المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دراسة نقدية لقصيدة "البحر القديم"...



ياسر عمر الامين
10-05-2014, 05:34 AM
حظى مع الشعر تذوق واستطعام لجرسه ورقته ومعانيه شأنى شأنى الكثيرين...هنالك قصائد بعينها تسمعها كثيرا وترددها كثيرا وتترك فيك أثرا ممتدا لا ينقطع..قد تكون القصيدة لامست وترا معينا أو صادفت فى نفسك هوى خاصا جعلتك فى شد متواصل معها...هذه قصتى مع قصيدة "البحر القديم" للشاعر الكبير الراحل مصطفى سند..هذه القصيدة أحفظها عن ظهر قلب وأرددها فى نجواى وفى علانيتى كثيرا منذ أكثر من ربع قرن حينما سمعتها أول مرة..ولكنى أعترف لكم أن بها كثيرا من الرمزية لم أستطع حتى هذه اللحظة الغوص فى ثناياها أو الالمام الكامل بمكنوناتها..والآن اسمحو لى رواد الثقافى أن أضعها بين يديكم فى محاولة لدراسة نقدية تحليلية لهذه القصية العظيمة.
ولكم محبتى جميعا...

ياسر عمر الامين
10-05-2014, 05:40 AM
البحر القديم

بيني وبينك تستطيل حوائط

ليل وينهض ألف باب

بيني وبينك تستبين كهولتي

وتذوب أقنعة الشباب

ماذا يقول الناس إذ يتمايل النخل العجوز سفاهة

ويعود للأرض الخراب

شبق الجروف البكر للأمطار

حين تصلّ في القيعان رقرقة السراب

عبرت ملامحك النضيرة خاطري

فهتفت ليتك لا تزال

للريح خمرك للمساء وللظلال

والبرق لي والرعد والسحب الخطاطيف الطوال

تروى هجير النار تحت أضالعي الحرّى

وتلحف في السؤال

كيف ارتحالك في العشيِّ

بلا حقائب أو لحاف

ترتاد أقبية المكاتب والرفوف السود

والصحف العجاف

زمنا يمصّّ الضوء من عينيك

يصلب وجهك المنسيّ في الدرج العتيق

أثرا كومض شرارة تعبى على خشب الحريق

كيف ارتحالك أيها المصلوب مثل شواهد الموتى

بزاوية الطريق

سكن السحاب ومرّ طيفك من جديد

نثرته كفّ البرق حين تلاحق الإيماض

وانعتقت شرارات الرعود

أرخى وأزهر ثم طار زنابق كالفجر لامعة الخدود

حلق المرايا رنّ كالناقوس

وانفرطت ملايين العقود

فإذا هممتُ توارت الألوان

وانتصبت شبابيك الجليد

أنا في الرياح مسافر يلقى على الأبواب

جارحة الردود

بيني وبينك تستبين مخالبي

وتسيل من شدقي الدماء

وحش أنا غول خرافيُّ العواء

تحوى توابيتي دقيق الموت

تزحف من سراديبي ثعابين الشتاء

سبري عجين السدر سن الحوت

هيكل مومياء

بيني وبينك ما يراه الناس

سروة شاطىء ناء وزهرة كستناء

تتلاصقان على الرمال فتذهل الدنيا وترتعش الحقول

كيف التجاؤك للتماثيل التي أسنت على برك الوحول

منك الشباب عصارة النبت الجديد

ومهرجانات الفصول

ونراك تحفل بالعواجيز العتاق صفائح الأيّام مقبرة الأفول

بيني وبينك سكّة السفر الطويل

من الربيع الي الخريف

تعلو قصور الوهم أنت

ومرقدي في الليل أتربة الرصيف

هم ألبسوك دثار خزّ ناعم الأسلاك

منغوم الحفيف

ودعوك تاج العزّ فخر العزّ مجد العزّ

شمس العزّ عزّ العزّ

صبّوا في دماك

عصارة الكذب المخيف

وأنا الذي حرق الحشاشة في هواك

ممزّق الأضلاع مطلول النـزيف

بيني وبينك قصّة الشعراء صدر غمامة

يلهو على الأفق الشفيف

هذا أنا

بحر بغير سواحل بحر هلامي عنيف

لا بدء لي لا قاع لي لا عمر لي

لكنني في الجوف ينبض قلبي

النـزق

اللهيف
.........................................

ياسر عمر الامين
10-05-2014, 05:40 AM
http://www.youtube.com/watch?v=r3W77S89u94

ود الأصيل
10-05-2014, 09:02 PM
حظى مع الشعر تذوق واستطعام لجرسه ورقته ومعانيه شأنى شأنى الكثيرين...هنالك قصائد بعينها تسمعها كثيرا وترددها كثيرا وتترك فيك أثرا ممتدا لا ينقطع..قد تكون القصيدة لامست وترا معينا أو صادفت فى نفسك هوى خاصا جعلتك فى شد متواصل معها...هذه قصتى مع قصيدة "البحر القديم" للشاعر الكبير الراحل مصطفى سند..هذه القصيدة أحفظها عن ظهر قلب وأرددها فى نجواى وفى علانيتى كثيرا منذ أكثر من ربع قرن حينما سمعتها أول مرة..ولكنى أعترف لكم أن بها كثيرا من الرمزية لم أستطع حتى هذه اللحظة الغوص فى ثناياها أو الالمام الكامل بمكنوناتها..والآن اسمحو لى رواد الثقافى أن أضعها بين يديكم فى محاولة لدراسة نقدية تحليلية لهذه القصية العظيمة.
ولكم محبتى جميعا...

قبل الخوض بعيداً في بحره القديم و نفائس االدر في أحشائه قابعةٌ ، دعني أولاً أخي ياسر أبدأ بسيرة ذاتية خاطفة
عن هذا العملاق الذي رحل كحرازة حاربها المطر حتى ماتت واقفة و هي تطرح الثمار لكل عابث يلقي عليها الحجارة، كرجل
مواقف نادرة عرفته رئيساً لجريدة (الخليج اليوم) بالدوحة ومعه ثلة من الأولين: هاشم كرار ، صديق الزين ، حسن أبو عرفات. و بُعَيْدَ
سطو صدّام حسين على الكويت لضمها باسم المحافظة 19 ، ثم بسبب موقف السودان ضمن مجموعة ال(4m) المساندة له، مما جلب ذلك
لنا كثيراً من المتاعب كجالية.. كانت فتنة من مستصغر الشرر و لكن أناساً من شمال الوادي جعلوا ينفخون فيها بشدة لتوشك تأكل الأخضر
و اليابس. و كان سند أول كبش لفدائها.. إذ طُلبَ منه موافاة مجلس الإدارة بقائمة بجميع الصحفيين وال مراسلين السودانيين تحت أمرته،
بغية تفنيشهم عن بكرة أبيهم. و قد قام فعلاً بإعداد القائمة و سجل فيها اسماً واحداً فقط هو المدعو/ مصطفى أحمد سند) ثم رفعها
في مظروف خُتمَ بشمع أحمرمع حليفة "طلاق بالتلاتة": تاني كراعو ما تعتب مبني الجريدة التي صارت لاحقاً "جريدة الشرق " الحالية
ثم جاءوا من بعده برئيس تحرير مصري يدعى / حامد عز الدين لوحظ فيما بعد كثرة تردده على مطار الدوحة كلما نزلت به رحلة
لمصر للطيران يصعدها و بيده ظرف ليغادرها و بيده آخر. ليتبين من هويته أنه كان رتبة في مخابرات الخزي و العار المصري.

ود الأصيل
10-05-2014, 09:39 PM
و ضمن بوست سابق لي هنا بعنوان " خميرة سودنة" كنت أخدت سندة سريعة مع شاعرنا الفذ الراحل المقيم/
مصطفى سند الزول الأصيل و الحلبي الحمش ، الحفيان فوق النار بمش، و قد تعرضت فيها لواحد من أطرف مواقفه
قبل أن تفرقنا مرافئ الغربة أيدي سبأ. فالشاهد أنه ذات مأمورية ركب مشترك كسلا و قد جهزته ست بيته أو ربما
أمه بكل جهازه من زوادة الطريق له و لكل من قد يصادفه مما لذ وطاب من ولَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا
يَتَخَيَّرُونَ.و كذا من الفطاير المشلتت منها و المحمر و المشمرو ما إلى ذلك. . ثم استقل لنفسه (قَمَرة)خاصة على
درجة أولى..ثم لم تمض ثوان على صافرة الإيذان بالرحيل حتى فوجئ صاحبنا بأربعة عتاولة عابسي الوجوه،يقتحمون
عليه عزلته و يسطون على مضجعه مع قرين شعره، بل و يستبيحون زوادته فلم يبقوا له منها سوى الفتات ،
ظانين أن ملكيتها تعود لنزيل من أبناء البرجوازية الصغيرة و المصارين البيض المتخمين، لعله تركها فائضةً
عن حاجته و نزل،و أما العم/ سند فلا شيء يدل على أ ن له حظاً من ذلك. و هكذا ظلوا يعاملونه متطفل
دخيل و ذو ظل تقيل ،غير مرغوب في انحشاره و سطهم .فلم يسمحوا له حتى بمجالستهم أو مشاركتهم
لعب ورق التسلية،بينما ظل هو يبادلهم غلظة بلين و ظلماً بحلمٍ، طوال رحلة الثلاثة أيام إلى بورتسودان ،
هناك تبين لهم من بعض متعلقاته أنه كان صاحب ذاك الجمل بما حمل و القَمَرة و ما حوت
و لسان حاله يقول بكل حسرة لأولئك القراصنة الدخلاء ، الوقحاء و غير الفضلاء:
"يا ضيفنا لو جتئنا لوجدتنانحن الضيوف و أنت رب المنزل"

ود الأصيل
10-05-2014, 10:40 PM
وأما عن سيرته و مسيرة كشاعر، فمصطفى سند.. رحلة شاقة على متن طوق نجاة ظل على صهوة الموج في خضم
"بحر قديم" ليست له شطآن سوى أفاق ذاكرة الرؤى العصية الصدأ. كان له سلسبيلاً من شعر رصين لم ينضب
معين تدفقه بمجرد توقف نبضات قلبه.. و لن ينتهي به المطاف أو تعترضه ضفاف. هنالك من أتهمه باللصوصية
و التناصص من شعر بدر شاكر السياب ؛و منهم من أفترى عليه بافتعال قطيعة بينه و بي(أبناء الغابة) و تخندقه
صفاً واحداً مع (أبناء الصحراء). و لكنه كان في نظري ذا قافية نسيج وحدها، مخبوزةً من عبقرية حبك النثر شعراً
مفصلاً على مقاس على طبائع الأشياء ،حين يصوغه بأناقته البسيطة فيفقسه في حضن شفافية مسكونة بهموم أمة
ودود ولود؛ أو ربما هو شيء غير كل ذلك، مما لا يمكن تضمينه في كتابة واحدة حينما تتشعب زوايا القراءات.

ود الأصيل
10-05-2014, 10:46 PM
و لكن مكلة الإلهام وحدها التي تؤكد دوماً أن بنات الفكر التي تمتد عبر حياة الناس بعد موت صاحبها ، إنما تمنحه عمراً سرمدياً وجرساً
كامناً في ذاكرة الأحياء،تتجدد في صمت من فوق جدر النسيان الغابر، و قدرة مستدامة على رسم الصباحات الباقية في تفاصيل زمنٍ عابر.
عن كل ذلك تفيأ شاعرنا ظل الدنيا لسنوات يغازل الشمس لينسج منها خيوطاً شعرية تلامس شغاف القلوب فملأنا انتماء و انتشاء ؛ و حفر اسمه
براقاً على صفحات الغيوم الماطرة، أدباً رصيناً لا يشق له غبار في مضماره. وعلى مدرجة من الصبر و الإيمان و الدعاء، فارق دنيانا إلى الرفيق
الأعلى، ليفتقده كل من قاسمه المشي حاسراً رأسه حافي القدمين على رمضاء بلادٍ مرقدها على ظهر صفيح ساخن و يظل ترابها من زعفران.
.. الا رحم الله مصطفى سند و طَيَّب ثراه .. و أسكنه في مستقر رحماته.

ود الأصيل
10-05-2014, 11:12 PM
كل هذا ، و نحن لم نلج بعد في ما خُفيَ عليك أخي ياسركما هو علينا، و هو أعظم،
من مجرد (غمسة) في "البحر القديم"،قد تكون أصعب من أن يلج جملٌ في سم الخياط
فعملاق سمهري بتلك القامة أفنى عنفوان شبابه يقرض الشعر و لم يسجل نص شفاهةً أو شيءٌ من أعماله بصوته
على طريقة (الملتي ميديا) ، سوى نذرٍ يسيرٍ جداً منها و هو يلفظ آخر أنفاس شيخوخته بعد عودته من الخليج
عظماً بلا لحم.. و هذا ، للأسف هو ديدن المبدعين في بلادي ، كما لا يكرم نبي في قومه من بني اسرائيل:
فأشد ما ما يُعانون الصدود؛ و أقسى ما يُرجمون بحجارة الجحود.. و في بلادي تسطع نجوم الكثير من الرويبضات ..
ممن يُفتُون عن جهل في شأن العامة و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ..و هؤلا
ليسوا بأشبه بشيءمن عصي عوجاء توضع بين دواليب عربة الابداع
أنا فى الرياح مسافر يلقى على الأبواب جارحة الردود
تحية خالصة الغالي ياسر و كن دوماً بعافية
و لي عودة أكيدة لنص (البحر القديم)

تغريد
09-06-2014, 08:06 AM
هذا أنا

بحر بغير سواحل بحر هلامي عنيف

لا بدء لي لا قاع لي لا عمر لي

لكنني في الجوف ينبض قلبي

النـزق

اللهيف
.........................................

قصيدة عملاقة يا ياسر لشاعر تتقازم دونه كل القامات ....

شدني عمق الكلمات و إنتقائية المفردة

فكل كلمة وضعت بحيث يصعب ملء فراغها بكلمة أخرى مرادفة

فهي فقط من تمتلك ناصية المكان بحداقة منقطعة النظير

حين قرات الأبيات هذه داهمني حنين فجاءى ان اسمعها بصوته

في ليل ممطر ذات حين

لي عودة يا ياسر

شكرا يا شفيف

ود الأصيل
09-06-2014, 10:56 PM
من أبرز دواوين شاعرنا سند «البحر القديم» إن لم نقل إنه أول ضربة لفرشاته إلى جانب "عودة البطريق البحري " و" أوراق من زمن المحنة"
و هذا الأخير كان رفيقه الناقد و السارد الفذ/ عيسى الحلو قدم له في إطلالة على أحد رموز الأدب السوداني المعاصر إذ بجانب الشعر، يمكن
إضفاء نعوتٍ أخرى تزين هامة ذاك القامة السامقة. فلم يقتصر إبداعه الكتابي على بيت القصيد، بل شمل العمل الصحفي بضروبه: من رئاسة
تحرير، و إشراف على مدارات ثقافية و ملفات أدبية و دراسات النقدية ، حتى كاد يُصنَف بوصفه فناناً شاملاً متسللاً من خلف مرآة الصحافة أكثر
منه ممتهناً لأم المتاعب. لما أنجزه من إجتراح مسارات غير مطروقة في تقنيات الشعر الحداثي ، متسلحاً بمناهج عروضية. و لكن بعد شاخ قرين
الشعر منه جنح لسلم الزهد و التصوف و غلبت عليه نزعة التأمل الوجداني، فصارت لغته ذات مضامين معنية أكثر بهموم الإصلاح الاخلاقي.
واكب سند من أ بناء جيله في الستينيات صديقه الشاعرالكبير/ صلاح أحمد ابراهيم. حيث جاء ديوانه الأول «البحر القديم » مزامناً تقريباً
لديوان صلاح « غابة الابنوس». فشكلاً معاًبعثاً شاعرياً وإرهاصاً لمدرسة عكف بُناتُها آنذاك على وضع لبناتها الأولى لتقوم على ساقين رمزيين
عرفت ب« الغابة و الصحراء» و التي منذ أن رأت النور راحت تطرح شعراً يمتاز بإيقاع صاخب وجرس قوي ، ما يمنحها ملامح زنوجية
دون أن يسلبها شيئاً من عروبية يمتاز قاموسها بتفرد لغوي غاية في الجزالة والقدرة على الإبانة و الإفصاح كما في « البحر القديم»
حين يقول سند:
«ابرتان وخيط ماء».
بيني وبينك تستبين مخالبي،
وتسيل من شَدْقي الدماءْ
وحشٌ أنا غول خرافيُّ العواءْ
تحوى توابيتي دقيق الموتِ،
تزحف من سراديبي ثعابين الشتاءْ
سبري: عجين السدرِ، سنّ الحوتِ،
هيكل مومياء،،،،