ظلت المملكة العربية السعودية مساندة وداعمة لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى السلام والاستقرار في كل ربوع السودان، وما الخطوات الكبيرة التي جاءت على خلفية توجيهات كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان إلا تأكيد على ذلك.
وأحدثت مشاركة المملكة زخما في المفاوضات بحكم قربها من كل الأطراف إلى جانب المحبة الكبيرة التي تحظى بها في قلوب السودانيين لما لها من أيادي بيضاء وأفعال جليلة أسهمت كثيراً في نمو وازدهار السودان.
وتأتي هذه المشاركة دفعا لاستكمال ملف السلام في السودان، والذي لطالما كانت المملكة من أكثر الدول حرصا على تحقيق السلام فيه، بجانب أنها شاركت في دعم عملية السلام في كل المراحل، وسعت لتقريب وجهات النظر وجمع أطراف النزاع للتفاوض، أملا في الوصول إلى اتفاق شامل، وتحقيقاً لسلام مستدام، كما عززت جهودها على مستوى الشركاء الدوليين ووظفت علاقاتها لصالح دعم السلام في السودان. وظلت المملكة حريصة على المشاركة بوفود رفيعه في مراسم التوقيع بمراحله المختلفة منذ أن انطلق التفاوض مع تحالف حركات الجبهة الثورية التي أصبحت حاليا جزء أساسي في الطيف السياسي الحاكم في الخرطوم.
واستضافت المملكة*اجتماع مجموعة اصدقاء السودان لدعم عملية السلام في السودان، حيث شاركت فيه نحو 25 دولة ومنظمة، بصفتها رئيسا لمجموعة أصدقاء السودان، وشكل المؤتمر دفعه قوية لعملية المفاوضات ودعوة جميع أطراف النزاع للتفاوض من أجل تحقيق السلام، بالإضافة إلى حشد الدعم الاقتصادي للسودان.
وثمن خبراء سودانيون خلال حديثهم لـ"الرياض" مواقف المملكة المساندة للسودان في كافة المحافل، قائلين: "المملكة شاركت في مفاوضات جوبا للسلام وصولاً للتوقيع النهائي وهي من استضاف قبل ذلك مؤتمر أصدقاء السودان".
ويجمع هؤلاء على أن المملكة لعبت دوراً محورياً في ذلك، مشددين على أن المواقف السعودية ثابتة ولم تتزحزح كما أن لها الدور الأكبر في تحقيق آمال وتطلعات السودانيين.
وأكدت المملكة في أكثر من مناسبة أن دورها مستمر وأنها ستبقى كديدنها دائما، وعهدها بتوجيهات قياداتها الرشيدة بالوقوف دائما مع السودان وشعبه، داعمة ومباركة لكل خطوات ايقاف الحرب، والحفاظ على السودان وأمنه وسلامته واستقراره.
وحول ذلك يقول السياسي السوداني حاتم السر القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي: "في أعقاب ثورة ديسمبر، وعلى إثر المتغيرات الداخلية في السودان وفي ضوء الواقع الماثل الذي فرضته ظروف التغيير في السودان حسمت المملكة بشكل واضح مصير العلاقات بين البلدين، وأتذكر هنا أنني سمعت من قيادة المملكة في أيام كنت وزيراً أن الدعم للسودان ليس دعماً لحكومة أو نظام فحسب، بل هو دعم لشعب السودان، وحرص على أمنه ووحدته واستقراره".
ويواصل بالقول: "لقد كان جميع إخواننا في الخليج العربي وعلى رأسهم المملكة وكذلك مصر، يعملون بجد لاستعادة دور السودان الإقليمي، ويسعون لتوفير الدعم الكامل للحكومة الانتقالية على حزم مساعدات مالية مقدرة، ومساعدات سياسية واستراتيجية تمثلت في دعم التحول الديمقراطي ودعم رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى مؤتمر الرياض الكبير الذي دشّن عودة السودان للعالم".
ويضيف السر "أتت مشاركة المملكة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء وحثهم وتشجيعهم على الوصول إلى اتفاق سلام نهائي". ويرى السر أن رئاسة المملكة لمنبر أصدقاء السودان واستضافتها للمؤتمر الثامن لأصدقاء السودان في الرياض كانت علامة فارقة ومهمة في تاريخ العلاقة بين المملكة والسودان وذاكرة الشعب السوداني لا تنسى دفع المملكة بقوة في اتجاه رفع جميع العقوبات الدولية التي كانت تكبل السودان، ولكل هذا إشارات إيجابية كبيرة".
وأكد أنه تتوفر إرادة من قبل المملكة لدعم عملية الاستقرار والسلام في السودان نأمل أن تقابلها إرادة سودانية موحدة. ونعبر عن مخاوفنا أن تؤدي الخلافات الداخلية في السودان وحالة الاستقطاب والتجاذب الحادة بين مكونات السياسية السودانية إلى عرقلة الاستفادة من هذه الفرصة الثمينة المتاحة لنهضة البلاد ورفاهية الشعب السوداني. وندعو إلى التحلي بالنظرة القومية والبعد عن المصالح الحزبية والايديولوجية الضيقة للاستفادة الكاملة من فرص الدعم والمساعدة المتاحة حاليا للسودان.
وبين السر أن دور المملكة يؤهلها بكل تأكيد للقيام مع مصر ودول الخليج العربي، برعاية مؤتمر الوفاق الوطني الشامل، الذي نسعى إليه، ونسعد بأن أحزاب الأمة والحرية والتغيير رحبت به، بقي فقط أن ترعى هذه الخطوة الجامعة الدول الصديقة التي يتفق عليها الجميع، ونحن نرشح المملكة ومصر والخليج لهذا الدور، ونؤمن بأنه سيتوج مسيرة السلام الحقيقية بضمانات تجمع الجميع، وتسرع الانتخابات التي ينتظرها شعبنا.وفي ذات السياق قال الخبير السياسي د. محي الدين محمد محي الدين أن الدور السعودي في دعم السلام في السودان ظل مستمراً على مدى سنين الحرب المتطاولة وذلك لإدراك المملكة بأهمية السودان، ما يجعل المملكة شريكا فاعلا يهتم بمعالجة قضايا الحرب والسلام وهذا ما حدث كثيرا، حيث دعمت حكومة خادم الحرمين الشريفين السودان في جهود تسوية النزاع في الجنوب سياسيا ودبلوماسيا.
وشدد محي الدين على أن المملكة كانت سباقة لدعم وحل مشكلة دارفور على كل الصعد، وهنا لابد أن نذكر دعمها لمعالجة قضايا النازحين وتوفير الاحتياجات الخاصة بإغاثة المتضررين وتبنيها لرؤية الحكومة لحل الأزمة بالمفاوضات إذ أسهمت في تسويق وجهة نظر الدولة لدى القوى العظمى مثل الولايات المتحدة الشيء الذي انعكس على تفهم المجتمع الدولي لطبيعة الصراع وتدخله في عملية صناعة السلام.
ونوه إلى مشاركة المملكة بفاعلية في إنجاح مفاوضات جوبا حتى تكللت بتوقيع اتفاق السلام مع مكونات الجبهة الثورية وقد التزمت بدعم انفاذ الاتفاق ماديا ودبلوماسية.
وأضاف محي الدين مازلنا نتعشم في أن تستمر جهود المملكة في هذا المنحى حتى تتوقف الحرب نهائيا ويتحقق الاستقرار المأمول ولعل بداية التفاوض مع الحركة الشعبية تجعلنا نتطلع لدور أكثر فعالية للمملكة يعزز من فرص إنجاز اتفاق سلام يضاف إلى اتفاق سلام جوبا ويسهم في حل مشكلة الحرب وإلى الأبد.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة إفريقيا العالمية د. محمد خليفة الصديق فيؤكد أن العلاقات بين المملكة والسودان، أزلية ومتجذرة ومتنامية، أساسها الأخوة الصادقة والدين واللغة والجوار والتاريخ المشترك.
ويضيف "قلت الجوار لأن البحر الأحمر الذي يفصل البلدين لم يكن يوما من الأيام عائقا منذ ما قبل بزوغ الإسلام، وظلت هذه العلاقات تنمو وتزدهر يوماً بعد يوم، وتمضي بخطى متسارعة، متطورة نحو المزيد من التفاهم والتعاون المشترك، ولم ينقطع تواصلها، ولم يتأثّر انسيابها على مر الأزمان". ويشدد على أن المملكة ظلّت تسعى دائماً لدعم الجهود الإنسانية مع دعم التنمية، للوصول إلى التعافي الاقتصادي، حيث قامت برفع استثماراتها في القطاع الخاص، والعمل على زيادة التبادل التجاري بين البلدين، وبادرت بقيادة وحشد الجهود الدولية لدعم السودان في كل المجالات".
ويقول الصديق: "المملكة من أكثر الدول حرصا على تحقيق السلام في السودان، فقد شاركت في دعم عملية السلام في كل المراحل، وسعت لتقريب وجهات النظر وجمع أطراف النزاع للتفاوض، أملا في الوصول إلى اتفاق شامل، وتحقيقاً لسلام مستدام، كما عززت جهودها على مستوى الشركاء الدوليين، ووظفت علاقاتها لصالح دعم السلام في السودان، كما ظلت المملكة حريصة على المشاركة بوفود رفيعه في مراسم التوقيع بمراحله المختلفة".
وأردف "المملكة حريصة على الدفع للأمام بالخطوات المطلوبة من المؤسسات المالـية للبدء بعملية إعفاء السودان من ديونه". ويشدد الصديق على أن مساهمات المملكة في مساعدة السودانيين في مختلف المجالات، لم تنقطع أصلا وآخرها مواجهة جائحة كورونا، بالقوافل الطبية التضامنية عبر مركز الملك سلمان وشركائه المحليين بجانب أكثر من مئة ألف طن من المستلزمات والمعدات الطبية سُلِّمت لوزارة الصحة، كما شاركت البنك الدولي في إطلاق مشروع الطوارئ الصحية لمكافحة كورونا، بمنحة إجمالـية قدرها 21.99 مليون دولار، وساهمت المملكة بمبلغ عشرة ملايين دولار، ورعت سفارة المملكة برامج المسؤولية المجتمعية للشركات السعودية المستثمرة في السودان والمنظمات المختلفة، حيث قامت مجموعة من الشركات المملكة بدعم ومساندة المجتمعات المحلية بالمساعدات الطبية والأجهزة والأدوية وكافة المستلزمات الطبية، وهناك عدد من المؤسسات الخيرية السعودية تفتح أبوابها لخدمة المرضى، منها المستشفى السعودي للنساء والتوليد ومؤسسة البصر الخيرية العالمية وعدد من مراكز صندوق إعانة المرضى، ومنظمات سعودية أخرى تنشط في كفالة الأيتام ومشروعات المياه والصحة وإفطار الصائمين ومشروعات الأضاحي، على رأسها جمعية الهلال الأحمر السعودي ورابطة العالم الإسلامي التي تكفل عشرات الآلاف من الأيتام والمحتاجين، ونفّذت المئات من مشاريع محطات المياه والسقيا والآبار.
ويؤكد الصديق أن المملكة دوماً حاضرةً بالوقوف إلى جانب الشعب السوداني في كل الملفات، وسلسلة المساعدات السعودية مستمرة للسودان وشعبه ونلمس سعيا دؤوبا لمضاعفة الجهود لدعم السودان اقتصادياً وتنموياً وإنسانياً بما يضمن وضع السودان على طريق البناء والتنمية والاستقرار لتحقيق النهضة المنشودة لشعبه الكريم، ولن يتيسر الإحاطة بدور المملكة في السودان فهو أكبر من كل الكلمات.
مما يشير للعلاقات المميزة بين السودان والمملكة، واستشعار المملكة للظرف الدقيق الذي تمر به السودان وسعيها لاستقراره وما قيام المملكة بإعادة جدولة ديون السودان المترتبة على القروض وبرنامج الصادرات السعودي المقدمة من الصندوق السعودي للتنمية بالإضافة إلى الودائع التي قدمتها المملكة للخرطوم؛ فالسودان ظل على مدى سنوات طويلة يتلقى قروضا وودائعا ودعم متنوع من المملكة للسودان في المجالات التنموية المختلفة، كما لم تمنع هذه الجدولة الصندوق السعودي للتنمية من القيام بتمويل مشروعات جديدة بالسودان، على عكس البنك الدولي الذي اشترط الايفاء بالديون السابقة قبل إقراض السودان من جديد، الجدير بالذكر أن حجم الاستثمارات السعودية بالسودان ارتفع إلى أكثر من 25 مليار ريال في عدد من المشروعات المهمة والحيوية.
وفي كل المحافل الإقليمية والدولية يقول الصديق إن المملكة تجدد على مواقفها الثابتة تجاه البلاد، ودعمها المتواصل لكل ما يسهم في تعزيز أمن السودان واستقراره وتحقيق طموحات الشعب السوداني وآماله المشروعة في الاستقرار والتنمية والازدهار، وحرصها على الاستمرار في دعم الجهود الرامية إلى محافظة السودان على سيادته ووحدته الوطنية وسلامته الإقليمية وحمايته من التدخل الخارجي، وعلى مكانته عربياً وإسلامياً، وتطلعها لانتقال البلاد إلى مرحلة جديدة من التنمية والتقدم والازدهار، وممارسة دورها الفاعل والبناء في المجتمع الدولي.
كما قامت المملكة خلال الفترة الماضية بدورٍ رياديٍّ في دعم جهود التنمية في السودان، وقد تنوّعت أشكال الدعم المقدمة مثل تقديم المنح لتنفيذ مشاريع تنموية، والمساعدات غير المستردة بجانب المساعدات الإغاثية العاجلة في أوقات الكوارث والأزمات، والقروض الإنمائية الميسرة لتمويل عدد من المشروعات والبرنامج التنموية بالبلاد، وذلك في مختلف القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والإسكان والبنية التحتية.

---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/1888042]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]