جاء ترحيب المملكة العربية السعودية باتفاق الشراكة الموقع بين الأطراف السودانية ودعمها الجهود التي قادتها إثيوبيا والاتحاد الأفريقي، امتداداً لنهج المملكة التي كانت ومازالت وستظل مع كل ما يضمن للسودان أمنه واستقراره وسلامته اقتصادياً واجتماعياً، يؤكد ذلك النهج مساهمتها الفاعلة في هذه الخطوة المهمة التي تشكل بداية لمرحلة جديدة يسودها الأمن والاستقرار، بما يلبي تطلعات الأشقاء في جمهورية السودان. لقد وقفت المملكة في الماضي إلى جانب هذا البلد ودعمته بكل احتياجاته من المال والغذاء والوقود، وتواصل اليوم ذلك عبر الدعم الكبير الذي أمرت به القيادة لمؤسساته المالية والاقتصادية وتلبية متطلباته الغذائية، وهو ما يجسد اهتمام المملكة بالتنمية ودعمها المتواصل لبناء مستقبل أفضل لأبنائه. وثمة الآن خطر يكتنف المرحلة الدقيقة التي يمر بها السودان، لاسيما التدخلات الخارجية، لذا تتطلع المملكة أن يعمل السودانيون أنفسهم على تحصين اتفاق الشراكة المبرم بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، بما يكفي السودان شر التدخلات الخارجية التي لا تريد به خيراً.
ومن منطلق حرصها على استتباب الأمن في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي والعالم، ومن موقع رئاستها للتحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب، فإن المملكة لا تقبل أن يتحول السودان إلى مرتع للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، وذلك حفاظاً على أمن بلد عربي شقيق، ولكي لا يكون منطلقاً لعمليات إرهابية تهدد أمنه وأمن جيرانه وسلامة الإمدادات النفطية والتجارة العالمية في البحر الأحمر والسواحل الأفريقية.
ولا يغيب عن فضاء قضايا الساعة موقف المملكة ومساعيها لحفظ أمن السودان والتي بدأت منذ وقت مبكر وبتشاور وتنسيق مستمرين مع الأطراف الدولية الفاعلة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى ما قدمته من مساعدات مالية تجاوزت 250 مليون دولار وشحنات وقود وغذاء وأدوية منذ بداية الأحداث للتخفيف من أي أثر سلبي على المواطن السوداني، ومن منطلق العلاقة التاريخية القديمة والأصيلة مع السودان حكومةً وشعباً.
لقد أصبحت العديد من العوامل التي تُشّكل ملامح الشرق الأوسط المعاصر حاضرة الآن في السودان، لذا وقفت المملكة دون تردد مع السودان من أجل تحول سياسي يحافظ على الدولة ويحمي مصالحها ووحدتها وأمنها واستقرارها، ودون النظر إلى أشخاص أو أحزاب ولا إقامة علاقات على هذا الأساس بل تعاملت مع السلطة الشرعية التي تمثل كل السودانيين. ولا شك أن تدخل القوات المسلحة السودانية جاء في الوقت المناسب لإنقاذ السودان من الانزلاق إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وتمكينه من المضي قدما باتجاه الانتقال السلمي للسلطة وقيادة مرحلة انتقالية تفضي إلى انتخابات تشريعية تحترم خيارات الشعب السوداني بعد أحداث 3 يونيو التي لفتت انتباه المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي ودول عربية عدة إلى خطورة الأوضاع في السودان في المرحلة الراهنة، كما ساهمت القوى السياسية المدنية في تحقيق نتائج ملامسة للشعب واحتياجاته وآماله منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
ومن المقرر أن يوقع المجلس العسكري و»الحرية والتغيير» والوسطاء الأفارقة وشهود دوليون وإقليميون من عدة دول على وثائق الاتفاق بين المجلس العسكري و»الحرية والتغيير»، الذي سيتم بمقتضاه تشكيل «المجلس السيادي» من 11 عضواً (6 مدنيين و 5 عسكريين)، ليُعلن حل المجلس العسكري، ويؤدي أعضاء المجلس السيادي القسم يوم الاثنين، ويعقد أول اجتماع له إيذاناً بتسلمه السلطة، ويوم الثلاثاء يُعين المجلس رئيس الوزراء، علماً بأن قوى «الحرية والتغيير» يحق لها منفردة اختياره، وقد توافقت على الخبير الاقتصادي العالمي عبدالله حمدوك، المنتظر أن يؤدي اليمين الدستورية يوم الأربعاء، ثم يُمنح أسبوعاً لاختيار أعضاء حكومته بالتشاور مع «الحرية والتغيير»، ليعتمد مجلس السيادة في 30 أغسطس الجاري التشكيلة الكاملة للحكومة، التي يؤدي أعضاؤها اليمين في 31 أغسطس وتعقد أول اجتماعاتها، وفي أول سبتمبر المقبل ينعقد أول اجتماع بين مجلسي السيادة والوزراء، وهو نفس اليوم الذي تنطلق فيه عملية السلام مع الحركات المسلحة، المُحدد لها 6 شهور، علما بأن المرحلة الانتقالية مدتها 39 شهراً.

---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/1771943]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]