شهدت 21 دولة خلال الفترة من 25 يناير وحتى 21 فبراير الجاري، 107 عمليات إرهابية نفذتها 7 تنظيمات نشطة، وراح ضحيتها 829 شخصاً ما بين قتيل ومصاب ومختطف؛ حيث نتج عن تلك العمليات 519 قتيلاً و300 مصاب فيما سجلت البيانات المرصودة اختطاف 10 أشخاص. وجاءت العمليات -بحسب مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية- في دول (أفغانستان، العراق، الصومال، سورية، الكاميرون، الكونغو، النيجر، باكستان، بوركينا فاسو، تشاد، سورية، اليمن، مالي، الهند، بريطانيا، كينيا، نيجيريا، ليبيا، الجزائر، ألمانيا، الكونغو الديمقراطية)، وجاءت أفغانستان على رأس قائمة الدول الأكثر معاناة من تنامي النشاط الإرهابي تليها العراق.
وتكشف البيانات المرصودة نشاط خمسة تنظيمات هي (بوكو حرام، داعش، شباب المجاهدين، طالبان، نصرة الإسلام والمسلمين، القاعدة في جزيرة العرب، هيئة تحرير الشام) وترجح المؤشرات تورطهم في العمليات الإرهابية؛ على اعتبار أنها وقعت في مناطق تمركزها وانتشارها، وأوضح المرصد أن المدنيين هم الفئة الأكثر استهدافاً في العمليات الإرهابية التي وقعت خلال نفس الفترة بواقع (26) عملية إرهابية بما نسبته 56 % من العمليات، وكانت العمليات التي استهدفت المدنيين قد ضربت أهدافاً مدنية عدة، فقد ركزت الجماعات الإرهابية على استهداف منشآت اقتصادية ومدنيين بشكل عشوائي، ويرجع السبب في تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية ضد المدنيين إلى الرغبة الجامحة من قِبل التنظيمات الإرهابية في إثبات أن لها القدرة على الحركة واستهداف الأهداف المدنية كالأسواق أو التجمعات السكنية.
ومازالت الجماعات الإرهابية تعتمد على أنماط عدة من الهجمات تبعًا لنوعيات الأسلحة المنتشرة معها، فقد شهد المؤشر إقدام الجماعات الإرهابية على اتباع (4) أنماط للعمليات الإرهابية، هي: (الإعدام، الهجوم المسلح، التفجيرات، العمليات الانتحارية)، وحل في المرتبة الأولى من حيث الأنماط الأكثر استخدامًا نمط الهجوم المسلح بالأسلحة الخفيفة والثقيلة كالقذائف بما نسبته 61 % من جملة العمليات، بينما حل في المرتبة الثانية العمليات الإرهابية التي تمَّت بواسطة التفجيرات.
ويؤكد هذا التنوع في استخدام الأسلحة على القدرات المالية التي تمتلكها هذه المجموعات الإرهابية من جهة، ومن جهة أخرى يؤكد على أن هذه المجموعات لديها ترسانة كبيرة من الأسلحة التي بحاجة لجهود دولية للقضاء عليها.
وتسعى الجماعات الإرهابية لإيجاد مصادر تمويل معتمدة على خريطة توزيعها الجغرافي، مخلفة آثاراً أثرت في معظمها على التوازن البيئي، وأسهمت في إخلال العديد من الأسواق؛ بسبب تدخلها في تجارة الأخشاب والذهب والآثار والعملات الإلكترونية والزراعة والأسماك والمكسرات باهظة السعر.
تجارة الأخشاب
سلطت مجلة فورين بوليسي الأميركية في تقرير ميداني من ولاية كنر شرقي أفغانستان -التي تغطّيها غابات أشجار البلوط والصنوبر والجوز- الضوء على وجود أعداد متزايدة من أعضاء تنظيم ولاية خراسان وهو الفرع الأفغاني لتنظيم داعش الإرهابي، تتخذ من تجارة الأخشاب وسيلةً لجني الأموال، حيث تنتشر الغابات التي فقدت 40 % من أشجارها على مدار العقود الثلاثة الماضية ويسيطر عليها حالياً تنظيم داعش واتخذ من صناعة الأخشاب المزدهرة مصدراً أساسياً لتمويل عملياته، خلفاً لحركة طالبان في السابق.
ولم يتبقّ سوى عدد قليل من الأشجار حول مدينة أسد آباد، عاصمة ولاية كنر، ويقتصر المشهد حالياً على مجرد تلال وعرة مغطاة بالعشب، وجبال جافة وقاحلة، ويعتمد داعش على أحد الأنهار لتهريب الأشجار إلى باكستان ومن ثم بيعها بطرق غير شرعية، وتقدّر كمية الأشجار التي يجري تهريبها بحوالي 20 ألف شجرة سنوياً.
وقال محمد كميل -والذي كان يعمل في مجال صناعة الأخشاب على مدار العقدين الماضيين- إنَّ كل شجرة تتكلف ما بين 3 آلاف و5 آلاف روبية باكستانية -العملة المستخدمة السائدة في المنطقة- وهو مبلغ يتراوح بين 20 إلى 30 دولاراً، وعند قطع الأشجار، ينتج عن كل شجرة حوالي 15 لوحاً خشبياً، يباع كل واحد منها بنحو 12 ألف روبية (حوالي 75 دولاراً).
الذهب والزراعة
في تسعينيات القرن الماضي، اتخذت جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية قراراً بإعداد محفظة استثمارية في شرق وشمال إفريقيا، وذلك بعد مشاورات بين قيادات التنظيم الدولي، ووقع الاختيار على تلك المناطق لوجود أفرع كبيرة وقوية للجماعة في السودان وتونس والصومال، لكن نشاط الجماعة الاستثماري امتد لدولة جنوب إفريقيا، وتنوع ما بين الزراعة والتجارة والتنقيب عن الذهب، خاصة أن الدول المستهدفة غنية ومليئة بكميات كبيرة منه.
وكانت هذه الاستثمارات بعيدة عن الملاحقات الدولية؛ لأنها تتم عبر شركات تابعة لأفراد بعضهم غير محسوب على الجماعة وليسوا مرصودين للأجهزة الأمنية، كما أن وجود استثمارات لتنظيم الإخوان في هذه الدول منح أعضاء التنظيم حرية التنقل بين الدول لإقامة فروع ومعسكرات وهو ما حدث في السودان والصومال تحديداً.
وتركز استثمار تنظيم الإخوان الإرهابي في السودان على الزراعة والصيد وصناعات الزجاج، وفي كينيا تجارة الأجهزة المنزلية والاتصالات وصناعة الأثاث، وفي الصومال الزراعة وإقامة مزارع الإنتاج الحيواني، أما في جنوب إفريقيا فقد ركز التنظيم نشاطه الاستثماري على التنقيب عن الذهب.
غسل الأموال
مازال النظام الإيراني يوفر الدعم المالي للميليشيات العسكرية التي تقاتل بالوكالة في بلدان عدة بالمنطقة، بهدف تنفيذ مخططات إرهابية، واتهمت الولايات المتحدة ودول أوروبية وإقليمية عدة بنوك إيرانية بالتورط في توفير غطاء نقدي غير قانوني لميليشيا الحرس الثوري الإيراني، منها بنوك: أنصار (تابع للحرس الثوري)، وحكمت إيرانيان (تابع للقوات المسلحة)، وقوامين (تابع للشرطة)، ومهر اقتصاد (تابع للباسيج)، ومؤسسة كوثر الائتمانية (تابعة لوزارة الدفاع).
وبدأت في إيران عمليات وصفت بـ"غير تقليدية" لبيع أسهم البنوك الخمسة التي تديرها مؤسسات عسكرية داخل بورصة طهران، في خطوة أولى على طريق دمجها جميعاً تحت مسمى بنك جديد يدعى "سباه"، في الوقت الذي يعرقل فيه أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام (أعلى هيئة استشارية في إيران) تمرير قوانين تتيح الانضمام إلى اتفاقيتي مكافحة الجرائم المنظمة العابرة للحدود (باليرمو) وحظر تمويل الإرهاب (سي إف تي) خشية مراقبة أنشطة مالية غير مشروعة لدعم ميليشيات عسكرية.
واعترف وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن غسل الأموال في البلاد يصل إلى مليارات الدولارات سنوياً، كما أكد أن "غسل الأموال هو حقيقة واقعة.. وهناك الكثير ممن يستفيدون منها"، متهماً بشكل ضمني المتشددين ومن خلفهم الحرس الثوري بالوقوف وراء تعطيل القوانين التي تحاسب المتورطين بغسل الأموال. وجاءت تصريحات ظريف بعدما منحت مجموعة العمل المالي الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب FATF النظام الإيراني مهلة أخيرة لمدة 4 أشهر تنتهي في فبراير الجاري، للانضمام للاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمجموعة، قبل أن تدرجها في القائمة السوداء.
الـ"بتكوين"!
تزايدت تحذيرات الخبراء حول العالم من عملة "بتكوين" الرقمية (Betcoin)، حيث أنها تعطي مجالاً مفتوحاً أمام التنظيمات الإرهابية والمتهرّبين من دفع الضرائب والمختلسين لتدوير أموال غير شرعية وإخفائها بعيداً عن السلطات؛ فهي عملة (افتراضية) مشفرة لا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء التي تتم بها أو حتى معرفة صاحب العملات، وهي من تصميم شخص مجهول الهوية سمى نفسه "ساتوشي ناكوموتو" وطرح أول إصدار منها في العام 2009م، ويمكن الحصول عليها بعدة طرق، ولكن الطريقة الرئيسية هي عملية التعدين (Mining) التي تشبه عملية استخراج الذهب بالحفر في المناجم سواء بصورة فردية أو على هيئة مجموعات، ولكن في عملية تعدين "بتكوين" تستخدم أجهزة الكمبيوتر بدلاً من معدات الحفر وكلما زادت قدرة الجهاز على المعالجة زادت قدرته على استخراج العملات بشكل أسرع.
وتقدر قيمة العملة الواحدة من الـ"بتكوين" في شهر فبراير الحالي بنحو 10 آلاف و150 دولاراً أميركياً، وكانت وزارة العدل الأميركية قد أعلنت احتجاز امرأة -تدعى زوبيا شاهناز وتبلغ 27 عاماً- بتهمة تحويل أموال لتنظيم "داعش" الإرهابي، وذلك بالتحايل على مؤسسات بنكية، وتحويل ما حصلت عليه إلى عملة "بتكوين" الرقمية، وعملات افتراضية أخرى، بما قيمته 85 ألف دولار، وإرسالها لأشخاص على صلة بالتنظيم الإرهابي في باكستان والصين وتركيا.
وللحد من الجرائم التي تترتب من قطاع المجال الرقمي، ناشد مؤتمر باريس بشأن مكافحة تمويل الإرهاب بأهمية تعزيز تعاون المنشآت الرائدة في مجال الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي مع وحدات الاستخبارات المالية ودوائر الشرطة والقضاء وأجهزة الاستخبارات والتحقيقات، من أجل مكافحة تمويل الإرهاب والمحتويات الإرهابية المتوافرة على الإنترنت، بما في ذلك تجنيد الإرهابيين والتطرف العنيف الذي يؤدي إلى الإرهاب، ولا سيّما عن طريق الحوار الذي تجريه بعض الدول المشاركة والمنظمات الدولية مع المنشآت العاملة في مجال الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك اعتماد مبادئ توجيهية صارمة تنظّم خدمات التمويل الجماعي وخدمات الدفع والشروط العامة الخاصة بالجماعات، وذلك من أجل تجنّب المخاطر المترتبة على جمع التبرعات عبر الإنترنت، والنظر في تعزيز بذل العناية الواجبة في ما يخص إجراء العمليات في القطاعات والولايات القضائية العالية الخطورة بغية التخفيف من مخاطر تمويل الإرهاب وسلاسل التوريد بأكملها.
الأسماك والمكسرات
تحتل نيجيريا المرتبة الرابعة عالمياً في إنتاج أجود أنواع مكسرات الكاجو باهظة الثمن -وفق المؤسسة القومية للكاجو في البلاد (NCAV)- بمعدل 120 ألف طن سنوياً، وتستغل جماعة بوكو حرام التابعة لتنظيم داعش هذه التجارة في تحقيق مكاسب مالية لها. ووثقت وكالات الأنباء العالمية حادث هكوم شنته الحركة في مايو 2015 على إحدى مزارع الكاجو الكائنة على مسافة بضعة كيلومترات من ثكنات جيوا العسكرية بمدينة ميدوجوري. وفي العام 2017 تصدت القوات الأمنية لهجوم استهدف ذات المنطقة.
وأشار تقرير مجموعة العمل المالي الدولية الرسمية بفرنسا (FATF) الصادر عام 2016 إلى طرق تمويل الإرهاب في غرب ووسط إفريقيا، إذ أن الجهود الدولية المبذولة لتقويض تمويلات الإرهاب ألجأت بوكو حرام للتعاون مع غيرها من الجماعات في تمرير السلع الممكنة للتمويل بين الحدود لضمان تمويل أكثر أماناً، فمحاصيل المكسرات ليست ممنوعة التداول رغم كونها مسروقة أو تمت السيطرة عليها بطرق غير شرعية، ما يجعلها عنصراً مهماً في عملية التمويل لارتفاع سعرها في الأسواق العالمية. وأوضح تحقيق أمني بنيجيريا أن حركة بوكو حرام تتاجر كذلك في جوز الكولا وتتربح منه، وهي ثمرة معروفة في نيجيريا عالية التركيز في الكافيين وتستخدم في تصنيع مشروبات الطاقة.
ولفت تقرير (FATF) إلى أن بوكو حرام اعتمدت كذلك في تمويلها على تجارة الأسماك، حيث ألقت السلطات النيجيرية القبض على 11 شخصاً من الجماعة في أحد الأسواق بشمال غرب البلاد وكان بحوزتهم 463 صندوق سمك تبلغ قيمة الواحد نحو 7777 دولاراً أميركياً. وكشف قائد العمليات بولاية بورنو الجنرال أولوسيجون أدينيي في نهاية العام 2019 أن بوكو حرام تدير شبكة للاستثمار في الأسماك المدخنة والمجففة عبر أساطيل صيد وشاحنات نقل بري، وقرر الجيش حينها حرق أربع مركبات كانت تقل الأسماك التابعة للتنظيم بين مايدوجوري وتشاد.
النفط والآثار
مازالت ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران تواصل خنق العاصمة اليمنية صنعاء، ومناطق سيطرتها بالتجارة في المشتقات النفطية وبيعها بأسعار باهظة الثمن في السوق السوداء، كما احتجزت الميليشيات مئات الناقلات للمشتقات النفطية ومقطورات الغاز المنزلي القادمة من محافظة الحديدة، متسببة في أزمة وقود في صنعاء والمناطق المجاورة. ويسعى الحوثيون إلى فرض رسوم وإخضاع الوقود والغاز للجمارك، رغم أن الغاز المنزلي هو منتج محلي، ويستخرج من حقول صافر الغازية بمأرب (شرق العاصمة صنعاء).
وعطّلت ميليشيات الحوثي شركة الغاز الحكومية، وفتحوا الباب أمام القطاع التجاري الخاص لتوريد مادة الغاز من حقول صافر في محافظة مأرب الخاضعة للحكومة إلى مناطقهم، وفرضوا رسوماً على ناقلات التجار في منافذ جمركية تم استحداثها، فضلاً عن فرض إتاوات في حواجز التفتيش الأمنية على الطرقات، وتفرض الميليشيات هذه الرسوم بشكل غير قانوني تحت مسميات مختلفة، من أجل تحصيل المبالغ المالية التي تستخدمها لتمويل عملياتها الإرهابية ضد الشعب اليمني الشقيق.
ومن جانب آخر، كشفت تقارير لمنظمات دولية ومحلية، أن يد التدمير الحوثية طالت الكثير من معالم اليمن التاريخية، خاصة الآثار والمعالم ذات الطابع الديني الإسلامي، عبر نهب المعالم التاريخية من خلال عمليات منظمة لتجارة الآثار إلى جانب تعرض مئات المواقع والمعالم الأثرية لاستهداف متعمد من الميليشيات.
وعمدت الميليشيات منذ انقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر العام 2014، إلى نبش المواقع ‏الأثرية وبيع القطع الأثرية في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، إضافة إلى تعريض المتاحف للتدمير الكلي أو الجزئي خاصة في محافظتي أبين وتعز التي تعرضت فيها المتاحف ‏لأضرار جسيمة نتج عنها فقدان الكثير من محتوياتهما من المقتنيات والقطع الأثرية ‏والمخطوطات.
ونشر وزير الإعلام اليمني فيديو على حسابه بموقع "تويتر"، يظهر خلاله حسين الحوثي، زعيم الميليشيات، يستخف بتاريخ اليمنيين، مقللاً من شأن الآثار والقلاع التاريخية الموجودة في مأرب والجوف وغيرهما، متهماً اليمنيين بتقديس تلك الأماكن.
وتعرضت العديد من المعالم التاريخية المسجلة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي باليمن للتخريب جراء استخدامها من جانب الميليشيات كثكنات عسكرية بعد أن قامت بنهب محتوياتها وبيعها في السوق السوداء، وتفخيخ البعض بحقول ألغام.

وطالب
---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/1807120]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]