عزة ... قصيدتي

 للشاعر :محجوب البيلي

 

(1)

شهدناكِ في خضرة الحقل: لون السلامه
وتحت ظلال الرماح: الكرامه
ألفناكِ، كان غناؤك في هدأة الليل يسري
وفي أعين المتعبين، البنين، البنات، الشتات المهاجر خلف السرابْ
وفي أدمع الأمهات اللواتي يسائلن من ليس يدري
وفي القمر القروي الجميلْ
وفي كلماتٍ رواها فتىً حالمٌ كان يدعى الخليلْ

(2)

هو السفرُ الدائري الحزينْ
يباعدني عنكِ حيناً، ليجمعنا مرة... ليفرقنا بعد حينْ
أشاهدك الآن شامخةً في الأماكن بين "البحيرة" و"الإستواء"
وياليت شعريَ: هذا الذي بيننا، أي شئ نسميه هذا الذي يعتريني
إذا مس طيفيَ طيفُك دون لقاء؟
وكيف يسيل اللهيبُ المقدسُ في باطني حين تنتصرينْ؟

(3)

هو الطيرُ ينشرُ أجنحةً للرحيلْ
هو الطيرُ ـ ياعزُّ ـ بيني وبينك ينسابُ سرباً فسرباً .. فسرباً، ويهبط في شامخات النخيل
خذيني إليك فجوفي خرِبْ
خذيني لعليَ أنسى سنين الغياب الرطبْ
وذاكرتي أنت فيها ـ كما كنتِ دوماً ـ خليطاً من الصندلية والعفّة البدوية والهجر والوصل والرغبة الصافية
هو العشق بيني وبينك يسلبني النوم والعافية
خذيني إليك فليلُ الشتاء الطويل ... طويلْ


(4)

أسائلُ عزَّة، هل سامرُ الليل يرجعْ؟
وهل فتيةُ الحيِّ مازال واحدهم كالحسام المرصع؟
أقول: لمن طللٌ يستحمُّ بشمس العشية كلَّ غروبْ..
ويسأل عن غائبٍ لن يؤوبْ..
ومن غرس الحزن مليون ميل مربعْ؟

(5)

أجيئكِ يا طفلةً أنضجتها شموسُ المدارات، صادقةً كالنهارْ
ووافرةَ العرضِ معجونةً بالبهارْ
خذيني إليك فإن الموانئ تنكرني، والصحابْ
ووجهك ذاك البعيدُ ... البعيدُ يحرضني أبداً للإيابْ
خذيني فإني أحبك يا غادةً صدرها بالسنابلِ مزدهرٌ
ثغرها بالأناشيد مستعرٌ
غادةً أشتهيها وأعلم أني أعانق فيها عبير السجونْ
مهرُها من دمي نقطتان بحجم الشهادة
مهرها الصعبُ: أن نتعلمَ كيف نكونْ!

(6)

أجيئك ياطفلةً توقف النبضَ، والنهرَ تشعله ... والخيالْ
أجيئك من حمأة الطينِ مغتسلاً بالكراماتِ، منجذباً في هواكِ العضالْ
فهل تقبلين الدخولَ إلى ساحة العشقِ، حيث أرانا ـ كلينا ـ نضيءْ
وهل تقبلين المجيء؟

(7)

أيا ضاحك البرق حيّ نزيل الخباء
وروِّ مضارب عزة بالغيث دوما، وحدث عن الراحلين
وعن شجرات الخلاء
ها أنا في المدائن منتشرٌ أبتغيك، تجيئين بالطيباتِ
ودفء العشيرة وقت الحصادْ
أحبك نيلاً ونيماً، وعهداً قديماً، وعشقاً مقيماً تمدد
ما بين خاصرتي والفؤادْ
وما لي إذا كنت أعشق هذي البلادْ؟
وأشتاق عزّةَ، لا الجند يمنعني الشوق جهراً،
وهذا النهارُ لنا، والرغائبُ دون انتهاء
أيا طائراً من رماد الحرائقِ منبعثاً يرفض الموتَ قبل الوفاءْ

(8)

تغيّر شيئٌ بفعل الزمنْ
فلا الظلُْ هو الظلُْ ذاك الظليلُْ ولا النيل هو النيل ذاك الذي نعرفهْ
تمدد شيءٌ ثقيلٌ على الأرضِ،
شيءٌ ثقيلٌ على الشمسِ
شيءٌ ثقيلٌ على النفسِ
شيءٌ دخيلٌ على إرث قومي الأصيلْ
وحين تسافر ممتطياً صهوة الشوقِ نحو الوطنْ
تُفاجأُ بالشئ ذالك الثقيل على الأرض والشمس والفرح الممتهنْ

(9)

هو الجوعُ يأكل خضْر الضفافْ
هو البقراتُ العجافْ
هو الخوف من عسسِ القصرِ، والأمنِ: لا أمنَ في ظل هذي المحنْ

(10)

ها هي النارُ مضرمةٌ، والصبايا كما الأبنوسِ، وهذي طبول القبيلة
أعلنوا الفرح الآن، هذي الزغاريدُ والليلُ والعطرُ والرغباتُ النبيلة
أعلنوا الحرب: هذا زمانٌ يسود به العسسُ الأغبياء
أعلنوا الفرح الآن: ما أجمل الفتياتِ إذا كان فيهن عزّة
وما أكثر الشرفاءْ

(11)

سأدفع بابََ المدينة فجراً، واسألْ:
أما حانَ وقت الرحيلْ..
أما آن للقائدِ الملهمِ الفذِ... أن يستقيلْ؟

(12)

للمتاريس موعدُها، والبشائرُ آتيةٌ في الصباحْ
وعزّةُ تعرف أن البشائرَ آتيةٌ في الصباحْ
وتشهد أن المحبين ماتوا وهاجسهم،
قمرٌ لسماءِ بلادي الحبيبة
مطرٌ للرمال الجديبة
غزلٌ للمحبين حين استبيحت حروف الكلام المباحْ
زهرةٌ للشهيد المسجّى على شارع المجدِ
يستنهض الجرح حين تنام الجراحْ

(13)

لعزّةََ مجدُ الجدودِ الأوائلْ
لعزةَ درعُ التّـــَـقى والفضـــائلْ
لعزّةََ ميــثاقُ حبِّ عنــيفٍ
وعهدٌ على عاشقـــــيها البواسـلْ
لعزّةَ من شمس هذا النهارِ
بريقٌ ومن صارمات النواهـــــلْ
وعزةُ تعرِفُ من خـــانها
في الخفاءِ، ومن باعـــها للقــبائلْ
وتعرِفُ أنّ القِصاصَ قريبٌ
وليلَ المهـــــانةِ لا بـــــــــدّ زائلْ
فيا من شهدناكِ في خضرة
الحقل سلماً، وفي ذهبي السنابلْ
سنأتيكِ تحت ظلالِ الرماحِ
بضَعْفِ المحبِّ .. وبأسِ المقاتلْ









 

محجوب البيلي

الرباط ـ المملكة المغربية
في 4/2/1985م

 

راسل الكاتب

محراب الآداب والفنون