حذرت الأمم المتحدة من تفاقم الأزمة الإنسانية الناجمة عن الحرب في السودان بشكل كبير في الأشهر المقبلة وقد تدفع ببعض المناطق إلى المجاعة.
وقد تمتد حالة الطوارئ أيضا إلى دول إفريقية مجاورة ما لم يتوقف القتال، وفق ما أوضحت وكالات تابعة للأمم المتحدة، مع مرور سنة على بدء الحرب في السودان. وقال الناطق باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير "الوقت ينفد".
وأضاف لصحافيين في جنيف "إذا لم يتوقف القتال وإذا لم تدخل المساعدات الإنسانية من دون عوائق، فإن أزمة السودان ستتفاقم بشكل كبير في الأشهر المقبلة وقد تؤثر على المنطقة برمّتها" من حيث تدفق عدد متزايد من اللاجئين وانتشار الأمراض وانعدام الأمن الغذائي. وتابع "نحن لا نرى سوى جزء صغير من المشكلة وقد يكون الوضع أكثر خطورة في الواقع".
وحذّرت منظمة الصحة العالمية من انهيار النظام الصحي مع نقص كبير في الطواقم الطبية والأدوية واللقاحات والمعدات والإمدادات.
وأشار ليندماير إلى أن ما بين 70 و80 في المئة من المرافق الصحية السودانية أصبحت خارجة عن الخدمة بسبب القتال.
وقالت منظمة الصحة إن الإمدادات الطبية لا تلبي إلا 25 في المئة من الحاجات.
وأوضح ليندماير "بعض الولايات، مثل دارفور، لم تتلق إمدادات طبية العام الماضي". ونشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية تقريرا بعد مسح شمل 4504 أسر ريفية في السودان خلال الفترة من نوفمبر إلى يناير. وقال ثائر الشريدة، ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان إن البلاد التي يعيش ثلثا سكانها في مناطق ريفية، تغرق في "أزمة أمن غذائي متسارعة".
وأضاف عبر تقنية الفيديو من بروكسل "تحذّر الدراسة من مجاعة في السودان عام 2024، خصوصا في ولايتَي الخرطوم والجزيرة وفي إقليمَي دارفور وكردفان" متحدثا عن تعطل سلاسل الإنتاج والتوريد وإلى تضاؤل المداخيل وارتفاع التضخم.
وحذّر الشريدة من أن حتى المساعدات الإنسانية والغذائية الفورية "قد لا تكون كافية لدرء المجاعة التي تلوح في الأفق".
مؤتمر إنساني دولي في باريس
ومن المقرر أن يعقد مؤتمر إنساني دولي للسودان والدول المجاورة في باريس الاثنين. وسيهدف المؤتمر إلى معالجة مشكلة النقص في التمويل إذ لم يجمع من المبلغ المقدر بـ2,7 مليار دولار اللازم لمعالجة الأزمة إلا 6 في المئة فقط حتى الآن.
في غضون ذلك، قالت منظمة أطباء بلا حدود إن الوضع في السودان هو "كارثة هائلة من صنع الإنسان" وإن الاستجابة الدولية ضعيفة. وحضّت المنظمة الأمم المتحدة في بيان على "إظهار جرأة أكبر في مواجهة هذه الأزمة الهائلة" مضيفة أنه يجب زيادة المساعدات الإنسانية في المناطق التي يمكن الوصول إليها. وقال أوزان أغباس، مدير عمليات الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في السودان، إن "القيود التي فرضتها الأمم المتحدة وشركاؤها على نفسيهما" تمنعهما من التدخل "عندما تسنح الفرص". بدوره، دعا فريد عبد القادر من الاتحاد الدولي للصليب الأحمر الطرفين المتحاربين إلى "النظر إلى التبعات الإنسانية لأفعالهما" وإلى وقف إطلاق النار.
ما الذي فجر العنف؟
اعتمل التوتر على مدار شهور قبل اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في العاصمة الخرطوم يوم 15 أبريل 2023.
وجمعت الطرفين شراكة هشة بعدما أطاحا معا بحكومة مدنية في انقلاب أكتوبر 2021، وهي خطوة أخرجت عملية انتقالية من الحكم عن مسارها بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في انتفاضة شعبية عام 2019. وظهر التناحر بين الطرفين علنا بسبب خطة مدعومة دوليا كان من شأنها أن تطلق عملية انتقالية جديدة مع القوى المدنية. وكان من المقرر الانتهاء منها قبل اندلاع الحرب مباشرة.
وبموجب هذه الخطة سيتنازل كل من الجيش وقوات الدعم السريع عن السلطة. وظهرت مسألتان شائكتان، الأولى هي الجدول الزمني لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة النظامية، والثانية هي تسلسل القيادة بين الجيش وقادة قوات الدعم السريع ومسألة الرقابة المدنية.
وهناك منافسة أيضا بين الطرفين المتحاربين على المصالح التجارية المترامية الأطراف التي تتجاوز حدود السودان.
من هما اللاعبان الأساسيان على الأرض؟
الطرفان الرئيسان في الصراع على السلطة هما الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الحاكم منذ عام 2019، ونائبه السابق في المجلس قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
ولم يكن مكان الرجلين معروفا في كثير من الأحيان في المراحل المبكرة من الصراع عندما اجتاح القتال العاصمة الخرطوم. وفي وقت لاحق بدأ البرهان يظهر علنا في الوقت الذي أسس فيه الجيش والوزارات الحكومية المتحالفة معه وجودا في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر. وسافر كل من البرهان وحميدتي خارج البلاد لحشد الدعم. حميدتي، الذي حقق ثروته من تعدين الذهب ومشروعات أخرى، هو زعيم بلا منازع لقوات الدعم السريع. ويلعب أفراد من عائلته وعشيرته أدوارا قيادية وقاعدة الدعم لقواته هي منطقة دارفور غرب السودان، حيث خرجت قوات الدعم السريع من رحم ميليشيات قاتلت إلى جانب القوات الحكومية لسحق تمرد في حرب وحشية تصاعدت بعد عام 2003.
كما سعى حميدتي إلى استمالة بعض السياسيين المدنيين الذين شاركوا في خطط التحول الديمقراطي قبل الحرب.
وفي المقابل، يقول محللون إن بقاء البرهان على رأس الجيش أقل ضمانا إذ اكتسب موالون للبشير نفوذا منذ انقلاب عام 2021. وقالت قوات الدعم السريع مرارا إنها تقاتل لتخليص السودان من فلول نظام البشير، بينما يقول الجيش إنه يحاول حماية الدولة من متمردين "مجرمين".
ويقول شهود إن قوات الدعم السريع وحلفاءها ارتكبوا انتهاكات على نطاق واسع بما في ذلك عمليات قتل بدوافع عرقية وعنف جنسي ونهب. واتهم سكان الجيش بقتل مدنيين في قصف عشوائي وضربات جوية. وينفي الجانبان عادة الاتهامات الموجهة إليهما.
من له الغلبة؟
رغم تفوق الجيش السوداني في العتاد والعدة بما في ذلك القوة الجوية وما يقدر بنحو 300 ألف جندي، نمت قوات الدعم السريع في السنوات القليلة الماضية لتصبح قوة مجهزة تجهيزا جيدا تضم حوالي 100 ألف فرد منتشرين في أنحاء البلاد. وفي الأيام الأولى من الحرب، رسخت وحدات من قوات الدعم السريع وجودها بأحياء في أنحاء العاصمة. ومع نهاية 2023 حققت قوات الدعم السريع سلسلة من المكاسب السريعة لإحكام قبضتها على دارفور والسيطرة على ولاية الجزيرة جنوبي الخرطوم وهي منطقة زراعية رئيسية.
لكن الجيش استعاد مؤخرا بعض السيطرة وحقق أهم تقدم حتى الآن في أم درمان، إحدى المدن الثلاث التي تشكل منطقة العاصمة الكبرى.
ماذا على المحك؟
أحيت الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالبشير الآمال في أن يتمكن السودان وسكانه البالغ عددهم نحو 49 مليون نسمة من التخلص من استبداد وتناحر داخلي وعزلة اقتصادية دامت عقودا من الزمن.
لكن الحرب الدائرة منذ عام الآن ألحقت أضرارا جسيمة بالبنية التحتية وأجبرت أكثر من 8.5 ملايين على الفرار من منازلهم ودفعت بنحو خمسة ملايين إلى شفا المجاعة.
وتعرضت منازل ومكاتب ومستودعات وبنوك للنهب على نطاق واسع، وتوقفت مستشفيات عن العمل وتعطلت التجارة والزراعة. وقُتل آلاف المدنيين، رغم أن تقديرات أعداد القتلى غير مؤكدة إلى حد كبير، كما اتُهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب. وتقول وكالات الإغاثة إن القتال والنهب والعقبات البيروقراطية أعاقت بشدة عمليات توصيل المساعدات. وأدى احتدام الخصومة السياسية والعرقية داخل السودان إلى مخاوف من احتمال تفكك البلاد، ثالث أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة، مما يزعزع استقرار منطقة مضطربة تتاخم منطقة الساحل والبحر الأحمر والقرن الأفريقي. وفر مئات الآلاف إلى مصر وتشاد ودولة جنوب السودان مع عبور أعداد أقل إلى إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. ويستخدم الجانبان الذهب، أهم موارد السودان وأكثرها تهريبا، لدعم جهودهما الحربية.
ما مساعي إنهاء الحرب؟
دعت السعودية والولايات المتحدة العام الماضي وفودا من الطرفين إلى جدة لإجراء محادثات، لكن الاتفاقات على وقف إطلاق النار انتُهكت مرارا، مما أدى إلى تعثر العملية.
وتم إطلاق مبادرات أخرى من قبل الهيئة الحكومة للتنمية في شرق أفريقيا (إيجاد) ومصر، مما أثار القلق من تداخل وتنافس الجهود الدبلوماسية.
واستمر القتال في الأسابيع الماضية رغم دعوات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة والأمين العام لوقف إطلاق النار في شهر رمضان.
ويضغط المبعوث الأميركي الخاص للسودان، الذي عين حديثا، من أجل استئناف المحادثات هذا الشهر في جدة.
وتستضيف باريس مؤتمرا للمانحين في 15 أبريل في محاولة لجمع تمويل للمساعدات وزيادة وصول العاملين في المجال الإنساني.
الحرب أجبرت أكثر من 8.5 ملايين على الفرار من منازلهم
البرهان وحميدتي اللاعبان الأساسيان في الحرب

---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/2069935]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]