حظي لبنان على الدوام باهتمام دولي نظراً لموقعه الجغرافي والتاريخي على طريق الحرير، فقد نجحت اللجنة السداسية التي أقر مجلس الجامعة العربية تشكيلها في 12 يناير 1989 وضمت وزراء خارجية كل من الكويت والأردن والجزائر والسودان وتونس والإمارات، بمباركة المملكة العربية السعودية ورعاية الولايات المتحدة الأميركية وجولات مكوكية للرئيس رفيق الحريري والأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، إلى توقيع اتفاق الطائف الذي احتضنته المملكة برعاية وإشراف مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله -، وما كاد يلتقط أنفاسه حتى كان الزلزال الكبير المتمثل باغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري في العام 2005 ليعود لبنان إلى فوهة البركان وحافة الهاوية.
ومع وصول العماد ميشال عون للرئاسة بدأ عهد من الأزمات المتتالية التي أوصلت البلد إلى ثورة 17 أكتوبر في العام 2019، فما كان من عون إلا أنه بشر اللبنانيين بأننا سائرون نحو جهنم، وعقب انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 استقالت الحكومة مما زاد من الأزمة السياسية والاقتصادية، وأتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متضامناً مع الشعب البناني ومؤنباً لسياسييه الذين أتقنوا الفساد ونهب لبنان، وطالبهم بتشكيل حكومة مَهمة، وسمي الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة بعد فشل السفير مصطفى أديب بذلك، ولكن سياسة التعطيل من فريق العهد الذي يطالب بالثلث المعطل زاد من أزمة لبنان، فتنادى العالم للمساعدة شرط أن يساعدوا أنفسهم ولكن لا حياة لمن تنادي، وأصبح وطن الأرز يعيش على صفيح ساخن.
هذا في حين تصاعد الاهتمام الأميركي به في الأيام القليلة الماضية وهو أمر طيب ومحمود وإن كان متأخراً، وهذا تمثل بتصريحات مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر في جلسة إلكترونية أن "عدداً كبيراً من اللبنانيين الأميركيين أجروا وساطة لدى الكونغرس، واستحصلوا على توصيات مكتوبة من مشرعين لتعيين أنفسهم في منصب مبعوث خاص إلى لبنان، لكن إدارة ترمب لم تعيّن أياً منهم لأن وزارة الخارجية متخمة بالمسؤولين ممن لديهم خبرة طويلة في الشأن اللبناني".
وحذر شينكر من احتمال أن يسوء الوضع أكثر وقال: "احتمال اندلاع حرب أهلية جديدة أمر ليس مستبعداً". في حين أطلقت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا عقب لقائها الرئيس ميشال عون نداء إلى السياسيين في لبنان بضرورة العمل سوياً من أجل إنقاذ لبنان وألقت باللوم عليهم على عدم قدرتهم على تشكيل حكومة لفترة تجاوزت الثمانية أشهر، ولكن الساسة في لبنان لا يتعلمون ولم يتجاوبوا مع رسالة وكيل وزارة الخارجية الأميركية السابق ديفيد هيل إلى شعب لبنان الذي أتى زائراً ومتفقداً لبنان بعد تفجير المرفأ، ولم يرض لقاء أي مسؤول في رسالة تأنيب، وهو ما كان يركز عليه مُساعِد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى الأسبق ديفيد ساترفيلد سفير إدارة ترمب في أنقرة في لقاءاته مع المسؤولين في لبنان على ضرورة تخليهم عن أنانيتهم ولكن.*وهذا ما استكمله ديفيد شينكر الذي أكد في حديث لقناة "العربية" أن "الشعب اللبناني بحاجة لحكومة من المختصين"، معتبراً أن "التركيز على المصالح الطائفية في لبنان يفاقم معاناة الشعب". ولفت شينكر إلى أن "النخبة السياسية الحاكمة في لبنان لا تكترث لحاجات الشعب"، مشيراً إلى أن "حزب الله يدعم الوضع الحالي في لبنان ولا يهتم بمعاناة الشعب وهو من أدخل لبنان في حرب كلفته مليارات الدولارات".
غير أن الاهتمام بلبنان قد لا يؤدي إلى أي حلول لأزماته المتصاعدة، لأن الجهود الأميركية وتحديداً لإدارة بايدن لم يعلن عنها بشكل رسمي ورغم أنّه لم يعيّن وزراء من أصول لبنانية أو عربية في حكومته، إلّا أنّه عيّن شخصيات من أصول لبنانية في مراكز مهمة جداً في الإدارة، وهم: د. بشارة شقير المولود في بيروت عام 1973، منسقاً عاماً لعملية التلقيح ضدّ الكورونا على صعيد كافة الأراضي الأميركية، وهذا منصب له أهمية كبرى في الظرف الحالي، حيث يَعتبر بايدن محاربة جائحة كورونا من أولى أولوياته، والتلقيح هو من أهم وسائل محاربة هذه الجائحة، كذلك تمّ تعيين اللبناني الأصل هادي عمر المولود في بيروت عام 1967 مساعداً لنائب وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية - الفلسطينية، وهو يُعتبر بذلك الوسيط بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
صحيح أنّ لبنان غير وارد في الوقت الحاضر في سلّم أولويات إدارة بايدن، وصحيح أيضاً أنّ مهمات د. شقير وعمر في إدارة بايدن، لا علاقة مباشرة لها بلبنان، إلّا أنّ اهتمام كل منهما في مجال عمله ونجاحه، قد يشجع الرئيس على الاستعانة بمزيد من الأشخاص اللبنانيي الأصل، مع العلم من جهة ثانية أنّ ما سيحصل على الصعيد الفلسطيني - الإسرائيلي، نتيجة للمفاوضات التي سيقودها هادي عمر، قد يكون له انعكاس ما على الوضع في لبنان.
هذا في وقت أعربت الخارجية الأميركية عن قلقها من التطورات في لبنان وتزامنت تلك التصريحات بعد زيارة قائد المنطقة الوسطى بالجيش الأميركي كينيث فرانكلين ماكنزي الذي أكد على ضرورة العمل لإنقاذ لبنان.
إدارة بايدن لم تقدم أي مبادرة نحو لبنان رسمياً لمساعدته على الخروج من أزماته، ورغم الإجماع الدولي على ذلك، إلا أنه لا يوجد مجهود دولي موحد نحو لبنان. فمثلاً هناك ائتلاف دولي للتعامل مع أزمات سورية واليمن وليبيا، لكن أزمة لبنان لم تشهد مثل هكذا ائتلاف، وهناك انطباع سائد في واشنطن بأن إدارة بايدن لن تتعامل مع لبنان بجدية إلا إذا كان هناك تحرك أوروبي، وهذا ضمنياً يعني أن الولايات المتحدة تنتظر دوراً فعالاً من فرنسا تجاه لبنان.
فهناك تعاطف وحذر وخيبة أمل إزاء لبنان في واشنطن، التي لا تريد الانهيار والفوضى في بلاد الأرز، والتي تردد: "ساعدوا أنفسكم حتى نتمكن من مساعدتكم". وفي نفس الوقت، سنستمر في مساعدة جيشكم والقوى الأمنية". وحالياً ربما تدعم واشنطن الجهود الفرنسية للتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة. وتبقى المعضلة الكبرى فيما يتعلق بتعامل إدارة بايدن وموقفها تجاه حزب الله ودوره المدمر للبنان والمتمادي، وهناك أكثر من وجهة نظر في هذا الصدد، فالبعض يقول: إن ادارة بايدن ستتشدد تجاه حزب الله وستزيد من العقوبات المفروضة عليه، فيما الرأي الآخر هو أن الإدارة الجديدة ستتساهل مع دور حزب الله المخرب في لبنان في محاولة للتوصل لاتفاق جديد مع إيران بخصوص برنامجها النووي.
ورأي آخر يقول: إن إدارة بايدن ستطالب لبنان بإجراء إصلاحات سياسية وهو يعني منطقياً تصاعد الضغوط على لبنان لكبح جماح ونفوذ حزب الله المدمر للبنان. وهذا ما أكد عليه القائم بالأعمال البريطاني مارتين لنغدن أن القادة السياسيين في لبنان "يرقصون" على حافة الهاوية، داعياً إياهم لتحمل المسؤولية.
فهل يتعظ ساسة لبنان أم أنهم أدمنوا الرقص على حافة الهاوية!

---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/1878982]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]