مشهد ضبابي يصيب السودان، عقب إعلان الجيش عزل عمر البشير واعتقاله وتشكيل مجلس عسكري يدير البلاد لفترة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإجراء انتخابات، ففي الوقت الذي اعتبرت فيه قوى المعارضة السودانية بيان الجيش "انقلابا عسكريا" انقسم المتظاهرون أنفسهم ما بين مرحب بدور الجيش، وآخرون ينتابهم التوجس من المؤسسة العسكرية.
وبعد إعلان وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف، رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي، دعت قوى "إعلانِ الحرية والتغيير" بالسودان في بيان مشترك لها جموع المتظاهرين للحفاظ على اعتصامهم أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة وفي بقية الأقاليم، والبقاء في الشوارع حتى تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية تعبر عن قوى الثورة. ورفض حزب الأمة السوداني أي محاولة لإعادة إنتاج النظام القديم، داعياً للتمسك بمطالب الشعب في نظام جديد ورفض الالتفاف عليها.
وقالت د. أماني الطويل، مدير البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة، إن التطور الذي حدث لم يحسم الأمور نحو الاستقرار، بدليل أن المواطنين مازالوا في الشوارع، وأتصور أنه خلال الأيام المقبلة ربما يرشح نوع آخر من التفاعل وتغييراً في شكل السلطة التي تم طرحها خاصة أن العديد من العواصم العالمية صنفت هذا التحرك كـ"انقلاب عسكري" وكذلك الاتحاد الأفريقي قال إنه انقلاب عسكري لا يجيب الإجابة الصحيحة على تطلعات السودانيين.
وأضافت الطويل في تصريحات لـ"الرياض" أن الاحتمالات مفتوحة على كافة السيناريوهات، وأتصور أنه مع الضغط الدولي يمكن أن يحدث تعديلاً في الصيغة الراهنة بحيث تستصحب معها قرارات جديدة بفترة انتقالية أقل ووجود حكومة مدنية تتنقل السلطة إليها حتى بعد ثلاثة أشهر، وإعلان تكوين المجلس الانتقالي الذي لم يعلن حتى الآن، وكل هذه الأمور متوقعة خلال الأمور القادمة.
وعن رد الفعل الدولي والإقليمي على ما حدث في السودان والطلب الأميركي الأوروبي بخصوص عقد جلسة بمجلس الأمن، ترى الطويل أن السودان كدولة تعد محوراً للأمن الإقليمي والأمن التجاري في البحر الأحمر، لديها 6 آلاف كيلومتر على البحر الأحمر، وهي مواجهة للمملكة العربية السعودية، وأي ترتيبات في البحر الأحمر لابد وأن يكون السودان شريكاً فيها، كذلك السودان مؤثر في أمن شرق أفريقيا ودول الساحل والصحراء وموقعه الجيوسياسي حرج، وبالتالي مؤثر على كل الإقليم، ومن هنا أي تحرك سياسي لا يضمن استقرار السودان وصيغة الحكم فيها سيهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وأوضح د. أسامة عبد الرحمن، الباحث بمركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية، أن "تجمع المهنيين السودانيين" وهو تنظيم نقابي غير رسمي خرجوا للشارع وقادوا الاعتصامات والاحتجاجات منذ مئة يوم وكسبوا تأييد قطاعات كبيرة جداً وسط الشعب السوداني حتى الموظفين في المؤسسات الحكومية انضموا إلى هذا التنظيم الذي يدعو إلى إسقاط النظام، وظل هؤلاء الناس يضغطون ويحشدون ورغم أن معظمهم أصبح في السجون إلا أن العمل على الأرض استمر، وكان للضغوط الاقتصادية المبالغ فيها دوراً؛ لا يوجد وقود ولا أموال في البنوك، وبالتالي الحياة الاقتصادية شبه متوقفة ووصل الدولار إلى 70 جنيه سوداني، وفي ظل هذه الظروف وكذلك القمع خرج الناس لمواجهة رصاص النظام، وتم محاولة فض الاعتصام ثلاثة مرات لقي خلالها 21 شخصاً مصرعهم بينما وصل عدد الضحايا من المصابين إلى أكثر من 500 مدني، وبعد فشل النظام في فض الاعتصام كان يجهز لخروج مسيرة من المدنيين يقودها عناصر الإخوان لتكون مواجهة بين الشعب نفسه ولكنها فشلت، وانحاز الجيش للمعتصمين، وفي نهاية الأمر تم اعتقال الرئيس وباقي نظامه وحدث ما حدث.
وشدد عبدالرحمن في تصريحات لـ"الرياض" على أن الإشكال أن القيادات العليا في الجيش هم أنفسهم الذين عينهم الرئيس البشير وموالين له، وبالتالي هناك خوف من كونهم ضحوا بالرئيس للالتفاف أو أن تكون هذه مجرد مسرحية "انقلاب داخلي" وليس ثورة شعبية، وهذا يتطلب الضغط على المجلس العسكري حتى لا يأتي على رأسه أحد الموالين للنظام السابق وإدخال مدنيين لإدارة الحياة السياسية من الكفاءات السودانية لتفكيك الدولة العميقة وحلحلة الأزمات الاقتصادية وتهيئة الدولة لنظام ديموقراطي.

---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/1749365]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]