خالها في إرسال أصغر أطفالها لإخطار زوجها التهامي أفندي وقد وجدته منهمك في سماع قصة بائعة الشاي بخيته مع أقراص ( الفلاجيل ) التي لم تسمع بها من قبل وقد أخبرها هارون الترزي بأنه يزيل المغص في دقائق وقد كانت تعاني منه منذ ليلة البارحة وكانت قد تناولت عشاءاً دسماً في منزل شيخ الحلة بمناسبة ( قولة خير ) لابنته الصغرى وقد حضر العريس وأهله من الخرطوم لخطبتها لابنهم الذي يدرس معها بنفس الكلية كلية المختبرات الطبية بالرغم من اعتراضه في البداية علي هذا النمط من التعليم فقد كان يريدها أن تصبح طبيبة مرموقة في المنطقة بأسرها ..لكنه عاد واقتنع بعد أن شرح له التهامي أفندي طبيعة عملها بعد التخرج وكذلك فعل المهندس عصام القادم من السعودية في إجازة قصيرة .. قال له بالحرف الواحد ( كل شيء بالكمبيوتر ..وفني المعامل لا يلمس تلك الأشياء بيديه ويرتدي قفازات ) وأخيراً وبعد أخذ ورد سمح لها بالالتحاق بتلك الكلية ..( قسمت بالله مما بلعتها ..بقيت أجارك الله لا بشوف ولا بسمع ..نان عاد ما السكاكين .. السكاكين بذاتن وصفاتن غرزوهن لي في بطينتي ..ودغط الدم ..الحكيم قال لي من محلك دي ما بتتحركي شبر ..دغتك عالي شديد ..ظنيتو خمسميه وزياده ) ..لكن إنتي يا بخيته المفروض تاكلي وجبه كامله مما جميعو وتملي بطنك جد حتي تبلعي ( الفلاجيل )..هي نان شن خبرتني بيهو مقطوع الطاري دا ..أريتني يا يما كان سفيت لي (حلبه وكراويه كان نفعني ..بابا .. بابا ..كان شفت .. كان شفت ..يا ولد ما تتكلم لسانك مربوط في حلقك ..يا حاج خلي الوليد يجبد نفسو ..بخيته بائعة الشاي تهدئ من روعه ..وبعد داك الحكيم خت لي حبه تحت لساني وقال لي ما تتحركي لا جاي لا جاي ..كان شفت يا بابا ..كان شفت ..عمي عبد القيوم والسريره وهشام جو من الخرتوم والسريره سايقه ليها عربيه جديده لنج ..متين وصلو يا شافع ؟ ..هسه دي .. سمح أقفل المغلق والحقني .. حاضر يابا .
    السريرة بت مواهب تسوق عربية؟! .. والله حاجة لا تصدق.. هكذا حدثت المعلمة نعمات زميلاتها بالمدرسة.. كان ما شفتها بعيوني ما كنت اصدق.. وهكذا صار موضوع عودتها للقرية وهي تقود سيارة خاصة حديث كل أهل القرية .. العمدة اعتبر أن هذه قلة أدب.. وأردف قائلا وهو يضرب كفا بكف.. بنات آخر زمن !! لكن الحق علينا نحن أهل الحل والربط في هذا البلد.. كان مفروض نوقفها عند حدها عندما حضرت من الجامعة للإجازة وهي ترتدي بلوفة واسريك .. (بلوزة واسكيرت) الحاج سليمان مصححا.. معقول بناتنا ما يلبسو الثوب السوداني ويقلدوا الإفرنجيات.. بنات أخر الزمن.. ما فضل إلا الواحدة تبقى (عمدة) .. وعلى الجانب الأخر.. انخرطت الخالات والعمات في حملة رهيبة من التباهي والتفاخر .. والله زينة البنات.. وستهن من المربع الغربي للمربع الشرقي ومن البحر للغابة.. حلاتا وهي ماسكة (الدركسون) وتتكلم بالموبايل.. عاد ما ملكة عديل.. شخص واحد تملكه يأس من نوع غريب هو المعلم موسى العائد من الإجازة بدولة (عمان).. لقد كان شبه متأكد بأن السريرة ستقبل به زوجا خاصة وانه بني منزلا من طابقين وعاود العمل بالمدرسة الغربية كمعلم للرياضيات .. فهي في الأصل ابنة عمه.. وهو أحق بها من الجميع.. لكن الطريقة التي استقبلته بها عندما هرع مع والده عبدالرحمن لتحية شقيقه عبدالقيوم وابنته السريرة.. كم صرت حلوة وأنيقة يا السريرة ابنة عمي العزيزة

  12.  
  13. #7
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السادسة
    إن الحاج عبدالرحمن يتذكر كل تفاصيل طفولة السريرة.. فهو لم يرزق ببنت وكل عائلته من الذكور لذلك كان يكن للسريرة مشاعر حب غزيرة وكان يستبقيها معه في الدكان لأطول فترة ممكنة .. ولها كل الحرية في اخذ ما تريد من محتوياته .. الحلوى والشوكلاته بكل أنواعها.. كانت تعشق قصب السكر بشكل خاص لذلك كلما يسافر للمدينة لإحضار بضائع لدكانته يحمل معه قصب السكر لإرضاء السريرة وهو إن ينسى لن ينسى ذلك اليوم الذي أصابت فيه فمها بجرح بليغ وهي تقشر القصب بأسنانها الصغيرة فانبثق الدم من شفتها السفلى .. حملها على عجالة إلى مستشفى المدينة وهنالك أجريت لها عملية لإيقاف النزيف ولملمة أطراف الجرح .. ولا يزال ذلك الجرح في موقعه بالجانب الأيمن من شفتها حتى اليوم.. كل الجراح تبقى ولا ترحل .. وان اندملت.. والجرح الأكبر في حياة الحاج عبدالرحمن هو والدتها (مواهب) زوجة شقيقه الأستاذ عبدالقيوم.. وابنة خاله لقد كان يحبها بجنون واخبر خاله بنيته التقدم لخطبتها.. لكن عودة عبدالقيوم المفاجئة من مصر وقد درس في إحدى جامعاتها وتحصل على وظيفة بالخرطوم حرمته من مواهب.. وهي في الواقع لم تصرح يوما بأنها تكن له أية مشاعر وان هي أرادت فلن تستطيع حسب العادات والتقاليد.. وافقت مواهب على الزواج من عبدالقيوم ودفن الحاج عبدالرحمن أحزانه في صميم حناياه.. وها هي الأيام تأخذ دورتها وقد يكون مصير ابنه كمصيره وهو الذي يراقب ويترقب أن يطلب منه ابنه خطبة السريرة له حتى لا تضيع منه انه لا يريد أن يعيش ابنه نفس المرارة والتجربة الأليمة التي عاشها وهو يؤثر شقيقه على نفسه.. فمتى يراهما زوجين يجمعهما رباط الحب والقرابة متى؟!! لكن تبقى ميادة بنت الأستاذ .... وكيل الوزارة والشخصية المحترمة في القرية .. صاحب محل بيع مواد البناء ورئيس النادي هي الحل الأمثل إذا ما تعقدت الأمور مع السريرة .. وما يميز ميادة أنها متشبثة بالحياة هنا وهي هادئة ورزينة بعكس السريرة العصبية المشاكسة.. فتحت لها أول مكتب للاتصالات بالقرية وتوفر نافذة رائعة للأسر للتواصل مع أبنائهم المغتربين.. وأحيانا تستلم التحويلات النقدية للعائلات من أبنائهم بالخرطوم.. ولكم أحبت كل السيدات إطلالتها الحلوة واعتبروها فأل حسن.. لأنها في الغالب تحضر لهم شيئا من المال يتداركون به مسئولياتهم نحو أطفالهم وجبة الإفطار وكلفة الأقلام والكراريس وعلب الهندسة التي يطالب بها أساتذة الرياضيات ولقد أضحكتها من أعماقها الخالة (ست النفر) عندما طلبت منها توصيلها بابنها الموظف بالخرطوم لتقول لها إنها لم تتناول وجبة الإفطار وقد صارت الساعة 12 ظهرا.. فما كان منه إلا أن حول لها بعد دقائق رصيد بخمسة جنيهات تكلفة لوجبة (سمك مدنكلة) من مطعم العم فضل الله.. الذي يحرص على الصيد بنفسه من النيل.. يذهب إلى هناك بعد صلاة الفجر مباشرة يرمي شباكه ويعود لمنزله ليشرب الشاي والقهوة وعندما يؤوب إلى النهر يجدها وقد ضاقت بما حملت من اسماك فيسجد شاكرا لله ومن ثم يبدأ في تنظيفها وتجهيزها لإفطار الزبائن .. عن إذنك التحويلات الخارجية؟! .. نعم .. نعم.. وما حكاية التحويلات الخارجية هذه يا هديل.. ليتني اعرف لماذا تحول كل هذه الأموال بالدولار لهذا العميل بالذات.. ومن هو يا هديل؟!.. هذه أسرار يا نادر .. لعلك نسيت أن أهم أسس العمل المصرفي هي المحافظة على أسرار العملاء .. عفوا.. غادرت هديل ودخلت هنادي على الخط عبر الهاتف .. أهلا.. هنادي.. هنادي.. هنادي.. !! هل أنت معي.. بكاء ونحيب وتنهدات .. الشيخ .. الشيخ يا نادر؟! ثم بكاء ونحيب وتنهدات.. اهدئي يا هنادي وقولي ما الموضوع ؟ حدثته كيف أن الشيخ إتصل بها وعوضاًً عن الأدعية والأوراد تغير الحال و أسمعها أغنية الفنان محمد الأمين المعروفة (قالوا متألم شوية .. ياخي بعد الشر عليك..) وواصل الغناء بصوت هامس النضارة الفي شبابك والطفولة الفي عينيك.. والقلوب الحائمة حولك يا حلو بتتمنى ليك. قاطعته بحزم قائلة (الحكاية شنو يا شيخنا؟!) فاخبرها أنها ومنذ أن حضرت له لم يتذوق طعم النوم وهو الذي كان يستدرج النوم لعينيها الفاتنتين ..وانه ما كان يجب أن يسمح لنفسه بعشقها.. لكنه الآن قد عشقها بوله وجنون.. وطلب منها في سفور وبلا تردد أن تقبله زوجا لها على سنة الله ورسوله.. لكن يا شيخ قالت له أنا ما زلت طالبة بالجامعة.. وحاول عبثا إقناعها بأنه سيسمح لها بتكملة تعليمها ومن ثم يتزوجا.. وعندما إعتذرت له.. انتقل لسياسة الجزرة والعصا على حد تعبير النادي السياسي.. قال لها إن قبلتني زوجا لك سأشتري لك شقة في أحد الأحياء الراقية بالخرطوم وأسجلها باسمك وأشتري لك عربة وأفتح لك حساب بالمصرف الذي يعمل به زميلك وأودعه مبلغ خمسون ألف دولار.. وعندما رفضت عرضه هذا لوح لها بأنه قرأ (الخيرة) لها بعد دعاء الاستخارة وأن ثمة غيوم سوداء تشكل مستقبلها والقادم من أيامها.. وأنها على موعد مع أحداث رهيبة ومخيفة لذلك قرر أن يبقى إلى جانبها يدافع عنها.. وماذا قلت له يا هنادي بعد كل هذه الوعود التي يسيل لها اللعاب..؟ قفلت الخط في وجهه ببساطة وصرت لا أرد على مكالماته صباح مساء.. لقد جُن الرجل .. هو كذلك .. لكن ربنا موجود يا نادر .. حسبي الله ونعم الوكيل.

  14.  
  15. #8
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    أعتذر بشده لكل من تابع حلقات هذه الرواية ..وسأتوقف هنا نسبة لفقدان النص وس\اواصل إن شاء الله بعد العثور عليه هذا مع تحياتي .

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid