عذراً بنت عدنان

بقلم / أحمد محمد المبارك 

 

      خرجت من المنزل وأنا مفعم بإحساس خريفي رائع ومستفز واضعا في ذهني أن أتوجه نحو كٍشك العجيب لأتناول من فوله اللذيذ، توقف الكانتر (الدفار) عند المحطة دلفت داخله وبدأ يتهادى بين المحطات، ركب شباب من إحدى المحطات ولم يمتلئ الكانتر وبدأ الشباب في الحديث :

   الأول : الفريق القومي تعبان جدا

  الثاني : الحسنة الوحيدة الجناح اليمين      

 الأول : يعني نوعا ما ، وأنت نازل وين

 الثاني : القريقريب ، عاوز اشتري لي جداده

 الأول : ما تنسانا وأعمل حسابك أخونا عامل أم سنط (أحسست أنهم يقصدانني بهذا ).

     بعد ذلك تفرق الجمع أيدي سبأ ، ولو مر هذا الحديث هكذا لما فهمت أي شيء، ولكني سألت أحد الشابين- اللذين كانا يتحدثان- بعد أن نزل معي: ماذا كنتما تقصدان بأم سنط والقريقريب ؟ فضحك الشاب وبدأ في تفسير ذلك قائلا :

(الفريق القومي) يعني ركاب الكانتر، و(تعبان جداً) أي ليس فيهم وجه صبوح، و(الحسنة الوحيدة الجناح اليمين) يعني البنت التي تجلس في آخر الكانتر على اليمين، و(القرقريب) يعني قريب أما كلمة (أم سنط) فيعني أنك تتسنط علينا وربما تعرف الكلام .

تبسمت لذلك لأننا عندما كنا مثلهم كانت لنا لغة مثيلة لتلك، ولعل مدينة ود مدني أشتهرت بهذه التفاصيل اللذيذة وأذكر في ذلك الوقت أكثر الكلمات اشتهارا منها (عنقدة) و(قطامة) وحرفها البعض وأكتفوا بقول (حيدر) بدلا من تكملة الإسم، وكذلك يقول بعضهم مالو الزول ده عامل (عبد الله قرفة) يعني زهجان وهذا الإسم جاء من اسم لأستاذ مشهور بمدرسة السني الثانوية يدرس مادة الرياضيات وكان بارعا فيها وأطلق عليه الطلاب عبد الله قرفة نسبة لزهجه الشديد، رغم أن الأستاذ عبد الله والذي أعرفه جيداً إنسان بسيط وطيب القلب لدرجة بعيدة، حفظه الله وأبقاه .

أيضا كان هنالك مصطلح عاش كثيرا وبدأ الآن ينتهي وهو لفظ (كوكب لامع) يعني أن هذا الشخص لا يملك مال ودائم الحال بدون مال، ولعل هذا اللفظ استمر زمنا طويلا خصوصا في مدينة  ود مدني لدرجة بعيدة، وأذكر كنا نركب في أحد أتوبيسات القاهرة ونتحدث في موضوع عام وجاء في الحديث أنه الزول ده كوكب، بعد مدة بسيطة جاء أحد الشباب السودانيين كان يركب في الأتوبيس - ولم نكن نراه من مكاننا في الأتوبيس- قائلا :

-يا شباب أنتو من مدني

 فقلنا:   كيف عرفت

 قال : عرفتكم من كلمة كوكب دي .

          كان أكثر الناس في مدني استخداما لهذه العبارات الرمزية هم الذين يسكنون العشير والمدنيين وأم سويقو ومربع 11 والتي أشتهر فيها لفظ استمر كثيرا أيضا لفظ (يا ماخ) بالذات عند أهلنا المعروفين بالحلبة .

اللغة الأخرى (أو الرمزية) اشتهرت في أنحاء العالم، وقامت حولها دراسات عديدة ليس المجال هنا لبحثها ولكن الذي أريد قوله أن هذه الرمزية والخصوصية التي يتمتع بها أهل مدني الكرام هي التي جعلت إنسان مدني خفيف الظل محبوب في كل مكان يحل عليه .

أرجو أن تكون كلماتي عليكم ( وزن الريشة) لأني والله عامل مع مدني ( حبيب الله ) وأتمنى في ( القريقريب ) أن أشوفكم ونلاقي ( الجلكين والجلكينة) و كل (الفرد ) بدون  ( فريزر ) وأتمنى لقياكم وما تعملو لينا ( شرحبيل ) مع ألف وداع (وأبقى مارق)

 

 

راسل الكاتب