لا تزال إيران دولة هتلر "الشرق الأوسط" الخمينينة، مصابة بخيبة أمل كبيرة منذ أن أنهى السودان مشروعها الوهمي الذي استمر عقوداً من أجل نشر الطائفية في المجتمع بسبب القرارات الأخيرة الصادرة من الحكومة السودانية بوقف التعامل نهائياً مع الدولة الصفوية.
واصطدم المشروع الإيراني بالكثير من المتاريس التي أعادته إلى حجمه الطبيعي بعد 38 عاماً، استخدمت فيها طهران السبل والوسائل كافة وصرفت الغالي والنفيس من أجل التغلغل في هذا المجتمع، لكنها نسيت حقيقة مهمة هي تماسك الإسلام الوسطي في بلاد النيلين منذ زمن بعيد.
ويقدم باحثان سودانيان هما الدكتور أبو القاسم أحمد عمر حسين أستاذ العقيدة والمذاهب بجامعة القرآن الكريم في السودان، وزميله الدكتور الباحث في المركز الدولي لاستشراق المستقبل ومقره الخرطوم دراسة مهمة حصلت "الرياض" عليها عبر المركز تفرد حيزاً واسعاً لمشروع نشر الطائفية الفاشل في السودان.
وتقول الدراسة إن بداية تسلل الفكر الخميني كانت تحديداً في العام 1979 مع قيام الثورة المشؤومة في إيران.
وتنشر الدراسة رواية لمن اسمته أحد قادة طلائع نشر الفكر الخميني في السودان وهو أحمد الكاتب العراقي الجنسية الذي بعثه الخميني منذ أن كان في العاصمة الفرنسية باريس لهذا لغرض.
وتتحدث عن كيفية تسلل الكاتب داعمة هذه الرواية بمستندات كان قد نشرها في وقت سابق المفكر السوداني البروفيسور حسن مكي محمد أحمد في كتاب.
وتعتبر الدراسة أن الكاتب العراقي هو صاحب أول دعوة مذهبية علنية منظمة في السودان وكان كثيراً ما يتحدث لأتباعه عن أن الخميني اختاره شخصياً للتدريس في الحوزات إلى جانب أنه كان يشرف عليها، وتضم طلبته في الدول الخليجية وبعض الأفغان والعراقيين والسودان ودولاً أخرى.
ويقول الكاتب -بحسب ما ورد في الدراسة- إنه عند ما أمر بإنشاء "حوزة" في السودان، سافر مباشرة عبر سورية وإلى العاصمة المصرية القاهرة ومن هناك إلى الخرطوم.
وبقي الكاتب في السودان حوالي أربعين يوماً، قام خلالها بالاتصال بمجموعة طلبة جامعيين يقول إنه أفلح في نقل الفكر المذهبي الى بعضهم، إلى جانب أنه أسس أول جمعية طائفية في السودان باسم "جمعية الرسالة والتضامن الإسلامية".
وتؤكد الدراسة أن هدف الجمعية الأساسي هو أن يكون السودان القاعدة التي ستنتشر منها المذهبية في أدغال قارة أفريقيا، لكن مع ذلك كله -والمعلومات منسوبة للدراسة-فشلت الجمعية في الانتشار أو البروز في العاصمة الخرطوم وبقية الولايات واستمر الحال كذلك إلى أن غيرت الدولة الإيرانية استراتيجيتها بعد أن فشل نظام الجمعيات.
وبدأت إيران بعد ذلك في استخدام الدبلوماسية الناعمة في السودان عبر إنشاء أكبر ملحقية ثقافية لها في أفريقيا لتدارك ما فشلت فيه عبر نظام الجمعيات، وكان ذلك تحديداً في عقد الثمانينيات من القرن الماضي أيام حكومة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المعارض.
وعرف باحث سوداني هذه المراكز بالقول: "هي عبارة عن مكتب أو ملحقية ثقافية تتبع للسفارة الإيرانية في البلد المعين، ومعروف أن الملحقيات الثقافية تهتم بمجالات الآداب والفنون، والتعريف بالبلد المعين وثقافته، لكن الملحقيات الإيرانية انحرفت عن ذلك الغرض فصارت منصات لنشر المذهبية والترويج للرسائل المحملة بهذا الفكر ونشر اللغة الفارسية".
وتقول الدراسة "المعروف عن إيران أنها تخصص ميزانيات خرافية لهذه الملحقيات، فقد خصصت ميزانية ثقافية في العام 2008 بلغت 2500 مليار تومان ذهب، منها حوالي 386 مليار تومان لوزارة الثقافة والإرشاد والباقي كله صرف على النشاطات الدعائية والترويجية للفكر الخميني".
وتؤكد الدراسة أن نشاط المركز الثقافي الإيراني الذي افتتح في الخرطوم في العام 1988 قبل وصول الرئيس الحالي عمر البشير إلى السلطة، كان يقوم عبر المستشار الثقافي للسفارة بزيارات للطرق الصوفية ومراكز تحفيظ القرآن والمدارس والمعاهد التي كان يقيمها المشيعون في السودان.
وتشير الدراسة إلى مشاركة الملحق الإيراني في افتتاح مدرسة يملكها شيعي سوداني في ضاحية "أمبدة" غربي مدينة أمدرمان في العام 2013، وتؤكد أن هذا النوع من المدارس أفتتح في منطقة الحاج يوسف شرقي العاصمة وبعضها خارج الخرطوم.
وتكشف المزيد من التفاصيل عن نشاط المراكز الثقافية الإيرانية التي أغلقت من حكومة البشير في العام الماضي 2016، منها تعليم اللغة الفارسية والاحتفال بالمناسبات المذهبية مثل إقامة ذكرى ميلاد الأئمة الخمسة عشر، وعيد النيروز، والاحتفال بذكرى مايسمي بالثورة الخمينية.
وتقول الدراسة إن المستشارية الثقافية وسعت من نشاطها قبل الإغلاق بفترة بسيطة بإنشاء مراكز في مدن أم درمان الضلع الأكبر للعاصمة، ومركز آخر أسمته مركز دراسات الإمام الخميني للبحوث، وهو مركز كان يشرف على تقديم المنح الدراسية للسودانيين في إيران ودعوات للصحفيين لزيارة إيران.
وكانت وزارة الخارجية السودانية ذكرت في وقت سابق، أن السبب الرئيسي في إغلاق هذه المراكز هو مثل هذه الدعوات.
وطبقاً للدراسة، فإن هناك مراكز أخرى أغلقت وارتبطت بالدعم والوجود الإيراني منها معهد الأمام علي في ضاحية الفتيحاب بأم درمان، ومعهد الإمام جعفر في ضاحية العمارات جنوب وسط الخرطوم، مؤكدة أن هدف هذه المراكز تحديداً كان هو إعداد أئمة يتشبعون بالفكر المذهبي والدراسة فيها كانت مدعومة بكل الاحتياجات.
وترى أن إغلاق المراكز وقطع العلاقات مع إيران أدى أيضاً إلى وقف نشاط منظمات مجتمع مدني وروابط طلابية كانت متعاطفة مع الفكر الخميني على رأسها جمعية "آل البيت الخيرية" التي أسسها الشيخ الصوفي المعروف النيل أبوقرون، وهو رئيس للطريقة العركية القادرية في الخرطوم، إلى جانب اختفاء روابط يشرف عليها بعض خريجي الجامعات الإيرانية والسورية، وكانت لها أنشطة مختلفة مثل إقامة الندوات والمحاضرات وأبرز هذه الروابط هي رابطة الزهراء للطالبات الجامعيات.
وأثيرت ضجة كبرى في السودان في العام 2006 الماضي، عبر نشر كتب مذهبية في معرض الخرطوم الدولي للكتاب، مما دفع هيئات وشخصيات دعوية للتحرك لإغلاق الأجنحة الإيرانية في المعرض وفتح تحقيق فوري حول الطريقة التي وصلت بها هذه الكتب إلى السودان.
وانعكس إغلاق المراكز الإيرانية أيضاً على نشاطات أخرى، فتوقفت في السودان نهائياً مؤسسات كانت تمارس فيها شعائر طائفية كانت بدأت الانتشار الخجول في العاصمة والولايات. وتخلص الدراسة إلى الدعوة لضرورة أن يستمر البحث لمواجهة ما أسمته بالظاهرة الإيرانية وتوابعها بما يناسبها ورسم مسارات لتوقعات عن أي سلوك مذهبي بعد إغلاق المراكز ووضع السبل المناسبة لمواجهة أي مسار.

---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/1642512]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]