خُمرت السرور
(بابكر) طبيب شاب من احدى مدن السودان النائية، كان حلمه أن يجد فرصة للتخصص، قام بمراسلة كل الجامعات الأوروبية والآسيوية وبعد عام ويزيد جاءته البشرى حيث تلقى مكالمة من أحد زملائه الذين يعملون بإحدى مستشفيات العاصمة البريطانية الذين كان يضع إسمهم كمرجع بأنه قد تلقى خطاباً من احدى الجامعات يفيد بقبوله كطالب دراسات عليا ... كاد صاحبنا يطير من الفرح ولم تسعه الدنيا .. سافر للبلد ليبلغ أفراد اسرته هذا الخبر السعيد الذى إنتظره طويلاً ... ما أن أخبر والدته حتى صاحت فيه قائلة:
- مبروك يا وليدى لكن أكان ما عرست من هنا ما بخليك تسافر لى بلد الخواجات ديل
كان ذلك متوقعا بالنسبة لبابكر فمنذ صغره ربطته علاقة حميمة مع (أمونة) إبنة خالته ... تمت مراسم الزواج سريعاً فى ذات الوقت الذى تسلم فيه (بابكر) الموافقة النهائية من الجامعه .. قام بإضافة (أمونة) إلى جواز سفره ثم قام بختم تأشيرة الدخول من السفارة .. غير أنه لم يجد حجزا مباشرا إلى العاصمة البريطانية بأى خطوط فاضطر للذهاب عن طريق (السودانية) إلى القاهرة ومنها بالبريطانية إلى (لندن) ..
أمام البص المتجه إلى الخرطوم وقف أفراد أسرة بابكر وجيرانهم فى الحلة يودعون (بابكر وأمونة) .. تحرك البص .. البعض كان يبكى والبعض يلوح بيده بينما كانت والدة بابكر تصيح بصوت عال مخاطبة (أمونة) التى كانت تمد رأسها عبر الزجاج خارج نافذة البص :
- الكرتونة الصغيرة ختيت ليكى فيها الشاف والطلح وفتيل (الخمرة) دخلتو ليكى فى (شنطة اليد).
هبطت الطائرة (السودانية) فى مطار القاهرة ولم يستغرق الأمر طويلاً حتى صعد (بابكر وأمونة) إلى الطائرة البريطانية المتجهة إلى لندن .. ما ان إرتفعت الطائرة فى الجو وبدأت (المضيفات) فى تقديم وجبة (الغداء) حتى لاحظت امونة أن (زجاجة الخمرة) التى كانت فيما يبدو غير محكمة الغطاء قد قامت بتسريب كل كمية (الخمرة) التى كانت داخلها وأن الخمرة المتدفقة عملت ليها (دريب) على ممر الطائرة متجهة إلى كابينة القيادة والتى لا تبعد كثيراً عن مقعديهما .. أصبحت المضيفات الخواجيات يقمن بالقفز من فوق (الدريب) وهن يحملن (صوانى الضيافة) وبابكر يشاهد ذلك ويتمنى لو أن تخسف به الأرض .. كان من الممكن أن يمر الأمر بصورة عادية لولا ان الخواجه المسئول عن الأمن فى الطائرة الذى كان يجلس على المقعد الذى يقع خلف كابينة القيادة مباشرة قد حانت منه إلتفاتة نحو رجليه فوجد أن هنالك مساراً من (سائل زيتى) نفاذ الرائحة يقترب متجهاً نحوه ... إمتقع وجه (الخواجه) وجحظت عيناه فقد ظن للوهلة الأولى أن ذلك السائل الزيتى (بنى اللون) ربما يحتوى على نوع من غازات الاعصاب وأن المسألة ربما تكون محاولة إختطاف فتحسس (الخواجه) مسدسه وقام بمتابعة (الدريب) حتى توقف تماما أمام مقعدى (بابكر وأمونة) :
- ما هذا السائل الذى ينطلق من هذا المكان ؟
بعد جهد جهيد قام بابكر بإقناع (الخواجة) بأن ذلك السائل الذى إنطلق من تلك الزجاجة التى أعطاها له لمعاينتها ليس إلا نوعاً من أنواع (العطور) البلدية التى يستخدمها السودانيون وحتى يقتنع (الخواجة) فقد وجدت (أمونة) نفسها لا شعورياً تقوم بسؤال (حاجة) كبيرة فى السن يبدو أنها متجهة لزيارة إبنها المقيم بلندن تجلس على كرسى الممر قريباً منهما:
- عليكى الله يا حاجة كلميهو وريهو دى شنو؟
إنحنت الحاجة وهى على مقعدها و(خرتت) ليها شوية من الخمرة المتدفقة على ممر الطائرة (دعكتها) برفق على (نخرتها) ثم قالت:
- أجى شن الما (خمرة)؟ ... أريتا يا بتى دى (خمرت السرور)!!
(مقال جميل للكاتب الساخر الفاتح جبرا بجريدة الرأى العام)
المفضلات