ودمدني كانت ايام جميلة
المقابر وبيوت البكاء
=============

كان عندنا مخزن في منزلنا في القسم الاول اول ماادخل المخزن تقابلني مجموعة من العناقريب ذات نوعية خاصة وهي تبدو جديدة ومنجدة بالحبال الرقيقة تحولت فيما بعد الي البلاستيك الملون وكانت ارجلها ملفوفة بقطع من القماش وذلك للمحافظة عليها من الخدوش وغير بعيد منها مجموعة من البروش ملفوفة بالقماش بطريقة معينة وثلاثة او اربع من الطباقة ملبسة في اكياس ومعلقة علي مسامير مثبتة في جدران هذا المخزن .
عندما نسأل جدتي عن هذه الاشياء تقول لنا انها ضرورية عند الموت والجنازة وبيوت البكيات الفي الفريق - كذلك كنا نلاحظ ذلك (الحق ) والموضوع داخل البترينة داخل هذا المخزن .
في دولاب داخل هذا المخزن تحتفظ جدتي بي ثوب السرتي والسجادة التي تفرش من فوق البرش انها مستلزمات اخراج الجنازة من المنزل لابد ان تكون جاهزة - ومحمية كذلك من الحشرات بوضع حبوب النفتلين ذات الرائحة النفاذة كنا نشاهد كل هذا في اوائل الستينات من القرن الماضي ونشاهد في الفترة الحالية حبوب النفتلين وهي توضع في الوضايات في الحرمين الشريفين لطرد الحشرات وطرد الروائح الكريهة والله زمان يا ودمدني .
وتدور الايام ويا سبحان الله هذا المخزن مؤجر الي اخونا التاج طعمية يضع فيه عدة حفر المقابر .
واحدة من الجيران تكلم جارة اخرى يا اختي ناس فلانة ديل عندهم بكاء لكن ماسامعه حاجة اهلهم كلهم حضروا الظاهر بجهزوا في حالهم وبعدين بفتحوا البكاء عادة تجهيز الحال يبدأ بي برود خروج الروح والذي يقوم به الاقرباء المقربين من المتوفي وثانيا ترتيب البيت من الداخل وتنظيفه وفرشه وبعد ذلك تؤكل مهمة اعلان الوفاة الي واحدة تكون تجيد السكاليب ولها صوت كبير يسمع كل الجيران والفريق اعلانا بحدوث حالة وفاة في هذا المنزل .
سمعنا عن اثنين من اشهر حفاري القبور في ودمدني سعد العركي والبخيت والد الفنان ابوعركي البخيت ولكن لم نشاهدهم نحن ولكن شفنا الاشهر في ودمدني شيخ العرب حضر من الشمالية واستقر بي قرية بيكة في البداية ثم بالقرب من دكان ود اب طبيلة حين كانت هذه المنطقة عبارة عن سوق واستقر اخيرا بحي ود ازرق كان شيخ العرب اشهر من يحفر القبور في بداية الستينات وكان كذلك هو من يدفن ويجهز الجثث مجهولة الهوية والمساجين وفي الغالب الاعم من ماله الخاص .
عندما تكون لدينا وفاة يكون شيخ العرب قد اخبر بذلك هو وخالنا من المدنيين احمد بابو الشهير بتصليح ماكينات الخياطة- عند وصولنا الي المقابر بصحبة الجثمان نجد شيخ العرب ومساعديه من الشباب في ذلك الزمان العم عيسي بتاع الجمباز والعم عوض الله بتاع الموتر الفيسبا وعمنا فهمي ود البوشي ونجد عمنا شيخ العرب نائما داخل القبر هذا اذا كان القبر جاهزا وفي مرات كثيرة كنا نشهد المناكفات والتي يكون بطلها عمنا شيخ العرب مع هولاء الشباب اثناء تجهيز القبر ونعتهم لعمنا شيخ العرب بانه قد كبر خلاص وصار حفره للقبر غير تمام وانه قد شوه ود الاحد وكفاية لحدي كدا وهو يحاول ان يلبس الجلباب والعبائة تبعه بعد انجاز حفر القبر والتي كنا نشاهده يضعهم علي كتفه في تحركاته في المقابر هذا الرجل رحمه الله قدم خدمات كثيرة لمواطني ودمدني والجميع من عاصروا تلك الفترة يشهدون بذلك .
عمنا فهمي البوشي شاهدته في بداية الستينات شابا قوي الجسم مفتول العضلات يقود موتر من نوع بيجاج في ذلك الزمان وهو يرتدي الفنايل الكت والتي تبرز العضلات .
انخرط عمنا فهمي في هذا العمل الاجتماعي التطوعي فكان دائم الحضور في المقابر وكذلك من الملازمين لشيخ عبد الله محمد الامين فكنت اراه كثيرا في جامع الحكومة وفي الديوان الملحق بمنزل الشيخ وخاصة ايام المديح علي الرسول ( ص ) والتي تقام كل فترة خاصة ايام المادح عبد السلام رحمة الله عليه .
من الاشياء المعروفة ان الجثث والمدفونة في المقابر يحصل لها تحلل وتتلاشي حسب طبيعة الاشياء الا جثث الانبياء والصالحين فتظل محتفظة برطوبتها وشكلها فلا تتحلل اخبرني علي ود شيخ عبدالله ان عمنا فهمي البوشي واثناء حفرهم لقبر عثروا علي جثة مدفونة لها عشرات السنين ومازالت محتفظة بشكلها كانها دفنت قبل قليل ماكان من عمنا فهمي الا ان اقتطع جزء من الكفن واحتفظ به تبركا بصاحب هذه الجثة الصالح - هذا الامر يحصل كثيرا في مقابر مكه المكرمة فالمعروف كل فترة زمنية معينة بعد تحلل الجثة تجمع العظام في قبر واحد وذلك افساحا لمزيد من القبور لدفن الموتى الجدد فكثيرا مايلقى عمال البلدية ومعهم المشرفين جثث لم تتحلل ومحتفظة بشكلها فيتم علي الفور اصدار صكوك ملكية الي الارض خاصة بهولاء الناس الصالحين فلا يتم نبش قبورهم مرة اخرى بموجب هذه الشهادات .
لم يتبقى من المقابر القديمة سوى قبة الشيخ ودكنان والتى كانت تتوسط المقابر القديمة واصبحت المقابر القديمة والتي تضم جدودنا الاوائل نسيا منسيا لايذكرون واتمسحت تلك المقابر واصبحت منازل في حي ودكنان ومدرسة فريني وسوف تمسح المقابر الموجودة الان والتي تضم رفات ابائنا وامهاتنا وتصبح نسيا منسيا كذلك - الا من تلك القباب الموجودة في وسط المقابر قبة المنشد وقبة الحبوب هكذا هي الدنيا عقود وقرون تمر وتصبح اجيال بعيدة عن الذاكرة حتى يرث الله الارض ومن عليها .
عمنا احمد الفكي بابو كانت له فرقة لحفر القبور من شباب حي المدنيين بقيادة خلف الله حمور ( دقل ) وعزالدين شيبة وعادل عبده عوض عبده والنعيم سليمان الحجزي لاننسى عمنا عثمان الشاذلي -
من الشباب الجديد في حفر القبور بودمدني بقيادة عزالدين شيبة ومعه حوكش عبدالله اسماعيل وصقر وهو متخصص في اخراج التراب من ود الاحد وهنالك مجموعة اخري في ودازرق بقيادة التاج طعمية ومجموعة اخرى في المزاد بقيادة عثمان ود عوض الله بتاع الخضار الفي السوق الجديد بمساعدة جاره التينو وميسرة والنعيم اخوان لاعب الاهلي السابق جكن .
في ودمدني الكثير من التجار والذين يقومون بتوفير الاكفان والحنوط مجانا ولكن لايعلنون عن انفسهم ويكون وسيطهم غالبا واحد من الترزية لايريد هولاء التجار الا الحسنات من المولى عز وجل بدون اعلان كذلك يوجد ترزية يوفرون الكفن وريحة الحنوط الي اهل الميت والدفع بعد الدفن او متى ماتيسر المال وفي هذا الخصوص لابد من ذكر العم عثمان سليم اخو بلة ودامبا سليم في محله بالسوق الجديد يساعد في هذا المجال .
كانت مهمة الحفر متوارثة من الأجداد الي الأبناء وهم يشكلون كل الاجيال. وعلي رأسهم العم خضر احمدانا والد فتاح الدسكو الذي ورث الحفر من والده كما كان يحكي ويقول كنت اذهب مع والدي الي المقابر وانا في السابعة من العمر وهو في ذلك الوقت في أعتاب الثمانيين من العمر ودايما يقول انا مارست الحفر لأكثر من سبعين عاما فكان حضوره مع الحفارين كحق أدبي ويكتفي بالتوجيه. فكان الاخوة الظرفاء يلقبونه (بالخبير الروسي ). وكانت آليات الحفر منذ عهود طويلة في منزلهم منذ كانت الشلة الوحيدة في مدني حتي بعد وفاته مطلع الألفية الثانية وتحويلها الي منزل مصطفي بابكر الشامي. (ودحوة )وبعدها المخزن التاج محمد عوض (طعمية )فحمل الراية بكل جسارة.
وأبدأ بالعم خضر احمدانا وأحمد الفكي بأبو ويس الدراوي وعثمان شاذلي وعمر عبد المولي والد ولد أبو شوك وعلاء الدين وهم حتي اليوم يشكلون حضور دائم فى الدفن كلما سمعوا بدافنة. وكذلك ودفع الله ود الشخ وسيد الخضر وسيد سعد ابي وسيد علي مرزوق(سيد مانو )والخال سيد عبدالباقي ومحمد يوسف ابوسالمة والطيب يس وعيسى حسين وعثمان سليم وعوض الله جبارة والد عامر الذي مازال يواصل الحفر مع الجيل الحالي. والعم فهمي البوشي والذي اقعده المرض ولم ينقطع عن الذهاب الي المقابر حتي اليوم وما شاء الله هو الرجل الوحيد الذي عاصر كل الاجيال.
وبعدهم الجيل الثاني ومنهم محمود توفيق(الرباع )ومازال ابنه المهندس سيف الدين يواصل الحفر مع الجيل الحالي ومصطفي الشامي (ودحوة) والمرحوم حسين السيد لاعب نادى الاتحاد. والمرحوم عبيد وخالد وعبد الرحيم الدراوي وحسين طه(جير) شقيق المرحوم بيومي طه والدكتور محمد كمال عجوة وشهاب جعفر وهذا هو جيل الوسط ويأتي بعدهم الجيل الاخير من بداية التسعينات الي اليوم.
كان شيخ العرب يمثل تيم لوحده وكان متعهد المستشفي والسجن يساعده بعض المساجين. وحينما يلتقي بشلة المدنيين تحصل المناكفات ويمنعوه من العمل معهم وكان يتحايل عليهم ليجد حظه من الحفر.
وبعد نهاية الثمانينيات تشكلت عدت فرق للحفر. المزاد وشندي فوق والدباغة ودردق وانتشرت الاتيام وحتي الثمانينيات كانت فرقة خضر احمدانا فقط.
ومن الطرائف كان خضر احمد انا حينما يكون في تجهيز العربة للذهاب للمقابر يسأله النسوة ال مات منو فكان يرد انتو متقولو الماتت منو.
كانت هناك أحداث ومشاهدات كثيرة لقبور تحوي جثامين كأنها دفنت الآن وهناك قبور كانت تنبعث منها روائح ذكية.
وهناك كان قبر يشع نورا كلما ذهبوا الي المقابر ليلا فتحسسه سيد عبدالباقي ليجد امرأة وابنها وفي الصباح حاولوا ان يزوروه فلم يعثروا عليه إطلاقا.
ومن الطرائف وجد العم أحمد بأبو طقم أسنان ذهب فبدأ الحضور بأن يفتوا له منهم من قال حلا لك ومنهم من قال بيعه وتصدق به علي صاحبه. فعرض المهمة للجميع فرفضوا القيام بها فما كان منه إلا أن ألقاه داخل القبر مع الجسمان ووضع عليه آخر طوبة قفل للقبر فصاحوا في عم أحمد لم فعلت ذلك.؟ فقال لهم (عشان بكرة أي زول الاقيني يقول لي الليلة لقيتو شنو ).
وهنالك فتية اشاوس خلف الأضواء الإخوان محمدسعيد وعمرلكو وعزو الحمودى وعرابى النو واحمد بانى ويس عمريس وقائد جبرونا عامر عوض الله و شعيرية ووردي والدكمى وابناءالدباغة بقيادةالجنرال معتصم تلب وزهير وهاشم وجالون.
في اثنا سيرنا ونحن نحمل جنازة حبيب من احبابنا من اهلنا او من الفريق ونحن نقطع المسافة بين جامع الحكومة ومقابر ودمدني سيرا على الاقدام كنا نرى السيارات تقف على جانب الطريق وينزل منها من يكونون بداخلها وبعد رفع الفاتحة علي روح المتوفي كنا نسمع هذه العبارة ( اجر وصلي ) بمعنى افسح لي المجال حتى استطيع ان احمل معكم الجثمان ولو لمسافة قصيرة وفعلا يحمل هولاء الجثمان لمافة بسيطة وتراهم بعد ان ادوا هذه المهمة يسالون وبصوت منخفط من المتوفي. اجر وصلي يظل يمارسها افراد مشهورين بمصاحبة الجنازة حتى المقابر ابتغاء الاجر العظيم .
بعد الوصول الي المقابر قد تتم الصلاة علي الجنازة في الاستراحة المخصصة لذلك او في اول المقابر وفي الاونة الاخيرة الصلاة علي الميت عقب الصلاة المكتوبة في المساجد ومن ثم يحمل الجثمان جاهزا للدفن في المقابر .
كل الاسر في ودمدني لها منطقة معينة في المقابر يتم فيها دفن موتاهم .
عند بدأ مراسم الدفن بادخال الجثمان الي القبر بواسطة اقارب المتوفي درجت العادة في الزمان الماضي ان يقراء دعاء من قبل شخص متخصص في مثل هذه المناسبات واذكر عمنا سيد بكش كان يقراء هذا الدعاء او سورة ياسين بمجرد وضع الجثة في ود الاحد ويختم مع تقفيل ود الاحد بالطوب المصنوع من الطين .
يوضع العنقريب والبرش وثوب السرتي في العربة والمتجهة الي منزل البكاء كان في القديم تجهز جرادل الربع وبها عصير الروزانا او الفراولة للقادمين من المقابر والذين كانوا يحفرون القبر .
بعد وصول العنقريب الي بيت البكاء تبدأ النساء في الانصراف وخاصة من الجيران البعيدين والاقرباء البعيدين ويبقي اصحاب الوجعة وبعض الاصدقاء المقربين ويمكثون يوما او اكثر فيما تعارف عليه بعصر الفراش.
في بعض الاحياء في ودمدني هنالك اسر معروفة بتواصلها الاجتماعي المميز خاصة في مناسبات البكيات وشاهدت صور هذا التواصل في حي القبة وذلك بتكفل هذه الاسر باطعام اهل بيت المتوفي واقربائه في موعد وجبة الاكل عقب دفن الجثمان باخراج عدد صواني من منزل واحد قد تتعداء العشرين صينية وذلك حتى يكتمل اطعام الموجدين في بيت العزاء اذكر من هذه الاسر والتي شاهدتها تقوم بذلك اسرة موسى العربي اسرة بشير مكي اسرة ايوب ابوطبيله اسرة الخليفة علي ود عبد الفضيل اسرة جلال ابوعاقلة ولعل هنالك في احياء مختلفة مثل هذه العوائل تقوم بهذا الدور الاجتماعي الفريد .
كانت جدتي توقظني عقب صلاة الفجر مباشرة لكي اخذ شاي الصباح باللبن واللقيمات الي بيت البكاء مجاملة لجيرانها واكون انا الممثل الوحيد للعائلة بحكم تواجدي بالمنزل .
غداء بيت البكاء هو الاهم ترى التحضيرات من الصباح على قدم وساق الذهاب الي السوق من الصباح الباكر وشراء اللحمة والخضروات حيث ينهمك البيت كله في تصنيع وجبة غداء بيت البكاء فيتم اخراج الصينية النيكل الكبيرة وينفض الغبار عن ذلك الطبق المزركش عقب صلاة الظهر وبالتوقيت القديم الساعة الواحدة تخرج الصينية متجهة الي بيت البكاء وكلما خرجت من بدري يكون حظها في الاكل كبيرا واذا خرجت متأخرة يكون مصيرها ادخالها الي داخل بيت البكاء لتكون من نصيب النساء المتواجدات بالداخل .
في بيت البكاء تلاحظ ان هنالك افراد ينتظرون قدوم اشخاص معينين ومعهم صوانيهم ومشهورين بأن اكلهم يكون ممتاز ترى هولاء الافراد يتجنبون الاكل في الصواني الجاهزة استعدادا لمايحضر من الممتاز هولاء الافراد قد يكونون من اهل المتوفي او من الفريق او من الجماعة والذين يتنقلون بين بيوت البكاء طوال العام اعرف الكثير منهم يسمونهم الان بالطيارات. .
اذا كان تواصل اهل الميت مع الجيران في الفريق قد يكفي الغداء والذي يحضره الجيران لغداء كل الموجودين وبرضوا لو كان واحد من اسرة المتوفي يعمل في مشروع الجزيرة وحضرت البصات الي شيل الفاتحة مع موعد وجبة الغداء الخير كثير حتى ولو لم يكفي المتوفر بالخارج سوف تخرج الصواني من داخل بيت البكاء .
اهل بيت البكاء تكون استعداداتهم بوضع مبلغ مالي كبير في يد مجموعة من الشباب يعهد اليهم مسئولية تجهيز اغراض الفطور والغداء والعشاء والشاي والقهوة والثلج في القديم كان يعهد الي مجموعة من النساء المتزوجات صغيرات السن بمهمة الطبخ علوية عليها حلة القرع ومحاسن عليها حلة الخدرة وفاطمة عليها حلة البامية وحواء وزينب عليهم عواسة الكسرة كانت مهمة الطبخ توزع عليهم الا ان ظهر عصر الطباخ والذي يؤكل اليه مهمة تجهيز الاكل كله بدأ من شراء الخروف او الخرفان علي حسب الحالة الاقتصادية لاسرة المتوفي وكمية المعزين الذين سوف يحضرون
قد يعهد الي مجموعة من الشابات بمهمة اعداد الشاي والقهوة فانت تري مجموعة الشباب يتسابقون لتعبئة الفاضي من السرامس بالشاي والقهوة لزوم الونسة وخشم خشمين مع الشابات وغالبا مايكونون من بنات جيران بيت البكاء .
في غداء بيت البكاء قد تلاحظ وجوه واشخاص يمكن ان تلاقيها في اغلب بيوت العزاء والتي قد تكون من اهلك او اصدقائك هنالك اشخاص ومعروفين بالاسم دائما حاضرين ومع مواعيد وجبة الغداء سمعت ان بعض منهم يحضرون نشرة الاخبار الصباحية في اذاعة ودمدني ويحددون مكان البكيات وخاصة البكيات في الاحياء الراقية ودائما يكونون حضورا هنالك .
في بيوت البكاء دائما يقال المات فقد نفسه كمية من النكات والاخبار تتداول في بيت البكاء وهنالك اشخاص يمتازون بخفة الدم والدعابة يكونون محط اهتمام الموجودين وتجدهم دائما ملتفين حولهم وغالبا يكونون من ظرفاء ودمدني تخرج الكلمة من افواههم كنكتة جاهزة دائما .
التكاتف والتضامن الاجتماعي يظهر في الكشف والذي يدفع فيه اقرباء وعوائل المتوفي والاصدقاء والجيران والمعارف وكلما كانت مشاركاتك واسعة كلما كان الكشف يمثل رقما كبيرا يكفي ايام الفراش ويرحل الباقي لسداد باقي ايام العزاء للمتواجدين من الاقرباء .
في الزمان السابق كانت ايام العزاء في بيت البكاء ثلاثة ايام تقلصت الي يومين ومن ثم الي يوم واحد وقد يكتفي بعض الناس بانتهاء العزاء بانتهاء مراسم الدفن .
في اليوم الثالث للوفاة والذي يسمى يوم الصدقة من الصباح ترى تجمع المساكين في بيت البكاء انتظارا لتوزيع الصدقة عليهم ودائما يكون قائدهم ود عم فاروق وهي غالبا ماتكون مقطع من القماش الدبلان يعطى كل مسكين مقطع يكفي لصنع جلابية .
كل شعوب العالم يكون الحداد عندهم باللون الاسود الا عندنا نحن في السودان يكون باللون الابيض وغالبا ثوب الساكوبيس للنساء واذا كان الفقيد صغيرا وعزيزا يكون الحداد بي الفردة والمسماة بالقنجة .
شاهدت جدتي وعند وفاة زوجها وقرب المغرب تتجه ناحية الحيطة ولاتتكلم ابدا الا بعد زوال مايعرف بالحمارات او الشفق عند غروب الشمس لا اعرف ماهي طبيعة هذه العادة وغالبا ماتكون نوبية الاصل كما كانت تحتفظ بي مخرز مصنوع من النحاس يقال عنه ايضا انه يحرس .
في يوم الاربعين او مايعرف بالكسر يعني كسر القبر وتسويته مع الارض وطرح ذلك التراب العالي والاربعين غالبا يكون في اليوم السادس او السابع والثلاثين ويتم دعوة الجيران والاقارب والاصدقاء تذهب مجموعة من النساء تكون مهمتها كسر القبر ومن ثم وضع علامات مميزة عليه ليسهل التعرف عليه مثل قطعة حديد قديمة او جالون قديم وذلك قبل تصنيع الشواهد او بناء بناء علي القبر او عمل قفص من الحديد - يوم الاربعين يكون ملاح الويكاب باللوبة جاهز في المنزل مع وجبة الفطور والغداء ويتم في هذا اليوم العزومة من اهل المتوفي لبقية الاهل والجيران بفك الحداد واستعمال الحناء يقال في هذه الحالة عزموهم علي الحناء .
في ايام الاعياد وخاصة في اول عيد للمتوفي كنت ارى جدتي وبعد صلاة الصبح مباشرة تذهب الي المقابر وهي تحمل معها التمر والفول السوداني بي قشره وبعد زيارة القبر يوزع علي اطفال القرعان والذين يكونون متواجدين بكثرة في المقابر في هذا اليوم .
في الماضي كان اهل المتوفي وجيرانهم واصحابهم لايغيرون ملابسهم لمدة سبعة ايام فتبدوا الملابس متسخة ولكن الان انتهت هذه الظاهرة واصبحوا يغيرون ملابسهم كل يوم وكثيرون يضعون الحناء في اليوم السابع وهم من الاقربين للمتوفي حتى يقتدي بهم البقية .
ربنا يرحم موتانا وموت المسلمين ويرحمنا ونحن فوق الارض ويرحمنا عندما نكون تحت الارض .