فصل في نصح العالم:
إن العالم كغيره من الناس له حق النصح إذا أخطأ وهو مندرج تحت قوله - عليه الصلاة والسلام - كما في حديث تميم بن أوس الداري، قال رسول الله: ((الدين النصيحة))، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) رواه مسلم وأبو داود والترمذي، وعنده أنه قال الدين النصيحة ثلاث مرات، فالعلماء يعتبرون من أئمة المسلمين.
ولكن من الذي ينصحهم؟ أهم أصحاب الألسن الحادة والكلمات الجارحة من المتحمسين والمتشنجين...؟ أم ذلك الذي لا يرى الحق إلا ما كان على مثل ما هو عليه ؟...
أقول: إن الذين ينصحون هو أولئك الذين عرفوا الحق ورحموا الخلق، فكلماتهم بلسمٌ على الجراح، يأتون بالعبارة التي يفوح منها الحنان والشفقة بالمنصوح لا يشعرونه بأنهم مترفعون عليه ولا شامتين به، إنهم العلماء الربانيون الذين لا يشهرون بالمنصوح بحجة النصح ولا يحرجونه بحجة التقويم ويضعون نصب أعينهم ما يلي:
1- الإخلاص لله – تعالى - في هذه النصيحة فإنها من جملة العبادات التي كلفنا بها ولا تقبل إلا إذا كانت خالصة لوجه الله – تعالى -، قال - عز وجل -: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.
2- أن يكون القصد منها الإصلاح: إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
3- أن يكون القصد إظهار الحق حتى قال الإمام الشافعي: (قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب) وقوله: (ما ناظرت أحداً إلا سألت الله أن يظهر الحق على لساني أو على لسانه).
4- أن يكون مبتعداً عن كل ما يجعل المنصوح معانداً متمادياً على الباطل متأسياً بذلك بسيد ولد آدم - عليه الصلاة والسلام - حيث كان إذا أراد النصح قال: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا))، ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله)).
5- أن يكون التركيز على الرأي أو المسألة لا على قائلها لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله...)) الحديث، مع معرفته - عليه الصلاة والسلام - بالذين اشترطوا تلك الشروط في قضية عتق بريرة، وفي الثلاثة النفر الذين سألوا عن أعماله فكأنهم تقالُّوها، والسنة مليئة بمثل هذا.
وقد قيل : زَلَّة العَالِم يَزِّل بها عَالَم
وخُلاصة المسألة : ما من عالمٍ إلا وله زَلَّة
قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله - (من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام) .
وقيل : مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ
وهذا سفيان الثوري رحمه الله استفتاه رجل فأفتاه ، ثم بان له أنه أخطأ ، فذهب يبحث عن السائل فلم يجده ، فقام ينادي في الأسواق : لقد سألني رجل عن مسألة كذا ، وقلت له فيها كذا وكذا ، والصواب كذا وكذا .
منقول بتصرف
المفضلات