منذ أن تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه في 20 يناير أعطت إدارته وللأسف بعض الإشارات المتناقضة حول دورها في عملية السلام في الشرق الأوسط حيث كانت هناك إشارات منها أنها ليست في صدد التحرك أو المبادرة بالنسبة إلى هذا الصراع... وإن أعلنت تأييدها العودة إلى «حل الدولتين» لكن كان لافتا أيضا ما قاله بعض مساعدي بايدن وقتها من أنهم يعتزمون إصلاح العلاقات مع الفلسطينيين حيث تعهدت الإدارة باستئناف ضخ مئات الملايين من الدولارات من المساعدات الاقتصادية والإنسانية وكذلك العمل على إعادة فتح البعثة الدبلوماسية للفلسطينيين في العاصمة الأمريكية.. أيضا كان لافتا القول بأن الإدارة الأمريكية والمستشارين فيها يريدون إعادة وضع هدف حل الدولتين من خلال التفاوض كأولوية في السياسة الأمريكية بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني... لكن تبقى هذه الإشارات لا تحوي موقفا واضحا من أي دور أمريكي مرتقب في عملية السلام.
وبداية قبل أن أتحدث عن موقف الإدارة الحالية من عملية السلام لابد أن أشير إلى أن الرئيس بايدن تسلم السلطة في عالم يختلف تماماً عما تركه قبل أربعة أعوام، عندما كان يشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما، حيث يرى بعض المحللين أن فترة بايدن ستمثل استنساخاً لحقبة أوباما وهذا في رأيي المتواضع غير صحيح اطلاقا فعلاقات الولايات المتحدة مع معظم حلفائها لم تعد هي، حيث أصابها الكثير من الشك والإهمال والتجاهل وطبعا بروز أدوار قوية لدول منافسة اقتصاديا وعسكريا لها كالصين وروسيا، والعودة لتصحيح المسار يتطلب جهداً من قبل إدارة بايدن وأيضا فعالمنا العربي قامت العديد من دوله بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل كالبحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة وأيضا فإن النظام السياسي الفلسطيني بات هشاً، بينما أصبحت إسرائيل طرفاً أساسياً في إعادة هيكلة المنطقة وفي حالة الاستقطاب والتحالفات التي أصبحت تتهيأ لها المنطقة لمواجهة الخطر الإيراني.
منذ الساعات الأولى لوصول بايدن للحكم وأنا أسمع هنا في واشنطن ومن خلال العديد من اللقاءات التي أجريتها مع نواب سابقين وحاليين أنه من المتوقّع أن تواصل السياسة الأمريكية في عهد بايدن خطوطها العامة الرئيسة تجاه القضية الفلسطينية، مع بقاء الكيان الإسرائيلي حجر الزاوية في هذه السياسة، وستحاول إعادة الحياة لمسار المفاوضات، وتقديم بعض المغريات للسلطة الفلسطينية لدفعها نحو هذا الأمر.
دون إجبار "إسرائيل" على تنفيذ أمور ترفضها وستسعى كذلك الإدارة الأمريكية لتوسيع دائرة التطبيع العربي والإسلامي مع الدولة الإسرائيلية... وبالتالي فإن هذا يتطلب من الفصائل والقوى الفلسطينية تعزيز وحدتها وتفعيل عملها باتجاه إنفاذ المصالحة وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني... وهو ما ظهرت بوادره الأربعاء الماضي في اللقاء بين كل الفصائل تحت قيادة الرئيس محمود عباس في القاهرة.
وهنا يرد السؤال المهم وهو لماذا ستعود إدارة بايدن للاهتمام بعملية السلام في الشرق الأوسط؟
الجاليات العربية في واشنطن ترى في غالبيتها أن الفلسطينيين يحتاجون إلى المزيد من الوقت للتأكد من سياسة بايدن تجاه قضيتهم ويتوقعون أن يعود بايدن إلى سياسة الولايات المتحدة التقليدية تجاه القضية الفلسطينية، "وهي سياسة فيها دعم للاحتلال وتبنيّ لموقفه، لكن أيضًا متبنية للمشروع الفلسطيني بحدّه الأدنى وهو قيام (دولة فلسطينية على أراضي 67)"... ولكنهم يشككون في قدرته على العودة عن كل الخطوات التي قام بها ترمب مثل إعلان القدس عاصمة لإسرائيل مع قناعتهم أنه سيكون هناك تواصل أكثر من هذه الإدارة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأن يُرسل بايدن بين فترة وأخرى وزير خارجيته أو مبعوث سلام خاص جديد إلى الشرق الأوسط يدعو إلى حوارات جديدة ويبدأ بترسيخ مفاهيم الولايات المتحدة حول عملية السلام والقائمة على حل الدولتين.
في رأيي فإن بايدن سيوقف تنفيذ صفقة القرن، لكنه لن يستطيع إلغاء ما تم تنفيذه بالفعل، كما أنه سيعيد العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وسيلغي الكثير من القرارات والإجراءات التي اتخذها ترمب فيما يتعلق بالشؤون الفلسطينية، ولن يسمح بضمّ منطقة الأغوار وشمال البحر الميت والكتل الاستيطانية من أراضي الضفة الغربية المحتلة إلى الدولة الإسرائيلية لكن سيصعب عليه إقناع الفلسطينيين بخيار العودة إلى مفاوضات ثنائية برعاية أمريكية ذلك أن المطروح فلسطينيًا اليوم هو عقد مؤتمر دولي يقود إلى إطلاق مفاوضات برعاية الأمم المتحدة والرباعية الدولية والولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي".
أيضا فإن الرئيس بايدن يمكن أن يدعم موجة التطبيع، لكنه لن يمارس سياسة الضغط على الدول العربية من أجل التطبيع، وبمعنى آخر يمكن أن يشجعها دون ممارسة إملاءات أمريكية" وبمعنى آخر فإنه لا يمكننا أن نغفل العديد من العوامل التي يرجّح أن تؤثر في موقف إدارة بايدن تجاه العديد من الملفات ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية، على الرغم كما قلنا سابقاً من الانحياز الأمريكي التقليدي لوجهات النظر الإسرائيلية والتي من أبرزها رغبة الديموقراطيين في العودة إلى المسار التفاوضي حيث يدرك الديموقراطيون صعوبة إطلاق المسار التفاوضي دون تجاوز أزمة العلاقة مع السلطة الفلسطينية التي تسببت بها سياسات الرئيس السابق ترمب وأيضا لا يغيب عن البال تلك العلاقات غير الودية بين بنيامين نتنياهو وبين إدارة باراك أوباما الديموقراطية، والتي كان بايدن نائباً للرئيس خلالها.
في هذه الأثناء تجتمع الفصائل الفلسطينية جميعها تحت رعاية الرئيس الفلسطيني الشرعي في القاهرة وهذه خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح من أجل إعادة وحدة الصف الفلسطيني وحتى يستطيع العرب مجتمعين صياغة العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي ترغب في "رؤية الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء يتخذون خطوات نحو حل الدولتين" حيث إنه وتحت قيادة الرئيس بايدن تعيد الولايات المتحدة التزامها برؤية حل الدولتين المتفق عليه بشكل متبادل، والذي تعيش فيه إسرائيل في سلام وأمن إلى جانب دولة فلسطينية قابلة للحياة".
أخيرا يمكنني القول إن الإدارة الأمريكية الجديدة هي في ضوء بلورة تصور لايمكن وصفه بالجديد كليا للتحولات في السياسة الخارجية الأمريكية الحالية وأيضا فلا يصح القول بأنه اقتداء بنموذج ما كان سائداً في تلك الطريقة الحاسمة التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.. ذلك التصور هو (توجهات جديدة) للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط نظرا للتفاعلات الإقليمية في ظل التحولات الجيوسياسية التي تعيشها المنطقة، لا سيما أن البيئة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط تشهد تنافساً وتعارض في الإرادات تتعلق بالأهداف مما يستلزم تغييرا في الرؤية الأمريكية لكل القضايا ومنها عملية السلام انطلاقا من استقراء الواقع، وبناء على ذلك فسوف تركز الإدارة الأمريكية على تبني خيار الأداة الدبلوماسية وليست الأداة العسكرية للتعامل مع القضايا في الشرق الأوسط وعلى رأس تلك القضايا عملية السلام.

---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/1888995]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]