صفحة 4 من 5 الأولىالأولى ... 2345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 76 إلى 100 من 112

الموضوع: رحلة في قاع المدينة ..رواية

     
  1. #76
    عضو برونزي
    Array الصورة الرمزية صلاح سر الختم علي
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدني سابقا 114 ومايو
    المشاركات
    1,436

    أحببت حربي الحربي كثيرا جدا
    ذلك الناهض من الرماد
    والهارب من قدر الفقراء
    ومن سطوة رفاق السوء
    ومن ربقة الفقر
    والحالم بأنثي لم يمنعه فارق طبقي او ثقافي من حلمه بها


  2.  
  3. #77
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    نعم عزيزي صلاح هو كذلك ..وأقول بعد السلام عليكم ورحمة الله أن الأنثي تستطيع أن تحفز عاشقيها علي الإجتهاد والمثابرة لكي يكونوا جديرين بحبها ..هذا مع تحياتي .

  4.  
  5. #78
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    ده رايك يا ريس ..؟ بيني وبينك الجرجره حاصله ..سلمت لنا من كل سوء .

  6.  
  7. #79
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثامنة والثلاثون
    عكفنا أنا و (مها) في استخراج بطاقات عضوية بالنقابة لجميع العمال والموظفين .. وقد أظهرت براعة في الرصد واستخراج المعلومات لا عهد لي بها طبعاً .. وقبل الانتهاء من العملية تعمدت ملامسة يدها أكثر من مرة على أمل ان تستجيب لي .. بيد أنها كانت تسحب يدها وترمقني بنظرة هي مزيج من التوبيخ والعتاب لكنها لا تشكل قاعدة للرفض .. لذلك قررت ان أحلق في أفق عينيها كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً .. فعندما أسألها أتباطأ في السؤال وعندما تجيبني أتظاهر بعدم الفهم .. فيصيبها نوع من التململ اللذيذ .. واحياناً توجه بعض العبارات التي لا يتم تبادلها إلا بين الاصدقاء …( يا خي حاول أفهم .. أنا ما عارفة الرماني في البلاوي دي شنو ؟!) وعندما ابدو وكأنني غضبت فعلاً من ملاحظاتها تغادر المكتب إلى البوفيه وتعود وبيدها كوب عصير تقدمه لي وهي توشوشني بهمس رقيق فيه شئ من الاعتذار .. وكنت استمتع بمشاكساتها تلك وأشعر انها تقربناً من بعضنا البعض أكثر فأكثر .. وقبل أن ننجز مهمتنا قالت لي ( شريط سلمي أختك رهيب .. عجبك ؟؟ طبعاً وكل صديقاتي نسخوا منه واليوم سمعته في مسجل الحافلة التي وصلت عليها للشغل .. معقول ؟! ).. سلمى الرائعة تستاهل كل خير .. وقد كانت خير معين لزوجها شنكل بعد ان عاد من المستشفى .. قالت لي عبر الهاتف .. لقد كان في حالة يرثى لها .. حاولت اقناعه بأن ليس كل من وضع بذرة في رحم إمرأة هو بالضرورة أب .. وإنما الاب هو الذي يربي ويسهر الليالي لمجرد اصابة طفله بنوبة برد خفيفة .. أما (جوليا) فقد اغلقت على نفسها الغرفة يوماً كاملاً .. لعلها كانت تراجع مشوارها مع ذاك الرجل الذي اصبح الآن بين يدي الله .. فهل ستحقد عليه وهو تحت التراب .. أما المستر رتشارد الذي وجد نفسه أباً لأكثر من فرد .. ابنته الرائعة (لوسيانا ) وشنكل ابنه بالتبني الذي يكن حباً عميقاً لاخته ب .. وكذلك سلمى التي كانت تناديه دائماً بكلمة (father) ولا تناديه باسمه وتجهد في ترتيب احتياجاته واحتياجات زوجته وابنته .. اها .. سرحت وين ؟ مها وقد اخرجتني من تأملاتي .. تعيسة وسيئة الحظ تلك التي استحوذت على تفكيرك .. قالت مها ذلك مازحة .. أبداً ؟؟ كنت أفكر في كلام سلمى .. اتصلت من نيويورك ؟! أيوه .. امبارح الساعة عشرة بالليل .. طيب خلينا في المفيد .. هنالك يا سيدي مائة وثلاثة وثلاثون عامل وموظف خارج السجل الوظيفي .. وكيف ذلك .. لأنهم ببساطة عمال وموظفون مؤقتون .. اتخيل ثلاثة سنين وهم بهذه الحالة .. اخذت الكشف وتوجهت إلى مكتب السيد المدير الذي قابلني ببرود شديد بعد الإنذار الذي أصدرته النقابة بالدخول في إضراب بنهاية الاسبوع .. قلت له .. لقد نجحت في إقناع الزملاء بمنحك فرصة شهر على شرط ان تقوم بتثبيت هذه القائمة في الوظائف .. ولكن هذا يتطلب وقتاً كبيراً شهر فقط يا سيادة المدير .. شهر فقط .
    عادت بطة إلى احضان المعلم الكيك بعد ان فشلت في زواجها من ذلك الثري العجوز .. وقد قالت لي في آخر لقاء معها بأن كبرى بنات زوجها المطلقة والتي تقيم وابنتها ذات الثلاثة اعوام معهم في المنزل قد أحالت حياتها إلى جحيم لا يطاق وكيف انها تغتنم فرصة مغادرة والدها لمتجره فتذيقها صنوف العذاب .. كانت مثلاً ترمي فوق رأسها إمعاء الفراخ عندما تلمحها تمر تحت البلكونة اذ تقيم في الطابق الاول وتقيم بطة مع زوجها في الطابق الارضي .. تقوم برمي بقايا امعاء الفراخ فوق رأسها .. وكيف أنها في إحدى المرات دلقت الطعام فوق رأسها .. وكانت تتعمد قطع الكهرباء عنها عبر مفاتيح الكهرباء الموجودة في أعلى المنزل وعندما تحتج على تصرفاتها تلك تخبرها بأن الكهرباء مقطوعة أو انها لم ترها وهي تمر تحت البلكونة واحياناً تثور في وجهها وتصفها بالمخادعة والافعى و العقرب التي ضحكت على والدها وتزوجته من أجل ثروته .. إذن لقد عادت بطة إلى المعلم الكيك وقد اخبرني بذلك كافولة وقد التقي أحد الصبية الذين كانوا يتعاملون في بيع قطع الغيار المسروقة صدفة .. قال له ( صاحبتكم ديك ساكنة سكنه مع المعلم الكيك ..) ومن ثمّ قص عليه كيف انها تحضر بعربة تاكسي كل يوم تقريباً وهي تحمل ما لذّ وطاب من الطعام بدعوى حمله لشقيقتها المريضة بالمستشفى .. من قال لك مثل هذا الكلام .. والأسوأ انها تمضي سحابة اليوم كلها مع المعلم الكيك وشلته يلعبون الورق ويدخنون الحشيش وبطة ترقص لهم وهي شبه عارية .. بطة تعمل كل هذا ..؟ ويحضر لها سائق التاكسي في الثانية ظهراً كل مرة ليعيدها إلى منزلها وهكذا بصفة يومية تقريباً ..( يا خسارة يا بطة ..) لا بد وقد يئست من استعادتي هذه المرة فلجات إلى مثل هذه التصرفات البائسة .. لقد قالت لك انها لا تحب زوجها وانها قد احبتك انت وانتهي الأمر .. هذه سيدة غريبة الاطوار .. ضائعة منفلتة والسبب انها لا تنتمي إلى أسرة حقيقية .. لو أن لديها ذرة من الكرامة أو ضمير لحافظت على سمعتها وسمعة زوجها .. لابد أن المسكين وقد وقع في حبائلها عاجز تماماً عن السيطرة عليها .. تأسفنا على ما آلت عليه وعدنا لموضوعنا الاصلي وهو الاعداد لحفل زفاف شقيقتي منه .. ولن يكون زواج (نادية) كزواج شقيقتي سلمى الذي تم في ظروف استثنائية أملتها حرص (جوليا) والدة (شنكل) صديقي على ان تمضي خطتها في اصطحاب ابنها وزوجته معها إلى امريكا دون عوائق .. ولأن سيرة نادية اصبحت على كل لسان بالحي.. الكل يتحدث عن دماثة اخلاقها وتفانيها في خدمة اهل الحي لا سيما المرضى منهم .. لذلك تحولت اجراءات الاستعداد للعرس إلى ما يشبه الملحمة .. فأنت تجد نسوة الحي وقد تجمعن في فناء دارنا يجهزن الخضروات من تقطيع للبصل وسحن للبهارات وقد انهمك بعض الشبان في طلاء المنزل من الداخل والخارج وكانت ثلة منهم تجلس أمام منزلنا مساء كل يوم على كراسي وبعضهم على الارض يشربون الشاي باللبن ويتبادلون الحكايات والنكات .. وهم يستمعون إلى شريط (نادية) .. الشريط الذي ارسلته شقيقتي سلمي من نيويورك بمناسبة زواجها من كافوله والذي انتشر كما تنتشر النار في الهشيم .. فانت تسمعه في الحافلات واكشاك الليمون و بالكافتريات .. وحتى داخل الأسر .. صوت رخيم وأغاني تدعو للحماسة والقيم النبيلة .. فماذا بعد ..انها الرائعة سلمى عويضة .

  8.  
  9. #80
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة التاسعة والثلاثون
    انتهى الانذار الذي اصدرته النقابة للادارة دون الحصول على مطالب العمال تنفيذاً للاضراب المعلن من قبل .. استشاط المدير غضباً وأرسل في طلب النقابة لاجتماع عاجل بمكتبه الواقع فوق الطابق العلوي لمبني المصلحة .. استمر الاجتماع لوقت طويل شرح لنا خلاله الصعوبات التي يواجهها في تحقيق مطالبنا إن كان على صعيد تثبيت العمال المؤقتين أو بالنسبة لبدلات السفرية وبقية العلاوات .. وتململ العمال بالخارج من طول الاجتماع وبداءوا يهتفون ضد السيد المدير .. وكانت ثلة من الموظفين و العمال قد فقدوا نفوذهم بعد رحيل المدير المؤقت الذي تولى أمر المصلحة إبان فترة إيقاف ومحاكمة المدير الحالي .. واخذ الهتاف طابعآ شخصيآ مثل (نحن نطالب بالتطهير .. يا حرامي يا مدير ..) ومثل ( اللص اللص .. نادوا البوليس ) .. لم يحتمل السيد المدير هذه الاهانات فبرز لجمهور العمال من فوق سياج الطابق الاول .. وهرعنا جميعاً لنقف إلى جانبه نحاول تهدئة العمال .. ولكن الموقف خرج عن نطاق السيطرة إذ رشق بعض العمال المدير بالحجارة والزجاجات الفارغة فازحته من أمامهم ووقفت قبالتهم أصرخ في وجوههم لالتزام الهدوء ولكن دون جدوى .. ومرت لحظات كنت اتلقى خلالها الضربات نيابة عنه .. فاصابني حجر بجرح بالغ شج جبيني مما أدى إلى نزيف كثيف سالت على اثره الدماء مدرارة فوق وجهي .. تراجع المدير وزملائي إلى داخل المكتب وأخذوني على عجل إلى المستشفى في وقت بدأت فيه عربات الشرطة تقتحم المكان .. ولم أكد أصل المستشفى حتى غبت عن الوعي تماماً .. ومن ثمّ أجريت لي عملية جراحية عاجلة .. كانت اثناءها والدتي وشقيقتي وبعض زملائي يتخبطون بحثاً عن المستشفى الذي نقلت إليه وكان مستشفى خاصاً .. وعندما أفقت وجدت من فوقي غابة من الوجوه الصبية وطبيب بدأ لي وكأنه اخصائي الجراحة الذي قام بالعملية يشرح لهم تفاصيل معقدة بعضها باللغة الانجليزية ونصفها باللغة العربية .. لم أتبين الوجوه تلك تماماً وقد غطت الضمادات وجهي .. وكنت أرى الأشياء أربعة أربعه .. وثلاثاً واثنين وعندما عدت إلى وعيي تماماً عاينت الحضور وفهمت على الفور انهم طلبة وطالبات إحدى كليات الطب .. توزع بصري عليهم ليقف عند احداهن وكان وجهاً مألوفاً لديّ .. من تكون هذه البنت ؟ .. من تكون ..؟؟ افكاري مشوشة والآلام تزحف فوق جسدي كالشلال .. فكيف لي أن اعرف من تكون .. ولكن .. أليست هي أميرة بنت عم عبده الفولاني .. انها هي وقد دخلت العام قبل الماضي كلية الطب .. انتهى الشرح وبدأ الجميع في مغادرة العنبر .. فهتفت في اثرها بصوت خافت ( أميرة .. أميرة الفولاني ) .. إلتفتت وقد بدأ على وجهها أثر الانزعاج الشديد .. (منو ؟ .. حربي ..؟!).. وعادت ادراجها بسرعة لتمسك بيدي وهي تردد سلامتك يا حربي .. سلامتك . . سألتني عما حدث بالضبط فشرحت لها ملابسات الحادث وسألتها عن إصابتي فقالت لي ( انت كويس يا حربي .. الدكتور قال انو حالتك مستقرة وتجاوزت مرحلة الخطورة ..) سأذهب إلى منزلكم لاخطار الجماعة .. ومرة ثانية طلبت مني مزيداً من التوضيحات حول موقع منزلنا والمباني والبقالات المتميزة قريباً منه .. وانطلقت خارجة بعد أن نبهتني بعدم شرب الماء أو رفع رأسي من الوسادة .
    لم يمض وقت طويل حتى عادت ومعها والدتي وشقيقتي وكافولة وعم صباحي وبعض الجيران .. وكانت والدتي تبكي بكاءاً مراً وأميرة تحاول تهدئتها .. وقبيل الغروب استأذنتنا أميرة في الذهاب وقد اصرت والدتي أن تبقى إلى جانبي وكذلك نادية وكافولة وفي ثاني يوم فوجئت بعدد كبير من سكان الحي العشوائي .. جيراننا القدامى .. وقد أقلتهم حافلة كبيرة .. وقد حضروا يحملون شتى انواع الطعام والفواكه .. وكذلك حضر بعض الزملاء والسيد المدير .. الذي شكرني على موقفي الذي وقفته دفاعاً عنه ودس تحت وسادتي مظروفاً به بعض المال .. وكدت أسأله عن سحر .. أين هي ؟! وهل علمت بإصابتي ولكنني ابتلعت سؤالي وكتمته في دواخلي وأنا أتمزق من الألم ..
    مضي يوم ثالث ورابع وتماثلت للشفاء بسرعة وقرر الطبيب خروجي من المستشفى ولكن إلى السجن بدلاً من منزلنا إذ أصرت النيابة على ضمي لقائمة المقبوض عليهم بتهمة الشغب والاخلال بالأمن بوصفي محرضاً .

  10.  
  11. #81
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الأربعون
    سألت الرقيب المناط به ضبط تحركاتنا داخل السجن عن كنه الضجيج والزعيق القادم من مكتب المأمور .. فأخبرني بأن ثمة سيدة محترمة تدخل السجن بتهمة الاختطاف والقتل على ذمة التحقيق .. اختطاف وقتل ؟! .. يا ساتر يا رب .. والغريب يا سيد حربي أنها سيدة شابة وتبدو عليها آثار النعمة .. الأيدي تنوء بالذهب والثوب آخر موضة سويسرية .. وهل تفهم في مثل هذه الأمور يا رقيب حمودة .. اقصد هل تشتري الذهب والثياب السويسرية لأم الاولاد .. ذهب وثياب فاخرة من المرتب .. ؟! هل تسخر مني يا افندي .. نحمد الله على ( النفس الطالع ونازل ) وشوية الملاليم التي اسموها ظلماً وعدوانآ ( المرتب ) .. وحياتك يا جنابو ما فايته حق الملاح .. لوكنا بنصرف مرتبات زيك يا رقيب حمودة ..دي ما حال البلد .. لا والله يا سيد حربي .. البلد بخيرها .. وخيرها زايد ومغرق الناس .. لكن للأسف ما في عدالة .. ناس في السما وناس في الواطة .. نسكت ونقول ربنا يصلح الحال .. آمين ..) ومضت ساعات الصباح واعتقدت للحظة انني نسيت قصة السيدة القاتلة .. وما أن حل المساء وآوى كل فرد إلى فراشه وساد السجن هدوء رهيب تتخلله عبارة ( قف عندك انت مين ؟ .. ثم أمين .. أمين مين ..؟ المساعد فلان أو الضابط فلان .. تقدم .. هذا الحوار نسمعه أكثر من مرة مع حلول الظلام واطفاء انوار العنابر والزنازين .. وفجأة يمزق سكون الليل صراخ أتى من ناحية سجن النساء الملحق بالسجن العمومي .. ( هوي يا ناس .. مظلومة يا ناس .. والله ما كتلت .. والله ما خنقت زول .. ووب عليّ .. ووب عليّ .. يا يما الرضية .. ووب علي وسجمك والرماد كالك يا بطة .. يا ناس الحكومة .. مظلومة والله العظيم مظلومة . ) قفزت من سريري لدى سماعي اسم ( بطة ) وأنا ارتعد من الخوف .. هل سمعت اسم بطة يا استاذ عامر .. وكان وقتها يؤانسني بذكرياته في احدى البلدان الاروبية .. خرجت إلى فناء السجن لعل الصوت يتردد من جديد .. لكنني لم اسمع شيئاً .. احضرت كرسي من الداخل وجلست أمام العنبر في قلب الظلمة .. فلم يأتني سوى صوت هسيس الاغصان تحركها تلكم النسمات الليلية الباردة .. هل قالت بطة ؟! .. اللهم اجعله خير .. الله يكضب الشينة .. هل فعلتها بطة وقتلت طفلة إبنة زوجها انتقاماً من سوء معاملتها لها ..؟ يا إلهي .. هذا فظيع .. وبقيت على تلك الحالة تتجاذبني الهواجس والظنون حتى آذان الفجر .. وانتظرت مقدم السيد المأمور بفارغ الصبر لاستوضحه حقيقة الموقف بالنسبة لتلك السيدة التي اتمنى من اعماق قلبي ألاّ تكون بطة .. وأن أكون قد أخطأت في سماع الاسم بصورته الصحيحة .نعم يا حربي . اسمها بطة .. والتهمة الموجهة إليها هي خطف الطفلة (أريج ) وقتلها .. ولا تزال الشرطة تبحث عن جثة الطفلة القتيلة .. أما تلك السيدة فهي تنكر التهمة الموجهة لها جملة وتفصيلاً وقد حكت للشرطة قصتها مع ابنة زوجها المتقدم في السن والذي تزوجته دون رضاء بقية افراد عائلته لا سيما كبرى بناته التي تعيش معه في نفس الفيلا .. ولكن يا جناب المأمور .. ربما تكون هذه السيدة فعلاً مظلومة وان ابنة الرجل لم تجد وسيلة لابعادها عن المنزل سوى اختراع هذه التهمة .. وقد تكون اخفت طفلتها مع شخص آخر يشاطرها افكارها السلبية حول زوجة والدها .. هذا ما قالته المتهمة بالحرف الواحد .. وزادت بأنها تتعرض للمضايقات بشكل شبه يومي من ابنة زوجها وانها تضطر لقضاء ساعات النهار خارج الدار ولا تعود إليه إلا قبيل عودة زوجها من عمله تفادياً للمشاكل مع تلك الابنة .. نعم يا استاذ اسحق .. قضيتي سهلة والبركة في الآنسة سحر .. أرجو ان تنقل لها عميق شكري وامتناني لإهتمامها بمشكلتي .. الآنسة سحر تفعل ما تراه واجباً .. وانت فعلاً تستحق كل مساعدة لوقفتك الشجاعة إلى جانب زوج شقيقتي .. لقد أصبت ودخلت السجن وأنت تدافع عنه أمام غضبة العمال بالمصلحه اشكرك يا استاذ اسحق .. ولكن ثمة سيدة مظلومة احضروها يوم أمس للسجن بتهمة الاختطاف والقتل وليتك تستمع لروايتها والدفاع عنها .. بكل سرور يا استاذ صالح .. وهكذا وجدت بطة نفسها وجهاً لوجه مع شخص تعرفه وتطمئن له ..( حربي !! ألحقني يا حربي .. قالوا حيشنقوني .. وأنا والله ما عملت حاجة .. معقول أنا أقتل يا حربي .. قول ليهم .. عليك الله قول ليهم يا حربي .. طلعني من هنا يا حربي .. أموت ليك طلعني من هنا ).. قلت لها اهدئي يا بطة .. وأنا زيك مسجون .. الاستاذ اسحق المحامي أخ وصديق وحيدافع عنك بس توريه الحقيقة دون لف أو دوران .. وهكذا انتهت تلك المقابلة الغريبة مع ( بطة ) .. من يواسي من يا بطة ؟!.. ومن يساعد من ؟! .. هل كان من الضروري أن تحزمي امتعتك وتغادري ذلك السفح البعيد .. حيث الخضرة والماء والغناء يا بطة .. وهل كان من الممكن عودة كل منا إلى سابق أيامه .. (عليك الله ما تسيبني يا حربي .. أموت ليك ما تتخلى عني ..) ما حأتخلى عنك وان شاء الله الاستاذ يثبت براءتك وتعودي لزوجك وبيتك .. ربنا يسمع منك .. أشوفك كل يوم .. كويس ؟!.. كويس .. والآن يا استاذ اسحق كيف ترى الأمر .. لا ادلة قوية ضدها إلا بعد العثور على جثة الطفلة لا سمح الله .. قضايا القتل التي تحكم في غياب جثث الضحايا واحد على المليون وفي ظروف بالغة التعقيد .. وهي حتى هذه اللحظة خارج دائرة الادانة .

  12.  
  13. #82
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    اتشربكت
    يحلها الحل بله

  14.  
  15. #83
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    صحيح والله ..لكن ما سألتني سحر وين ؟

  16.  
  17. #84
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الواحدة والأربعون
    وداخل السجن ذي الجدران الكئيبة والفراغ العريض اتيحت لي فرصة قراءة تفاصيل حياتي وكل الوجوه التي احببتها من اعماقي .. استعدت ليلتي الأولي مع
    ( بطة ) بمنزل المعلم الكيك وبدلاً من اشباع غريزتي شعرت بأن بطة هذه أجمل من أن تصبح مجرد بغي ... تبيع الهوى لطلاب اللذة .. كل تلك البراءة والطفولة والعفوية حرام ان تتجسد في عاهرة .. لذلك تحولت يومها من مجرد شاب عابث إلي مصلح اجتماعي .. نصحتها بالهروب وباقصى ما تستطيع من ذلك العالم الشائه عالم المعلم الكيك .. وكانت سعادتي عظيمة عندما اقتنعت بوجهة نظري وانتقلت لتعيش مع قريبتها .. ولكنها خذلتني أكثر من مرة .. وكلما أحاول الاقتراب من مراسيها التي تعصف بها الانواء .. اجدها وقد غابت في خضم الضباب .. تذكرت أدق ملامحها .. الأنف الاقني المخروط والثقب الذي به انتظاراً للحلي الذهبية .. والأذن التي تدلى منهما قرطان اتعبهما التحديق إلي اسفل .. وعينيها الأنيقتين وابتسامتها المفرحة .. ثم ضحكتها المختزلة بفضل الحياء الفطري الذي يمنعها من التفجر .. إنها قروية بريئة وجدت نفسها بعيداً من المصب فضاعت في المحيط اللانهائي لحياة المدينة .. ثم تذكرت ( مها ) ولم لا اتذكرها .. والساعات تمضي بطيئة والاوقات متشابهة .. والزمن تجمد عند نقطة ما .. لقد تذكرتك يا ( مها ) .. يا اروع الناس .. يا حبيبتي الأنيقة .. تذكرت كل المساحات المضاءة في قوامها السمهري وتلك النعومة المفرطة في الايلام .. آه يا ( مها ) .. كيف الحال بعدنا ؟!.. بالله عليك كيف الحال بعدنا ؟!.. وكيف حال الاستاذ وحكاياه المروعة .. يا مها .. يا انت .. وكان لابد من التمرد على الانكفاء وحيداً .. وجهي على جدار ( العنبر الواسع ) .. رافضاً التأقلم والتعايش مع الآخرين .. فآثرت الخروج من عزلتي تلك .. بدأت بالانخراط في صلاة الجماعة مع سجناء الضمير وذوي الياقات البيضاء كما يسمونهم وقد علمت بذلك مؤخراً .. فأنا اذن سجين ضمير كالآخرين .. كل جريمتي انني ادافع عن حقوق المستضعفين من الناس المسحوقين .. عن حقوق العمال والموظفين وكلاهما سيان .. كل واحد منهما أتعس من الآخر .. وكان إمام السجن يأخذنا في محاضرات مطولة بعد الظهر وبعد المغرب .. وكنت استمع بعمق لما يقول .. بل واحفظ عن ظهر قلب بعض الاحاديث وقصص السيرة المحمدية الشريفة .. وبدأت اتحول شيئاً فشيئاً إلى متصوف حقيقي .. أصلي كل الاوقات بمسجد السجن .. وتلفت حولي يمنة ويسرة فاذا انا اقترب أكثر فأكثرمن الاستاذ عامر .. سياسي قديم ومثقف حقيقي .. من جيل المحاربين القدامى وقد احضروه إلى عنبر السجناء السياسيين تقديراً لماضيه النضالي ابان الحقبة الاستعمارية وهي تلفظ انفاسها الاخيرة وقد حكموا عليه بالسجن لثلاث سنوات لعجزه تسديد ( شيك مصرفي ) حرره لأحد السماسرة مقابل صفقة وهمية .. وذاب ذاك المرابي في العالم كقطعة ملح ولا أثر .. أحياناً يقولون أنه هرب إلى ليبيا وفي احايين كثيرة يقولون أنه سافر إلى القاهرة وربما روما .. المهم لم يتمكن المسكين من تسديد قيمة الشيك بعد أن باع منزله لذاك المخادع وحرر شيكاً لصاحب المنزل الجديد على ضوء المبلغ المتوقع استلامه فضاع كل شيء .. ولم يشفع له تاريخه الناصع ولا مركزه المرموق على الخارطة السياسية والاجتماعية .. فأسلم أمره إلى الله ودخل السجن .. ومنذ تعرفي عليه توطدت علاقتي به وشعرت بأنني اتحمل مسئولية هذا الرجل بفرح غامر أغسل له ملابسه ..انظف له سريره .. احضر له الصحف والطعام من مكتبه وبوفيه السجن .. واتجاذب معه اطراف الحديث .. وبدأ الأمر باجترار ذكريات حياته الغنية بالاحداث ثم تحولت العلاقة إلى ساعات من العلم والتعلم ... هو يحاضرني عن النظم السياسية والمذاهب الاجتماعية وانا انصت بكل جوارحي لما يقول .. حدثني عن الماركسية والرأسمالية والانظمة الشمولية .. وحدثني عن النظام الرئاسي والنظام الجمهوري .. وكل أنواع الانتخابات في كل البلدان وعرج على تاريخ السودان وتقسيماته الجغرافية والاثنية وحكى لي قصصاً غريبة عن نضالات زعماء من أمريكا اللاتينية وآخرين من آسيا.. البعض سمعت به والآخر لم اسمع به من قبل .. ومضى أكثر من شهرين وأنا اتوزع بين أمام المسجد وهذا المناضل الرائع وبالكاد زيارات الوالدة وشقيقاتي كل جمعة .. إلى ان جاء يوم شكل نقطة تحول في تاريخ حياتي .. فقد ابلغوني بأن لدي زائرآ في مكتب مدير السجن ... اصلحت من هندامي بما تيسر لي ومضيت وأنا اجهل تماماً حقيقة ذلك الزائر المجهول ... دخلت إلى مكتب المامور لأفاجأ بأن الزائر ليس سوى ( سحر ) .. كاد أن يغمى عليّ وأنا اتدفق صوب وقفتها الاسطورية وقد مدت يدها تصافحني بحرارة كأميرة من اميرات ألف ليلة وليلة .. ( سحر ؟! ) ياه .. طبعاً عاتب عليّ لأنك لا تعلم ما جرى لي يا صالح .. دائماً صالح .. لا حربي ولا الزعيم .. الشخص الوحيد في هذا الكون الذي يناديني باسمي الحقيقي .. صالح .. خرجت من فمها مثل كمنجة حزينة .. لكمّ تأسفت على سجنك بالرغم من انك لم ترتكب أي جريمه وذلك الموقف الشهم الذي وقفته إلى جانب أبي وكيف أنك تلقيت الضربة تلو الضربة فداءاً له .. أنت إنسان نبيل يا صالح .. وهنا غادر المامور المكتب عندما شعر بأن ( سحر ) على وشك أن تبكي من شدة التأثر وقد أغرورغت عيناها بالدموع .. لقد عاودتني تلك الاغماءه يا صالح ومكثت بإحدى مستشفيات لندن شهراً كاملاً والحمدلله أخذت العلاج المناسب بعد أن تم تشخيص حالتي بواسطة اخصائيين كبار .. اخصائيين ؟‍.. سلامتك يا سحر .. سلامتك .. ألف ألف سلامتك .. يعني كنت عيانة يا سحر ؟‍ .. ايوة يا صالح .. وهل تفتكر لو أني كنت في الخرطوم سأسمح بأن تسجن … ياااه يا سحر .. لكّم ظلمتك يا سحر .. والله ظلمتك يا سحر .. قلت في نفسي يا ولد استحي على عرضك .. انت وين وسحر وين .. لذلك بطلت أفكر فيك زي زمان .. يخسي عليك يا صالح .. يعني اصلك ما حسيت بشعوري نحوك .. معقولة بس ؟‍‍‍‍! .. يعني كان لازم اقول ليك اني بحبك عشان تفهم يا صالح .. لا .. لا والله العظيم .. خلاص .. خلاص وتهاويت نحو أقرب كرسي وانا أوشك ان أموت من وقع المفاجأة … سحر تحبني أنا ؟! .. صالح وليد حوه قزاز .. والشاويش عويضة .. لعلك في حلم يا حربي .. لعلك في حلم .. أيوه بحبك يا صالح ومن زمان ولن تستطيع قوة في الارض أن تفرق بيننا وسأتولى موضوعك منذ الآن حتى تخرج من السجن سليماً معافى .. وحتى .. حتي ماذا يا مأساتي ؟ ولم انم ليلتها وقد تركتني سحر نهباً للهواجس والآلام .. لقد اعترفت لي تقريباً بأنها تحبني ومنذ زمن ليس بالقصير .. ولكنني برغم ذلك أشعر بالقلق الشديد وأخاف ان تندم سحر على كل حرف قالته لي .. وربما تكون قد اوحت لي بذلك نتيجة لاحساس متهور أملته ظروف سجني واصابتي وأنا ادافع عن والدها .. إنه الحب يا هذا .. ليته كذلك ولكن هل يّولد الحب هذا القلق والخوف .. نعم .. نعم … يا أخانا .. انه أكبر مفجر للقلق والهواجس في عالم الاحاسيس والمشاعر.. سحر تحبني ؟!.. لماذا أسأل نفسي للمرة الألف هذا السؤال .. هل أنا ضعيف الثقة بنفسي إلى هذا الحد .. وكيف سأقود جحافل العمال والموظفين نحو غد افضل وانا بهذا الضعف والخور .. كل الاقوياء في التاريخ كانوا ضعافاً أمام الجمال .. ألا تذكر حديث الاستاذ عامر عن تلك العروش التي قامت وتهدمت لأسباب أهمها سطوة إمرأة ما .. انظروا إلى نابليون والا سكندر المقدوني وهارون الرشيد وهتلر المانيا .. لقد كانوا مثل خاتم من الذهب في اصابع من احبوا من النساء يفعلن بهم ما شئن ويتدخلن حتى في امور الحرب والسلام .. ولكن كيف لم ألاحظ ما دعته سحر بحبها لي .. أظنك غير مصدق حتى الآن .. أقول لك بصراحة انني بدأت انسج الاحلام والاخيلة عن شكل حياتنا معاً كزوج وزوجة .. زوج و زوجة دفعة واحدة ..؟ ألم تلاحظ بأنك قد رفعت سقف توقعاتك إلى أعلى حد ممكن منذ زيارتها لك .. هو ذاك .. فإما ان انجح أو اهوي نحو القاع فيدق عنقي ومن ثمّ أموت .. معقولة بس ؟!.. ما لاحظت شعوري نحوك يا صالح .. معقولة بس ؟!.. أي ورب الجمال ومن ابدع هذا الكون لم ألاحظ .. صحيح انها نامت بين ذراعي ساعة تلك الاغماءة اللعينة يومها ... نامت بين ذراعي كطفلة توسدت صدر ابيها وقد تعود حملها من سريرها وهي نائمة كل مساء ... يحملها وهو يتمتم .. بسم الله الرحمن الرحيم الله .. بسم الله الرحمن الرحيم .. ليدخلها إلى غرفتها وقد لاحت في الافق نذر العاصفة .. لقد حملتها وكان احساس طاغ بالابوة يكتنفني نحوها في تلك اللحظة النادرة التي لا اخالها ستكرر .. لقد كان احساسي نحوها يغلب عليه طابع الخوف الشديد وكاد قلبي ان يحطم ضلوعي ويقفز راكضاً في الفضاء الفسيح من شدة خوفي عليها ... وحتى وهي تستيقظ شيئاً فشيئاً وتعود إلى دائرة الوعي .. لم تسحب يدها من يدي .. بل ضغطت عليها بوهن ومحبة .. وكم كانت سحر وفية وهي تعود تاني يوم إلى السجن ومعها خالها المحامي اسحق .. سلم عليّ بوجه صبغته المودة والاحترام .. سنقدم استرحام للمحكمة لاسقاط بقية المدة وقد وافق السيد المدير على ان يشهد لصالحك .. وبأنك كنت تحاول السيطرة على العمال والموظفين لا تحريضهم .. ولم يفتها ان تحمل معها بعض المأكولات ودست في يدي وهي تغادر علبة فخمة وهي تهمس في وجهي .. ساعة حلوة اشتريتها لك من لندن .. ساعة لي انا ؟!.. طبعاً يا صالح .. لكن ده كتير يا آنسة سحر .. قمنا من تاني للآنسة والسيدة يا صالح .. سريع كده نسيت .. بس ده كتير يا سحر لا كتير ولا حاجة.

  18.  
  19. #85
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    ماشا معاك حلاوة يا حربى

  20.  
  21. #86
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    عزيزي محجوب ..صباح الخير وأسعد الله أوقاتكم بكل الخير
    الزول الشبكه دا الله يحلنا منو ..41 حلقه وسمير ماشي ..مع كل الود

  22.  
  23. #87
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثانية والأربعون
    تذكرت شقيقتي سلمى وزوجها العزيز شنكل .. وكيف يستقبلون نبأ سجني .. ولعل أجمل أوقات السجن .. تلك التي يسافر عبرها المسجون إلى أماكن وأناس يحبهم .. الاوقات الممتدة إلى ما لا نهاية تتيح للناس هنا تخيل كل شيء وتذكر أي انسان فأنت تراهم وقد اغمضوا عيونهم وتتصور انهم ينامون .. لا يا عزيزي .. انهم يحلمون .. ينتظرون ويتذكرون .. وهأنا استعيد ذكرياتي مع شنكل و رحلته للبحث عن أمه .. كان من الممكن أن يظل هكذا وإلى الابد بدون هوية وبدون أسرة .. ولكنه الآن مع زوجته وأمه وزوجها المستر رتشارد و الصغيرة لوسيانا .. وفى تلك الاثناء كأني بالجميع وقد انهوا عشاءهم وجلسوا فى فناء الحديقة فى تلك الامسية الصيفية المشبعة برطوبة نيويورك الفارهة .. منزل انيق ملؤه المحبة والتفاهم .. لا..لا ليس هكذا تصعدين الدرج ياسلمى .. تذكرى انك حامل.. المستر رتشارد وهو ينبه شقيقتى التى ارادت ان تحضر بعض الحلوى من المطبخ .. لاتركضى هكذا .. فهذا ليس في مصلحة الطفل.. واشفقت جوليا ايضا عليها وكذلك فعلت الصغيرة (لوسي ) *..اما شنكل فقد تظاهر بالتماسك ولو انه كاد ان ينهض ليتلقف سلمى وقد اوشكت على السقوط .. تأمل المستر رتشارد الجميع بحنو وحب وقال لشنكل .. لقد كان يوما طيبآ في البورصة وقد ربحت اسهمنا ارباحا لم تكن في الحسبان.. شنكل قال له.. انت تعلم انني لاافهم كثيرا في مسائل البورصة هذه وانت اقتصادي ضليع وكلي ثقة في انك ستولي الامر العناية التي يستحقها.. لا ياريمون وعلينا أن نتذكر بأن هذا هو الإسم الجديد لشنكل في هويته الأمريكية .. انت مخطئ في هذا.. عليك ان تتعلم وستكون بجانبي عندما يبدا التداول بعد العطلة الاسبوعية .. انني اعول عليك كثيرا يا بنيّ .. فانت الان رجل هذه الاسرة .. وبعد قليل سنتقاعد انا وجوليا لنتفرغ لكم تماما.. سنكون سعداء برعاية طفلكما القادم وسنسافر الى هذا البلد او ذاك ولن ننسى بالطبع الخرطوم .. السمع والطاعة .. وهل سيسمح لي بحمل الطفل الجديد ماما؟! الصغيرة ( لوسي ) وقد اثارتها فكرة ولادة طفل جديد .. لقد سئمت هذه العرائس .. اريد عروسة حقيقية تتبادل معي الاسرار.. ضحك والدها وهو يرد عليها.. وهل لديك اسرار ياصغيرتي العزيزة .. ياالهي .. الناس في عائلتي هذه تكبر بسرعة .. لم لا يا ابي.. فانا الان في العاشرة من العمر.. لعلك نسيت أن عيد ميلادي في الأول من اغسطس القادم .. لا لم انس وسافاجئك بهدية ماكنت تحلمين بها.. ما هي بابا؟ ماهي؟! ارجوك.. وكيف ستكون مفاجاة اذا ما افصحت عنها .. عليك الانتظار.. ها.. عليك الانتظار.. بابا!!! لقد عاش فى اماكن عديدة في اوروبا وفي امريكا ورأى بنفسة مقدار التعاسة والوحدة التى عاشها ويعيشها الكثيرون .. نعم الوحدة من كبرى المشاكل هنا .. وعلي النقيض من ذلك ما يحدث في السودان .. لقد تعرف الي العديد من الاسروشاهد تلك الحميمية المرهفة تشكل علاقات الناس ببعضها البعض ..إنه لن ينسى ذلك الرجل الذى كان يسكن في الشقة المقابلة له تماما في تلك العمارة السكنية بامستردام .. لقد مات الرجل ولم ينتبة له احد من الجيران الذين لايفصلهم عنه سوى (كوريودور) صغير الى ان فاحت رائحة جثته .. وعندما هشموا الباب وجدوا بيده كوبآ فارغآ وقد سقط قريبا من الثلاجة .. وإن ينس لن ينسي الممرضة (ايفلين) التي كانت تسكن بجوارهم في احدى ضواحي نيويورك .. صحيح انها كانت انطوائية ولاتحب الاختلاط مع الناس ولكن كيف يمكن ان تموت وتمر ثلاثة اعوام على موتها دون ان يسال عنها احد .. الجيران تذرعوا بحجة انها انطوائية .. وزملاؤها بالمستشفى قالوا انها مزاجية وربما تكون غادرت نيويورك فجاة لتعمل في مستشفى آخروشقيقها قال انهما متخاصمان منذ مايقارب الخمسة اعوام .. لقد اكتشفت سلطات الكهرباء الامر ودخلت لتجد مستعمرة للجرزان بداخله .. كم أنا محظوظ .. المستر رتشارد يحدث نفسه وقد عادت سلمى لتاخذ موقعها بين الجميع .. كان دائما يبحث عن السعادة والاستقرار مع اسرة متفاهمه .. لقد هربت والدته وهو طفل من والده المخمور مع احد الاجانب وهو لايعلم عنها شيئا حتى الان .. وتركه والده ليتجول مع احدى الغجريات من مدينه الى مدينه ومن ساحه الى ساحه .. وهاهو يعوض كل ذلك بهذه الاسرة القادمة من رحم الغيب .. سوف يقاتل من أجل هؤلاء الرائعين .. وسيبذل قصارى جهده في اسعادهم .. من يكون المتكلم " على الهاتف .. ساتولى الرد .. الصغيرة ( لوسي ) وقد ركضت نحو الداخل .. ولكنها عادت بسرعة لتقول لسلمى .. والدتك على الخط .. على مهلك ياسلمي .. اهلا( يما ) .. كيف ناس البيت ؟! مسجون؟! .. ووب على .. ووب على .. هنا تدخلت جوليا واخذت منها السماعة .. نعم.. معاك .. نعم.. شغب داخل المصلحة .. يعنى الموضوع بسيط .. ان شاءالله سيخرج من السجن .. نعم يا حاجه .. هيا سلمى كفى عن البكاء وتكلمي مع والدتك بهدوء .. انها بحاجة لشئ من التشجيع .. خلاص (يما).. الفلوس حتصلكم يوم الاثنين..ان شاءالله.

  24.  
  25. #88
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثالثة والأربعون
    أحاول ملء الفراغ وساعات اليوم الطويلة بالسجن بأكثر من وسيلة .. وقد تبدو تلك الساعات اقصر عندما يزورك شخص ما .. لم يزرني ( كافولة ) زوج شقيقتي نادية لأنه يخاف الحكومة وكل ما هو حكومي كذلك لم يزرني أهل الحي العشوائي .. لعلهم لم يسمعوا بأنني سجنت أصلاً .. هؤلاء القوم بعيدون كل البعد عن تقاطعات الحياة العامة بالخرطوم بكل ما فيها من تداعيات مبكية ومضحكة .. وحسب علمي فإن حدود همومهم الشخصية ينتهي عند خبز عيالهم وجلب الدواء لمرضاهم .. لم يسمعوا بسجني الذي يدخل ضمن اطار الصراع اليومي بين الناس والسلطة . وهم بالقطع لم يسمعوا بطبقة ( الاوزون ) ولا بالمذابح التي ترتكبها اسرائيل في فلسطين وغير معنيين باتفاقيات التجارة الحرة والعولمة .. لهذا لا يشيخون مبكراً مثلنا .. وأقول مثلنا لأنني ومنذ التحاقي بالوظيفة العامة كسائق للسيد المدير تصك اذني حواراته المتعمقة مع مساعديه وأنا انقلهم من اجتماع إلى اجتماع ومن مؤتمر إلى مؤتمر وبعد دخولي السجن وتعرفي على الاستاذ عامر صرت مهموماً مثلهم بالشأن العام ، وبدأت أفلسف مثلهم مشاكل البلد التي لا تخفى علي أحد .. الحرب في الجنوب والجفاف والتصحر والبطالة .. بل وحتى ادبيات السياسة الخارجية .. فما لي أنا ومال كل هذه الترهات .. لو أنني بقيت في عملي بورشة المعلم سلمان القاضي .. لما اقحمت نفسي في مشاكل لا قبل لي بها .. الزيارة وحدها هي التي تكسر الروتين الرهيب داخل السجن .. وبما أن السيدة ( بطة ) لا تبعد عنى سوى أمتار بسجن النساء فلماذا لا ( نتزاور ) .. على الاقل سيهرق كل واحد منا آلامه أمام الآخر .. ومن منا لا يحتاج إلى كتف صديق يبكي عليه وإلى صدر حنون يطرح فوقه عذاباته .. لذلك تعودت أن اجلس إليها عبر ثقب كبير في السور الذي يفصل بين سجن الرجال وسجن النساء .. كانت شاردة وحزينة وكثيرة البكاء .. ولا أدري لماذا تبكي بهذه الحرقة وتلك الاستمرارية .. ولاحظت انني عندما أنظر عميقاً في عينها .. تهرب من نظراتي وتشيح بوجهها عني .. وتحول مجرى الكلام إلى موضوع آخر .. هذه التصرفات ازعجتني بشكل مخيف .. وبت استيقظ من النوم تحت وطأة كوابيس واحلام مزعجة واتساءل بيني وبين نفسي .. معقولة بس ؟! .. بطة قاتلة ؟! .. كل هذه الوسامة وتلك البراءة وفطرتها القروية تقتل ؟!.. وهل يداها ملطختان بدماء تلك الطفلة الصغيرة ؟! .. وتوقفت عن زيارتها لبعض الوقت فجن جنونها .. وصارت ترسل لي الوصية تلو الوصية مع حراس السجن .. وعندما ذهبت إليها مرة أخرى بكت بشدة وقالت لي بين نهنهاتها وتنهداتها ها انت تتخلى عني .. حتى قبل أن تبدأ المحاكمة .. ولم تعد تسأل صديقتك سحر عن المحامي الذي وعدتموني به .. خففت غلواء عذابها بكلمات حانية .. وأعطيتها بعض الأمل في الخلاص وبأنني سوف احادث سحر بمجرد أن تزورني حول تولي خال سحر الدفاع عنها .

    قلت لسحر ونحن لوحدنا بعربتها بعد خروجي من السجن .. لا أدري كيف اشكرك يا سحر .. لن أنسى أبداً وقفتك معي هذه ولكن .. لكن ماذا يا صالح ؟ .. لا داعي لتحمل مبلغ الغرامة .. لقد ارسلت لنا شقيقتي مبلغاً كبيراً من المال .. سأعيد لك المبلغ الذي دفعته للمحكمة ويكفيك اتعاب المحامي .. إسحاق أبن خالي ولم ادفع له اتعاب .. هنا توقفت عن الكلام وسحابة عارضة من الحزن تسافر عبر تضاريس وجهها الجميل .. لا ادري ماذا أقول لك يا صالح .. أنا لست مرتاحة لبنت أهلكم هذه كما تسميها .. وكنا قد توقفنا لديها بمكتب استقبال سجن النساء قبل مغادرتنا وقد تركت معها كل ما كان بحوزتي من مال لعلّه يخفف عليها سنوات الانتظار القاسية انتظاراً لبراءة تدعيها .. لقد تخلى عنها زوج قريبتها وكذلك فعل زوجها المفجوع في حفيدته الرائعة برغم جحيم الاشواق واللهفة الذي خلفه غيابها عن مخدعه .. انها وردة ندية ألقت بها الاقدار في مشوار حياته المفعم بالحرمان .. زوجة صبية كم ارضعته الافراح واعادت له شبابه الذاهب .. بيد أنها اختطفت حفيدته وقتلتها أو هكذا قالوا له .. وهو لا يدري هل يصدقهم أم يصدق زوجته بصباها الغض وفرعها المموسق .. كم يشعر أن كبرى بناته قد تآمرت عليه وحرمته من تلك النعومة وذاك الاشراق المتوزع على قسماتها الحلوة .. وربما كان هذا هو السبب في اعتكافه بالمنزل لا يذهب لمتجره ولا يزور أحداً من اقاربه ويدعي النوم وقد أحكم قفل غرفته لا يفتحها إلا للخادمة عندما تدخل عليه بالطعام .. وكلما دخلت عليه ابنته ( بلقيس ) يشيح عنها بوجهه ويواجهها بنظرات بها الكثير من الشك والريبة فتجثو أمامه باكية مولولة تقسم له باغلظ الايمان بأن بطة قد قتلت ابنتها الوحيدة وأن الأيام ستثبت له ذلك ..
    لن أقبل هذا المبلغ وقد دفعته عن طيب خاطر وانتهى الأمر .. لكم أنا سعيدة بخروجك من السجن يا صالح .. سألقاك كل يوم وسنمضي معاً في مشروعنا .. نكمل دفع اقساط الشقة ونتزوج .. هل قلت نتزوج يا سحر ؟! .. نتزوج ؟ ! .. أنا وانت .. نتزوج ؟! .. نعم نتزوج .. ألا ترغب بالزواج بي يا صالح ؟ .. ومن انا لأرفض ؟ .. أنت انسانة طيبة ونبيلة ومتواضعة يا سحر .. مثلك قد يستكثر عليّ تحية الصباح .. أوأنت جادة يا سحر ؟! .. هل تقبلين بي زوجاً .. ياه .. وي وي وي .. ارجوك كف عن هذا الهذيان فأنت تصيبني بالتوتر ولن اتمكن من توصيلك بسلام إلى والدتك وشقيقاتك .. فهم ينتظرونك بفارغ الصبر .. ولكن ماذا لو رفض أهلك .. وبالذات شقيقك .. لن يعترض سبيلي أحد .. أما شقيقي ( عصام ) فدعه لي فأنا أعرف كيف اوقفه عند حده .. المهم موافقة أبي .. أما والدتي فهي تفعل ما تراه في مصلحتي .. ومصلحتي في زواجنا يا صالح .. هل تذكر عندما حملتني بين ذراعيك وصعدت بي الدرج حتى غرفتي بالطابق الأول .. لقد كنت متعبة بالفعل وفي شبه اغماء .. لكنني كنت اشعر بما يدور حولي .. وكنت أعلم انك تحملني بين ذراعيك وتجلسني على سريري ولقد صممت ساعتها بأن ذلك الموقف سيتكرر عندما نتزوج .. وسأقاتل الدنيا بأسرها من أجل تحقيق ذلك الحلم .

  26.  
  27. #89
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الرابعة والأربعون
    وعدت لمواصلة عملي بالمصلحة كرئيس لنقابة العاملين .. وكانت ( مها ) سعيدة بعودتي .. احضرت الحلوى والشربات وقدمته لكل فرد بالمصلحة أتى ليهنئني بسلامة العودة .. وبدأ وكأن الجميع ينظر نحوي بفخر واعزاز .. فقد تحققت بعض المطالب التي ناضلنا من اجلها .. دفعت كل المستحقات المالية المؤجلة ومنحت التعويضات المجزية لضحايا حادث الحركة من عمال وفنيين .. وما زال في جعبتي الكثير من المشاريع .. وقد عكفت ومها علي صياغة تقرير لسلطات الاراضي لتخصيص قطع اراض سكنية للمعاشيين والارامل كخطوة أولى ستتبعها مطالبتي باراض سكنية لجميع العاملين .. كنت أقوم باملاء عبارات غير متسقة وبها الكثير من الاخطاء اللغوية والنحوية وكانت تصححني وهي تردد عبارة ( ما بكتبوها كدا يا جاهل . ) تقولها وهي تضحك وترمقني بنظرات هي مزيج من الانوثة الطاغية والتدلل وشيء من السخرية اللذيذة .. طيب .. طيب .. هذا واحد من أكبر عيوب حواء .. عيوب يا حربي ؟! .. أنا كلي عيوب ؟! .. ومن ثمّ ترسم فوق محياها مظهراً جاداً وغاضباً سرعان ما ينتهي بضحكة مموسقة تزلزل كياني .. نعم يا ( مها ) .. انت صحيح بنت متعلمة و .. وإيه كمان ؟ .. وحلوة .. أيوا .. اعترف يا مغرور .. ويا مخدوع .. أنا مخدوع .. الله يسامحك يا ( مها ) .. مش بقولوا مد رجليك قدر لحافك .. وكانت تلمح لعلاقتي مع سحر .. خلينا في المهم .. أريد هذه المذكرة بنهاية اليوم .. وغادرتها وأنا انتزع أرجلي عن المكان .. كم انت جميلة يا ( مها ) .. وكم أنت رائعة .. ماذا لو لم ألتق سحر أصلاً .. من المؤكد انك ستكونين حبي الأوحد .. ولكنني الآن بلا إرادة .. بلا حرية .. لقد رهنت عمري وحياتي لسحر ولن أكون لغيرها .. هذا إن هي أوفت بعهدها لي ولم تغيّر رأيها .. وهل ستغير رأيها يا ترى ؟! علمي علمك .. ربما تقابل طياراً أو طبيباً أو مهندساً في أسفارها العديدة تلك في نطاق الأسرة أو الشركة وربما في مطار بعيد من مطارات العالم وتعجب به وتتزوجه .. لا حول ولا قوة إلا بالله !! والله انت حاقد وحاسد لا أكثر .. المفروض أن تبعث في نفسي الطمأنينة والثقة بالنفس .. ألست ضميري يا حاقد يا جبان .. تريدني أن أظل مدى الحياة صبي ميكانيكي تعبان وهلكان .. أنا فقط أحذرك ولا تتوقع مني أن أخدعك في يوم من الايام .. وإلا تحولت إلى ضمير ميت .. كل المعطيات تقول أنك لا تستاهلها ولا يجب أن تفكر حتى بمجرد الارتباط بها .. هي في الثريا وانت في الثرى وما ابعد المسافة بينكما .. لقد اقسمت لي بأنها تحبني وبأنها ستقاتل الدنيا كلها من أجل احلامنا .. أهو كلام .. والموية تكذب الغطاس .. والكضاب نوصلو لغاية الباب .. كم واحد قال لك أنك محبط وممّل وحاسد .. والله هذا رأيي بكل صراحة .. إن شئت عملت به .. وإن شئت عملت بغيره .. اسمع يا هذا .. انت في اجازة مفتوحة منذ هذه اللحظة ..( يال لا) اغرب عن وجهي .
    هأنا اتراكض بين المستشفى الحكومي حيث يرقد العم صباحي طريح الفراش وقد جلس إلى جانبه صديقي ( كافو) يرعاه كإبن حقيقي وقد منح اجازة محلية لممارضته وبين سحر التي ترقد في إحدى المستوصفات بعد أن أتاكد بأن افراد اسرتها قد غادروا المستوصف لا سيما شقيقها الذي رمقني بنظرة شزرة لدى أول يوم لدخولها المستوصف وكنت قد هرعت إلى هناك عندما علمت من سائق المدير الجديد بأنها قد نقلت إلى هناك في ساعة متأخرة من الليل وهي تشكو من اعياء شديد وضيق في التنفس .. اقتحمت غرفتها حتى بدون إذن (السستر) المسؤولة عن الغرفة وهناك وجدت أمها ووالدها السيد المدير وشقيقها ورهط من سيدات وبنات الأسرة .. شعرت بأنني غريب وسط ذلك النسيج الأنيق من البشر .. توجهت نحوها وأنا احتضن كفها واتمتم في رعب حقيقي .. سلامتك آنسة سحر .. توهج خداها بلون غامض وانفرجت أسارير وجهها وحاولت أن تنهض من السرير بيد أن أمها سارعت لتحول دون ذلك .. لم اجد مكاناً أجلس عليه وعوضاً عن دعوتي للجلوس همس شقيقها في وجهي .. ( كتر خيرك مواعيد الزيارة انتهت .. والزيارة من هنا لقدام ممنوعة .. ) قلت له .. جداً .. مرة ثانية كفارة .. ان شاء الله ربنا يواليها بالعافية .. فتح باب الغرفة واشار عليّ لاغادر وصفق الباب من خلفي بحدة وعصبية شديدة .. اصطحبت معي خوفي ولهفتي واشواقي لسحر وأنا انزل الدرج درجة .. درجة في بطء وكآبة لا مثيل لها .. ومنذ تلك اللحظة وأنا لا أزورها إلا في المساء .. وقد أمرت سحر (السستر) المشرفة بمنحي بطاقة زيارة في أي وقت ليل نهار ففعلت .. كنت أمضي معها معظم ساعات المساء أناولها اشياءها الصغيرة كالمجلات ( والمناشف ) وقد احضرت لها جهاز راديو صغير يؤانسها في غيابي بالرغم من وجود جهاز تلفزيون .. واحياناً اساعدها في النهوض لتمشي في ردهات المستوصف وتستند على كتفي وهي تذهب للتواليت وهي تعود إلى سريرها .. وعندما تعود أظل ممسكاً بكفها أطالع عينيها حتى تخلد للنوم فأنسل عائداً إلى منزلنا .. وبقيت على تلك الحالة إلى أن استردت عافيتها وعادت للعمل لنبدأ مشاويرنا التي لا تنقضي .. أحيانآ ندلف إلي هذه الكافتري أو تلك وفي احايين أخرى نمتهن التجوال بشوارع الخرطوم بدون هدف ومن ثمّ نعرج علي المقاول الذي يشرف على تشطيب الشقة الخاصة بسحر والتي لا يعلم أحد من افراد اسرتها حتى تلكم اللحظة بانها قد اشترتها وقد نبهتني بألاّ أخبر أي أحد منهم بذلك .. هذه أسرار يا صالح .. وإذا ما واجهتنا مشكلة في العيش مع والدي ووالدتي بعد الزواج تكون لدينا شقتنا الخاصة بنا أنا وانت .. مثل هذه الملاحظات اكسبتني العافية والثقة بالنفس فمضيت من انجاز إلى انجاز بالنقابة .. إلى أن تعثرت المفاوضات بيننا وبين وزير العمل حول زيادة الاجور وزاد الموقف سوءاً قرار الحكومة بزيادة سعر السكر .. تلك الزيادة التي حولت الشارع إلى بركان يغلي .. فكانت دعوتنا للعاملين بالخروج في مظاهرات عارمة بلغت اوجها عندما قدت أنا وبعض الزملاء مسيرة هادرة انتهت بنا إلى مجلس الوزراء ولم تفلح الحراسات المشددة هناك في أن تحول بيننا وبين اقتحام مباني المجلس لدرجة اننا صعدنا الادراج المؤدية إلى مكتب رئيس الوزراء .. هنا تدخلت الشرطة بقوة ضاربة .. فكت الحصار عن المكتب وألقت القبض علينا لأعود مرة أخرى إلى السجن ..

  28.  
  29. #90
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400


    الحلقة الخامسة والأربعون
    باتت قضية الطفلة ( أريج ) قضية عامة ووجدت تجاوباً من الجمهور لا مثيل له .. وتطوع أكثر من ألف شاب وشابة للبحث عنها .. وكلفت لجنة من اتحادات الطلاب بالجامعات بتنسيق تلك الجهود .. وبدات الحملة بالمدارس يضعون صورها في بوابات الفصول وانتقلت إلى أئمة المساجد وبثت نداءات عبر المآذن لجميع انحاء العاصمة تحث الناس على البحث عن ( أريج ) وابلاغ الشرطة اذا ما عثروا عليها ميتة أو حية .. وقام عدد كبير منهم باستئجار بعض المراكب الشراعية وقاموا بتفتيش شواطئ النيل الازرق والابيض على الجانبين إلى أن حدثت المفاجأة التي اعطت القضية بعداً جديداً .. فقد عثرت مجموعة من الشبان على فردة حذاء لطفلة صغيرة ملقاة على الشاطئ وقد جرفتها الامواج إلى عيدان القصب الكابي فوق الماء ..أخذوا الحذاء على عجل وتوجهوا إلى مكتب المتحري في القضية وسلموها للضابط المسئول .. لم تتأخر الشرطة في استدعاء والدة الطفلة وجدها للتعرف على الحذاء إن كان فعلاً يخصها أم انه يخص طفلة أخرى فقدته وهي تلهو على الشاطئ الرملي العريض .. تهاوت ( بلقيس ) والدة الطفلة على اقرب مقعد والعرق يتصبب منها وهي تضرب خديها وقد انعقد لسانها من هول المفاجأة وأنين خافت ينبعث من بين شفاها .. تحاول أن تقول انه لها .. وأنها ماتت .. لقد غرقت إذن .. يا للفاجعة وتناولت الصحف في ثاني يوم القضية بإسهاب وصورة الأم المكلومة بفقد صغيرتها تحتل مكاناً بارزاً بصدر كل صحيفة .. وكان على الشرطة أن تحول مسار القضية من مجرد البحث عن طفلة مفقودة إلى قضية قتل مع سبق الاصرار والترصد وتبقت تبعات العثور على جثة الطفلة .. انضم كل قادر على السباحة إلى عناصر الدفاع المدنى والغطاسين يفتشون النهر قبالة المكان الذى عثر فيه على فردة الحذاء شبرا شبرا ولكن دون فائدة .. وانطلقت مجموعات اخرى تسال الأهالي المقيمين على القرى المحاذية للنهر شمال الخرطوم وكذلك المزارعين وصائدى الاسماك وكل من يصادفهم من المارة .. وفى ركن ما بقرية صغيرة جلس رجل عجوز يرتق فتوق شباكه استعدادا لرميها فى الماء .. توقفوا عنده .. وسالوه ان كان قد لمح جثة طافية لطفلة غريقة .. كان الرجل لا يسمع جيدا .. وأكثر من عبارة ( قلتو شنو .. ماسامعكم .. ) فاستعان احدهم بلغة الصم واشاراتهم وكان متخصصا فى هذا الضرب من التفاهم.. فقال لهم الرجل بلى .. لقد وجدت جثة لطفلة صغيرة منذ مايقرب الخمسة اشهر ودفنتها تحت تلك الشجرة اعلى الجرف .. تدفنها بدون ان تبلغ الشرطة ؟!.. وأين أجد الشرطة ورجلاى بالكاد تحملاننى حتى ذلك الكوخ حيث اعيش بمفردى على صيد الأسماك .. وانطلق الجميع عائدين الى الخرطوم لابلاغ الشرطة بنبا العثور على الجثة .. فكان لابد من اخذ اذن القاضى المختص بنبش الجثة وإرسال طبيب شرعى لإجراء التشريح ومعرفة أسباب الوفاة .. هذا إن كانت هى الطفلة المعنية بالأمر علي كل حال .. ولم تسمح الشرطة لأمها بالذهاب معهم واصطحبوا عوضآ عنها جدها وأحد أقاربه .. وبمجرد أن ظهر رأس الطفلة من بين حبات الرمل حتى أجهش الرجل بالبكاء فقد كانت من ترقد فى تلك النقطة المنسية من الكون ليست سوي حفيدته أريج ولم تتغير ملامحها كثيرا بفعل الرطوبة ولطبيعة الارض الرملية المطمورة في ثناياها .. وجاء قرار الطبيب الذى قام بالتشريح بأن سبب الوفاة يعود الى (اسفكسيا الخنق) وليس الغرق .. وأن الجانى قد قام بخنق الضحية وبعد أن تأكد من وفاتها قام بإلقائها فى النهر .. إذ لااثر لقطرات الماء داخل الرئتين.

    عاد المستر رتشارد الى منزله بصحبة زوجته جوليا وابنتهما (لوسي) بعد أن أوصلوا شنكل وزوجته سلمى وطفلتهما الجديدة هديل الى مطار(جون . اف .كنيدى ) فى رحلة طويلة ستنقلهم عبر الأطلسى إلى الخرطوم .. شعر بالفراغ الهائل الذى أحدثه غياب شنكل وزوجته وطفلتهما الرائعة .. وأحس وكأن جزءا صغيرا من قلبه سيقتطع منه .. اما جوليا فقد انكفأت على وجهها تبكى ولم تكن طفلتهم الصغيرة أقل تعاسة .. وقد فرح أفراد العائلة الصغيرة بالمولودة الجديدة لا سيما (لوسي ) فكانت تحملها فى حب وحنان تدور بها فى أرجاء حديقة المنزل كلما بكت تلاعبها وتضاحكها الى أن تكف عن البكاء .. وأخبرت زميلاتها بالمدرسة بأنها صارت عمه وهى ماتزال فى التاسعة من عمرها .. فتغيرت معاملة التلميذات بالصف لها وصاروا ينادونها بالعمة ( لوسي ).. أما الحاجة حواء والتى كانت السبب فى هذه الرحلة فقد بكت فى الهاتف عندما أخبروها بقدوم أول حفيدة لها .. فاصّرت على أن تحضر سلمي وزوجها وطفلتهما للسودان فى إجازة قصيرة لتتمكن من رؤيتهما بعد مضى اكثر من عام على فراقهما .. لم يجد المستر رتشارد بدآ من الموافقة وهو الذى تعود على وجودهم معه وزوجته وابنته ولكن بعد ان اقسما له بأنهما لن يغيبا اكثر من شهر واحد .. لايريد ان يخسر الحياة العائلية التى نسجها بدأب وصبر جعلته اكثر استقرارآ وأكثر احساسا بالأمن من زملائه بالمنظمة واصدقائه القدامى .. فتجد كل واحد من هؤلاء .. وهو يشكو الوحدة والعزلة .. يتنقل من احضان فتاة الى اخرى .. فلا ثبات فى العواطف ولا وفاء ومواثيق .. فما أن تجد الواحدة منهن شخصا آخر اكثر ثراءآ و جاذبية حتى تهجره بدون مقدمات .. ويعود الى شقته ليجد وريقة صغيرة مكتوب عليها .. شكرآ على كل الأوقات الحلوة التى أمضيناها معا وأتمنى لك السعادة والتوقيع .. مارغريت او آن وربما كاثرين .. فهذا هو تفكير كل المراهقات الغربيات .. لاترهن الواحدة منهن مصيرها لرجل واحد ولمكان واحد .. حياة ملؤها الصخب والتجوال والهجر .. ولعل هذا مايفسر ظاهرة الانتحار التى باتت شبه يومية .. وعلى الجانب الاخر بذل حربى جهدآ كبيرا للعثور على شقة مفروشة تقضى بها شقيقته سلمى وزوجها شنكل إجازتهما بالخرطوم .. فقد أصبح المنزل مكتظا بالناس لاسيما بعد ان ترك العم صباحى الخدمة بسبب المرض فما كان من (كافو) إلا أن ضمه اليهم بالمنزل يرعاه كأب حقيقى .. والرجل يدعو له بالبركة والحفظ ويعفو عنه (دنيا وآخره ) كلما عاده صباحا ومساء فماذا تراه كان يفعل من دون (كافو ) وقد فقد الاهل والعشيرة .. هل كان سيعيش فى ملجأ للعجزة .. أين ذلك الملجأ ؟!.. ولكن الدنيا لاتزال بخير .. فلن يعدم رجل طعن فى السن من يد حانية تعطف عليه .. بيد أن المسألة بالنسبة لصديقنا (كافو) لم تكن إشفاقا أو عطفا بدون سبب .. فهو قد اتخذه كوالده تماما وأخذ ت العلاقة بينهما منحني جادآ تجذر فى دواخله وهيمن على مشاعره .

    التعديل الأخير تم بواسطة عبدالغني خلف الله ; 14-03-2013 الساعة 08:45 PM
  30.  
  31. #91
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السادسة والأربعون
    تم الافراج عنا بكفالة مالية دفعتها النقابة العامة ونقلنا بحافلة إلى دار نقابة المحامين لنجد مؤتمراً صحفياً كبيرأ بانتظارنا .. صحفيون من خارج البلاد وممثلون لمنظمات أجنبية تعنى بحقوق الانسان وصحافة محلية .. وقد كنت أنا من أجيب على اسئلة الصحفيين بالإنابة عن زملائي الآخرين .. حدثتهم عن ظروف اعتقالنا والأوضاع داخل السجن وقلت لهم بأن الهدف من وراء المظاهرات التي قمنا بتنظيمها هو الدفاع عن حقوق المواطنين بصفة عامة وحقوق الطبقة العاملة بصفة خاصة وبأن الضائقة المعيشية التي تعصف بالجميع في ظل تدني الأجور لا تتحمل أية زيادة في الأسعار لاسيما اذا كانت تلك السلعة تتعلق بغذاء الاطفال والامهات الحوامل مثل سلعة السكر .. وعرجت على قانونية الاجراءات التي قمنا بها وبأنه كان لدينا إذن من السلطات ولم نقم بأي نوع من انواع الشغب .. صحيح أننا اقتحمنا مكتب رئيس الوزراء لنسمعه صوتنا بأنفسنا بعد أن عجزت كل الاقلام المدافعة عن حقوق العمال في اسماع صرختنا لسيادة السيد رئيس الوزراء .. وشهد المؤتمر صحافيون يساندون الائتلاف الحاكم وحاولوا الإيحاء بأن بعض الدوائر الاجنبية هي التي تحركت لإحداث بلبلة في البلاد وعدم استقرار يفضيان بالضرورة إلى تدخل أجنبي .. دافعنا بالطبع عن موقفنا ومن ثمّ أختتم المؤتمر الصحفي ببعض المداخلات من ممثلي منظمات حقوق الانسان وقالوا أنهم يراقبون عن كثب التجربة الديمقراطية الوليدة بالسودان وانهم مشفقون من وأدها عبر أنشطة عمالية مطلبية لا تستصحب معها المشاكل التي يعيشها السودان والظروف الاقليمية المعقدة التي تحيط به .. وقد انتظرت وأنا شبه مذهول ترجمة سؤال وجهته لي مندوبة إحدي الوكالات الأجنبية .. وكانت شقراء فارعة الطول .. سبحت في جغرافيا جسدها المتناسق ولم أدر بم أجيب فطلبت منها إعادة السؤال وكانت تعيده لي في كل مرة بطريقة مختلفة وتمالكت أعصابي وأفقت من تأثيرها الرهيب عليّ وعلى كل الحاضرين داخل القاعة الانيقة واجبتها بكلام هلامي لا يفهم منه أي شيء .. مثل مقتضيات القيادة والتضحيات التي يجب تحملها في سبيل تحقيق الاهداف السامية لجماهير الطبقة العاملة وانني ارفض الاجابة عن بقية السؤال لدواعي المصلحة العامة ..
    لم ترق له الطريقة التي تقابل بها شقيقته سحر صديقة وشريكة في وكالة بيع وشراء العقارات مبارك .. فقد كانت تعامله بحزم وبشكل لا يعطي الانطباع بأنها تعرفه منذ سنين .. وكان مبارك قد ضم إليه ابن الجيران ( عصام ) شقيق سحر واغدق عليه الاموال طمعاً في التقرب من سحر وأسرتها تمهيداً لخطبتها .. ولعل سحر التي تجرعت مرارة الغدر والإذلال من زوجها الأول القادم من احدى زوايا الاسرة بكل ما فيها من ثراء فاحش وكان قد فرض عليها رغم تحفظها على سلوكياته .. فهو سكير عربيد وزير نساء تعرفه كل اوساط الحي .. وكان قد اقسم لعمته والدة سحر بانه قد اقلع عن التدخين وشرب الخمر ولعب القمار وأنه سيضع سحر بين حدقات العيون وسيرعاها كزوج وكفرد من العائلة .. وهكذا جمّلوا لها صورته وبأنه قد تغير كثيراً منذ تعلقه بها .. فوافقت على مضض علّ وعسى .. ولكن ما أن انتهت أيام شهر العسل حتى عاد لسلوكياته القديمة .. يجتمع هو وبطانته كل مساء في حديقة منزلهم يشربون الخمر ويلعبون الميسر وعندما ينفض سامرهم ينهال عليها ضرباً وإهانة .. وبقيت على هذا المنوال ردحاً من الزمن وهي تنتقل من منزل الزوجية غاضبة متمر دة إلى منزل أسرتها فيتدخل الأجاويد من رموز العائلة العريقة فيعيدونها إليه بعد أن يتوسل إليها لترضي وبأنه لن يعود إلى سابق عهده .. ولكن سرعان ما تتملكه نزعة الفوضى والشللية من جديد .. فيعود إلى البيت أواخر المساء وهو مخمور فيسبها ويضربها بسبب أو بدون سبب إلى أن حصلت على الطلاق .. هاهو مبارك الاكثر دهاء وذكاءاَ والذي يكبرها قليلاً يعاود الكّرة معها فما كان منها إلا أن أوقفته عند حده لدى أول محاولة .. استشاط الرجل غضباً فصار يراقب تحركاتها من على البعد ليكتشف انها تغادر منزلها لتعرج على صالح وتاخذه معها يمضيان معاً أجمل الاوقات لتعيده إلى منزله وتؤوب قافلة وشعور رائع بالامتلاء والسعادة يملأ قلبها .. فما كان منه إلا أن اخبر شقيقها بحقيقة ما يحدث بل واصطحبه معه في عربته ليرى بأم عينه شقيقته المترفة سحر وهي تتهافت نحو سائق والدها السابق .. فتربص بها في احدى الامسيات وكان يجلس مع والده ووالدته يتفرجون على التلفاز .. سلمت عليهم وهمت بصعود الدرج نحو غرفتها فاستوقفها بغلظة وهو يسألها أين كنت ومع من ؟ ! .. ارتبكت سحر وقد فاجأها شقيقها بالسؤال في حضرة والديها .. قالت له أنها كانت في زيارة لإحدى زميلاتها بمناسبة خطوبتها .. قال لها انت تكذبين وقد كنت مع حربي .. وتخرجين معه كل يوم .. طلبت منه أن يلحق بها في غرفته إذا كان يريد أن يعرف أين كانت .. حال بينها وبين الدرج وجذبها من شعرها وهو يوجه لها اقذع السباب ويضربها على مسمع ومرأى من والديها .. جن جنون والدتها وهي ترى ابنها وابنتها يصلان إلى هذه المرحلة الخطيرة من التجاذب والملاسنة فولولت وصاحت تطلب النجدة من الجيران .. اما الوالد فقد ألجمته المفاجأة فتسمر في مكانه غير قادر على الحركة .. ركضت سحر نحو غرفتها وارتمت على سريرها تبكي بحرقة وأسى .. لم تنجح نداءات والدتها ووالدها في حثها على فتح باب غرفتها فقد خشى الاثنان على وحيدتهما .. إذ لربما تقدم على إيذاء نفسها .. وعندما يئسا من اقناعها .. تذكرت والدتها شقيقها المحامي إسحق وهي تعلم عمق العلاقة التي تجمع بينهما .. فاتصلت به هاتفياً في تلك الساعة المتأخرة من الليل .. فجاء على عجل ومعه زوجته وعندما تعرفت سحر على صوته فتحت له الباب .. فتحلق الجميع حولها يخففون عليها ما تعرضت له من إهانة وضرب .. واعاد والدها على مسامعها رفضه لأي تقارب مع سائقه السابق حربي .. لأنه غير كفء وغير جدير بها وعليها أن لا تنزلق إلى علاقة كهذه .. قالوا لها أشياء كثيرة ونصائح أكثر .. فاكتفت بالدموع وبالصمت الرهيب تجاوبهم به .

  32.  
  33. #92
    اللجنة الاستشارية
    Array
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    ودمدني / بانت
    المشاركات
    1,705

    مستننك يا حبيب فلازال هناك مساحات لم تُطرق .

  34.  
  35. #93
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    عزيزي عصام ..جمعه مباركه وأشكرك من كل قلبي لهذا التنويه ..إليك ولكل من يتابع هذه الرواية الحلقة السابعة والأربعون مع كل الود .

  36.  
  37. #94
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة السابعة والأربعون
    لم أكن راضيآ عن أدائى فى المؤتمر الصحفى .. وشعرت أننى بحاجة الى مزيد من التعلم .. وكان الاستاذ عامر قد حاضرني اثناء وجودى معه بالسجن فى المرة الثانية عن فن الخطابة وفن الالقاء واساليب التفاوض وحدثنى عن ادبيات القانون الدولى والاتفاقيات الدولية التى وقعها السودان مع الدول المجاورة ومع بقية دول العالم .. كذلك شرح لى تكوينات منظمة الامم المتحدة بما فى ذلك مجلس الامن ومحكمة العدل الدولية والوكالات المتخصصة .. وحتى أكون فى مستوى القيادة التى منحتنى لها القاعدة كان لابد من الاستزادة .. فرحت اجوب المكتبات بالخرطوم طولا وعرضا أقتنى الكتب والمراجع فى شتى ضروب الثقافة وكنت أجد فى كل مكتبة فتاة او أكثر تستقبلنى بكل لطف وأريحية .. فتيات مثقفات .. تلخص لك هذا الكتاب او ذاك وهى تقودك من قسم الى آخر .. هنا قسم التراجم الاجنبية .. لدينا كل كتابات كولن ولسون وماركيز وهنا روايات جديدة لغادة السمان .. وهذا هو قسم المؤلفات السودانية من رواية وشعر وفكر .. هذه مثلا المجموعة الكاملة للطيب صالح .. وهذا آخر ديوان لمصطفى سند وعندنا مؤلفات دكتور عون الشريف ..وعيسي الحلو وكنت استمتع بتلك الحوارات مع تلكم الفتيات الأنيقات وكثيرآ ما سالت نفسى عن العلاقة بين المكتبات والجمال .. ولماذا كل المكتبات بهذا الثراء وهذا التنوع وحتى ارففها تبدو أنيقة ومصقولة .. ووصلت الى قناعة بأن المكتبات وهى تحتضن بين دفتيها خلاصة الفكر الانسانى .. ذلك الفكر الذى سطره أناس رائعون موصوفون بالشفافية والإنسانية لابد ان تكون الفتيات العاملات بها بذات القدر من الرقة والوداعة والجمال .. وكنت أشعر بان أجمل الأوقات التى أمضيها هى هناك لاسيما اذا كانت سحر بجانبي .. نراجع معاً السير الذاتية للكتاب من عرب وعجم واحياناً نقرأ بعض المقاطع الشعرية ونتبادل النظرات .. لقد كانت سحر لوحدها عالماً من الجمال والرقة والحنين .. سحر الرائعة .. أيتها الساحرة الانيقة .. يا من جلست على فناء قلبي تعمقين فيه أخاديد الفرح وتزرعين على حوافه الروعة والسحر .. إذن أنا أقرأ كتاباً جديداً كل يوم .. وكأنني أحاول تعويض ما فاتني في قاعات الدراسة ولم أعد أمياً جاهلاً كما كنت .. وجاءت لحظة الاختبار الحقيقي عندما أعلن عن بدء الحملة الانتخابية لمجلس الشعب .. وكان على نقابات المحامين والمهندسين والاطباء والعاملين بالدولة من عمال وموظفين .. التنافس على خمسة مقاعد .. وتقدم العشرات لترشيح أنفسهم على أسس حزبية .. اما أنا فقد اقنعتني سحر بترشيح نفسي كمستقل استناداً على رصيدي النضالي من أجل الطبقة العاملة لا سيما وأنني قد دخلت السجن لأكثر من مرة دفاعاً عنهم .في البداية اعتقدت أن الأمر لا يعدو عن كونه فورة من الحماس ستنحسر مع مرور الوقت .. ولكن سحر أخذت الأمر محمل الجد .. وانفقت كل ما لديها من أموال في طباعة الملصقات وإيجار (المكرفونات ) للندوات والمنتديات التي نظمناها بالمصالح الحكومية وبالجامعات .. ولقد راق للكثيرين تقديم نفسي على أنني مستقل وأنني لا أعمل لحساب حزب أو جهة وبأن منطلقاتي هي رفع المعاناة عن كاهل الطبقة المسحوقة في المجتمع وتوفير لقمة العيش الكريم والدواء والسكن والتعليم .. وسرعان ما التفت من حولي نخبة من المثقفين وعلى رأسهم الاستاذ إسحق المحامي وآخرون سئموا اطروحات الاحزاب ووعودها التي لا تتنزل علي أرض الواقع .. وكنت أمثل لهم بكل ذاك العنفوان والحماسة التي اخاطبهم بها .. الأمل القادم على اجنحة الثورة السياسية الطالعة .. وضوءاً في آخر النفق السياسي الذي ظل السودان يتخبط في دهاليزه منذ الاستقلال .. ونسيت في خضم هذا الزخم الانتخابي صديقي (شنكل ) وشقيقتي سلمى .. وكنت نادراً ما ألتقيهم .. وقد أعود أواخر المساء وأجدهم يغطون في نوم عميق .. أما الرائعة سحر .. فقد رجوتها بأن لا تصحبني في الليالي السياسية خوفاً من تكرار ما حدث لها عشية عودتها للمنزل متأخرة بعض الشيء وموقف شقيقها ( عصام ) الذي وضعهما على حافة الخصومة الأبدية لولا رقة ونبل سحر .. التي كانت تحرص على تحيته في اقتضاب كلما صادفته وهي داخله للدار أو هي مغادرة .. أما هو فقد كان يتجاهل تحيتها ولا يرد عليها .

  38.  
  39. #95
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    هكذا هى ارادة الله
    يعز من يشاء ويزل من يشاء
    فحربى من بداياته
    وهو فى صعود مستمر
    فقريباً سنسمع عنه رئيس وزراء
    او الرئيس ذاتو

  40.  
  41. #96
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    ولم لا عزيزي محجوب ..لكن تبقي سحر أهم من الوزاره ..مع كل الود

  42.  
  43. #97
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة الثامنة والأربعون
    أحدث اكتشاف جثة الصغيرة أريج ما يشبه الصدمة لكل الناس الذين تابعوا مأساتها وخيم الحزن على نفوس كل المجموعات التي تطوعت للبحث عنها وإعادتها إلى أحضان أمها .. وخصصت بعض الصحف صفحات بأكملها لإستقبال ونشر خطابات المواساة والتعازي لأسرتها .. وتحولت أريج إلى رمز للأحلام الموئودة وخيبات الأمل التي تعصف بالكثيرين وكان مجرد الأمل في أنها لا تزال على قيد الحياة وبأن مسألة العثور عليها لا تعدو أن تكون مسألة وقت سرابآ يخدر به الجميع مخاوفهم من أن تكون قد قتلت بالفعل .. وليس بعيداً عن هذه الاجواء الكئيبة .. توقفت عربة أنيقة أمام بوابة السجن ترجل منها رجل في مقتبل العمر تلوح عليه سيماء الجاه والثراء وكانت مفاجأة غير متوقعة لضباط السجن عندما قدم له نفسه بأنه يمت بصلة القرابة إلى المتهمة ( بطة ) .. وطلب في لطف وتواضع مقابلتها وتسليمها رسالة من شقيقتها بأرض المهجر .. رحب به الضابط ترحيباً حارآ وقد كان يتعاطف مع ( بطة ) تعاطفاً شديداً خاصة بعد أن انقطع الجميع عنها وأحجم عن زيارتها وهو يؤمن بأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته ولو أن ذلك التعاطف قد خبأ قليلاً بعد العثور على جثة ( أريج ) .. جاءت بطة من حبسها الانفرادي بعد أن تحولت التهمة ضدها من مجرد خطف واختطاف إلى جريمة القتل العمد .. وكانت تنوء تحت حمل السلاسل التي قيدوها بها كما تقضي بذلك لوائح السجن .. وبدت متعبة وشاحبة وتلوح عليها علامات البؤس والكآبة .. وعندما أخبروها بأن أحد اقاربها يود مقابلتها وبأنه يحمل لها رسالة من قريب لها خارج السودان .. أصابها نوع من الحيرة والتردد .. ترى من هو هذا الزائر المجهول .. ومن تراه يكون ..؟ ولكنها على كل حال لن تخسر شيئاً بمغادرتها هذه الزنزانة الكئيبة ولو للحظات .. دخلت عليه وهي تقدم رجلاً وتؤخر أخرى وصليل السلاسل يتناهى إلى الأسماع وكأنه لحن جنائزي .. سلمت عليه من على البعد فوقف يرد تحيتها واستأذن ضابط السجن في أن يتركهما لوحدهما لبعض الوقت بيد أن الضابط رفض ذلك الطلب وأصر على أن تتم المقابلة في حضوره .. وطلب من ( بطة ) أن تجلس على كرسي قبالته .. قال لها كلاماً طيباً وهو يواسيها في مصابها ويوصيها بالصبر وأخبرها بموضوع الرسالة التي يحملها لها مع شيء من المال وأدخل يده في جيب سترته ليخرج الرسالة المزعومة ولكنه بدلاً عن ذلك أخرج مسدساً وبدأ يطلق النار تجاهها وهو يردد يا قاتلة يا ملعونة .. إنطلقت الرصاصات الخمسة ولحسن الحظ لم تصبها سوى طلقة واحدة في كتفها الأيمن .. إقتحمت مجموعة من الحراس المكتب عندما سمعت صوت الرصاص وسيطر الضابط والحراس على الرجل وأرسلوا ( بطة ) على عجل للمستشفى لاسعافها من الجرح الذي سببه لها ذلك الطلق الناري وقد تلطخت ثيابها بدماء غزيرة .. كانت واجمة ولم تبد أي نوع من المقاومة .. ولعلها تمنت في تلك اللحظات الغريبة لو أنه اصابها في رأسها لتموت .. تم تسليم الرجل المجهول للشرطة للتحقيق معه بتهمة الشروع في القتل لتكتشف الشرطة أنه والد (أريج) المنفصل منذ سنوات عن والدتها ..سمع بقصتها عبر وسائل الاعلام فاستقل أول طائرة تغادر الخليج ولم يمض على تواجده بالخرطوم سوى يوم واحد فقط تمكن فيه من شراء مسدس غير مرخص وعدد من الطلقات النارية .
    كان خائفاً مذعوراً وكأن الموت يتربص به من كل جانب .. لماذا أنت خائف ومضطرب هكذا يا أخانا .. هل نسيت حتى اسمك بالكامل .. ( في الحقيقة يا جنابو ... دي أول مرة أدخل فيها مركز شرطة أو محكمة .. وعمري لم أشهد في قضية ) .. نحن بشر مثلك لدينا إحساس ونقدر ما تقوم به نحو بسط العدل والأمن في ربوع المجتمع .. أنت حينما تخاف هكذا من وجودك أمام ضابط شرطة نكون نحن قد فشلنا في إرساء علاقات سليمة مع الجمهور ..( ياخي عليك أمان الله .. انت قول بس الحاجة الأنت فعلاً شفتها بدون زيادة أو نقصان .. والقال ليك لو شهدت ناس البوليس بختوك في الحراسة انسان غلطان .. إهدأ وخت الرحمن في بالك .. وخلينا نبدأ من الأول .. قلت لي اسمك بالكامل منو ؟..) ومضى الرجل بعد تجرع كوباً من الماء في الإدلاء بشهادته .. كنت في بقالتي ضحى ذلك اليوم أمارس عملي بالتجارة كالمعتاد .. وفجأة توقفت عربة أجرة أمام البقالة وترجلت منها امرأة في حوالي الثلاثين من العمر … ترتدي ثوباً أخضر وتلبس في يديها مصاغ ذهبية توحي بأنها امرأة ثرية وميسورة الحال واشترت كمية من الشوكولاتة والمثلجات وقد لاحظت أن بداخل العربة طفلة صغيرة في حوالي الثالثة من العمر ترتدي فستاناً أحمر بقيت مع السائق .. أخذت تلك السيدة الحلوى والمثلجات وعادت للعربة لتنطلق مغادرة المكان .. وهل بامكانك التعرف على تلك السيدة إذا عرضت عليك ؟ .. بالطبع يا سيدي فقد كانت قسمات وجهها على قدر من الوسامة والثراء ولاحظت أيضاً أن طريقتها في الكلام لا توحي بأنها قد تلقت شيئاً من التعليم بل أن بعض ألفاظها لا تخلو من الوقاحة والجلافة وتصرفاتها سوقية ومتخلفة وكانت تمضغ ( اللبان ) بطريقة مستفزة ولو أنها وبرغم كل ذلك تلفت الانظار بأناقتها المفرطة وجسدها المتناغم .. وكيف وصلت إلى استنتاجك حول جلافتها وتخلفها ؟ .. نعم يا سيدي .. فقد كانت تنطق اسماء الشوكولاتة بطريقة تختلف عن اسمائها الحقيقية .. كأن تقول مثلاً ( آيس كرين ) بالنون وهي تقصد بالطبع ( آيس كريم ) بالميم وأشياء من هذا القبيل .. مثل ماذا ؟ .. مثلاً سألتني إ ن كانت السينما الواقعة قبالة البقالة تعمل اثناء ساعات النهار وقد نطقتها هكذا ( السيلما ) أخذت وأعطيت معها بالكلام .. هذا ما حدث فعلاً .. نحن نشكرك على هذه الإفادة … سنرتب لطابور تعرف على الاشخاص وسوف تكون المتهمة ضمن مجموعة من السيدات وعليك التعرف عليها ثلاث مرات .. هذا باختصار مضمون طابور التعرف على الاشخاص .. أنا جاهز جنابك واتمنى أن أوفق .. وإحساسي بحجم الجريمة المرتكبة سيجعلني أركز أكثر فأكثر .. لقد كانت طفلة رائعة الجمال وقد لاحظت شقاوتها وحيويتها لدرجة أنها أخرجت ثلاثة أرباع جسدها خارج العربة عبر نافذة الباب الخلفي .. فانتهرتها تلك السيدة وامرتها بأن تبقي هادئة ومؤدبة حتى لا تسقط .. هكذا إذن يا بطة .. قد نحتاج لبعض الوقت حتى يتم شفاؤك من الجرح الذي أصابك به ذلك الأب المفجوع .. لقد كاد أن يطمس كل معالم القضية فيما لو تسبب في قتلك .. ولكن من هو ذلك السائق وما دوره في الجريمة المرتكبة .. لابد من العثور عليه .. لو أن ذلك الشاهد حفظ رقم السيارة لوفر علينا الكثير من الوقت ولكن لا بأس سنبحث عنه وسنجده ان شاء الله

  44.  
  45. #98
    رحمة الله عليه Array الصورة الرمزية mahagoub
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    11,330

    وانفتح باب الامل لبطه
    وننساق وراء الاحداث
    لعلنا نصل الى النهاية السعيده
    ولا ندرى اهى مع سحر ام مع بطه
    ام يظهر لنا منافس جديد

  46.  
  47. #99
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    عزيزي محجوب ..كنت قد فكرت في التوقف عن السرد حرصاً علي وقت أسرة المنتدي ..وها أنت تشجعني علي الاستمرار ..ممتن لك بشكل لا يوصف ولكل من يتابع هذا النص المطول نوعاً ما ..فإلي الحلقة التاسعة والأربعون مع كل الود .

  48.  
  49. #100
    عضو مميز
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2012
    المشاركات
    400

    الحلقة التاسعة والأربعون
    لم يجد شنكل صعوبة تذكر في الوصول إلى منزل جده وجدته .. فقد كان وجدي معروفاً بالحي .. لذلك ما أن سأل أول سيدة بالقرب من المنزل حتى قادته إليه وهي تردد ( سبحان الله .. سبحان الله .. ) هل يكون إبنه؟ تساءلت تلك السيدة بينها وبين نفسها .. ولكن وجدي غير متزوج .. وهذا الفتى كأنه هو .. استقبلته عمته ماريا لدى باب الدار ورجته بالدخول وشكرت قريبتها تلك على توصيله لهم وهمست في أذنها وهي تغادر ( ما لاحظت حاجة ؟ ! .. حاجة زي شنو يعني ؟! ) بيد أن المرأة تلك ذهبت لحال سبيلها .. إتفضل .. والدي لم يعد بعد ولا يوجد أحد سواي ووالدتي .. البقية في حياتكم .. قال لها .. حياتك الباقية .. قالت له ذلك وهي تترنح من حجم المفاجأة .. إنه الغالي وجدي .. كأنه هو ..هل بإمكاني مقابلة والدتك فعندي بعض الوصايا رجاني المرحوم وجدي تسليمها لها .. طبعاً .. لحظة من فضلك .. كانت نائمة لحظة وصول شنكل أو أنها تتظاهر بالنوم … فمنذ أن بلغها نبأ وفاة إبنها بأمريكا وهي تتفادى الناس والأشياء .. وحتى أقرب الأقربين لها .. وكأن الهروب وسيلة تداري به أحزانها .. لطالما تمنت لو أنه تزوج جوليا بنت الجيران الفتاة الطيبة الجميلة والموظفة المرموقة بالمنظمة التي يعمل بها .. وهي تعرف أسرتها فرداً فرداً .. كيف لا … وقد قاسمتهم الحلو والمر… وكانت كل أسرة تفتح قلبها وبيوتها لدى أي طارئ سعيداً كان أم حزيناً للأخري .. يااه عشرة عمر .. وحاولت أن تتظاهر بالنوم كعادتها .. ولكن ابنتها قالت لها في حزم .. هناك ضيف قادم من امريكا وعنده وصايا من المرحوم .. هنا قفزت من سريرها واعتدلت في جلستها وهي تفرك عينيها .. خليه اتفضل .. لقد فرحت عمته بوصول هذا الضيف المحيّر فهو لابد سيحمل معه بعض المال الذي هم في أمس الحاجة إليه فقد ساءت أحوالهم المالية بشكل مرعب .. ولم يعد الوالد قادراً على العمل في دكانته بسوق الخرطوم لاسيما والكساد الاقتصادي قد ألقى بظلاله على الجميع ... وراحت تتخيل حجم المبلغ … عشرة ألف دولار ؟‍.. لا هذا كثير .. خمسة ألف دولار تكفي لمقابلة الديون المستحقة لصاحب السوبر ماركت ولتسديد فواتير الماء والكهرباء ولصيانة العربة المتوقفة منذ شهور .. السلام عليكم يا جدة … البركة فيكم .. البركة فيك يا ولدي .. قالت ذلك وهي تسبل غطاءها على وجهها كعادة السيدات الكبار .. عادة قديمة تتمسك بها هؤلاء السيدات المسنات برغم الحداثة والتكنلوجيا وكل مظاهر الحياة العصرية التي يعيشها الاولاد والبنات ولكن في صوت هذا القادم من عند ولدها شيئاً من صوت وجدي .. يا إلهي .. كأنني اسمع صوت وجدي وقد بعث من جديد .. السيدة العجوز وهي تحدث نفسها .. سوف أتفرس في وجه هذا الشاب .. يا الهي كم يشبه صوته صوت الغالي وجدي .. وما أن رفعت رأسها تتأمله حتى شهقت وراحت في شبه غيبوبة .. وجدي ولدي .. ولدي وجدي ..( ما قالوا مت يا ود حشاي … قالوا مت .. الكضابين .. المابخافوا من ربنا ..) انا لست وجدي ياخالة .. والله أنا لست وجدي .. هنا تدخلت عمته المذهولة هي الأخري بالشبه الشديد بينهما والله يا ماما ده ما وجدي .. أنت شبهتيهو وبس.. تعال لي يا ولدي .. تعال جنبي هنا في السرير .. تقدم شنكل وجلس إلى جانبها ورفع يدها يقبلها وهو يتمتم .. يا حبيبتي يا يما … وانهمرت الدموع مدرارة من عينيه .. فأخذته إليها تضمه وتقبلّه وتشمه وهي تردد أنت منو يا ولدي ؟‍ .. أنت منو يا ود مصاريني .. انا ريمون ووجدي أبوي .. إنت ولد وجدي ..؟ .. إزداد العناق والبكاء حرارة .. وانضمت لهما ماريا لتنتزعه من بين أحضان أمها وتضمه إليها وهي في شبه هستريا .. أحياناً تضحك وأحياناً تبكي ورويداً رويداً هدأت الخواطر وعاد الشيخ المتعب لينضم إلى الجميع وهو غير مصدق .. ولولا الشبه الشديد بينهما لتصور أنه في حلم جميل سرعان ما تبدده اليقظة .. وقال لهم .. تزوج أبي المرحوم وجدي من والدتي الايطالية في بداية عمله بروما ولكنهما افترقا بعد أن انجباني وعشت كل هذه السنين مع والدتي .. وقبل عامين لحقت بوالدي بنيويورك .. ولكنك تتكلم اللغة العربية بطلاقة وبلهجة سودانية .. لقد حرصت والدتي أستاذة اللغات على تعليمي لها وقد كنت أؤثر الاختلاط بأبناء الجالية السودانية في روما بعد أن فهمت من والدتي أن والدي من أصل سوداني .. لم تتابع الجدة المنتشية باكتشاف حفيدها بقية الحكاية وظلت تردد في تتابع يثير الاعصاب ( الله يسامحك يا وجدي .. عندك ولد عايش على وش الدنيا وما تقوليش .. )
    وقبيل مغادرته لهم أخرج من حقيبته مبلغ مائة ألف دولار ومعها الاوراق التي تثبت دخولها للبلاد بصفة رسمية .. ودسهما في يد جده الذي أذهلته المفاجاة .. مائة ألف دولار ؟‍ .. نعم وهذه عشرة ألف دولار هدية مني لكما .. والآن علىّ أن اذهب .. تذهب إلى أين ؟‍ .. والله لن تغادر هذا البيت شبراً واحداً .. ستبقى معنا وستمضي الليل هنا .. هذا بيتك يا ولدي وأنا أمك وهذا أبوك .. هل ستحرمنا منك كما حرمنا من ولدنا الغالي وجدي .. لا بل سأبقى يا جدة وسأقضي الليل معكم .. ومن ثمّ جلس إلى جانبها يؤانسها ويدعك يديها وأرجلها حتى نامت وهي قريرة العين .. مرتاحة الخاطر .. واستأذن من جده الانصراف على أمل أن يعود لهما قبل أن يقفل عائداً إلى نيويورك .

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid