الحلقة الثامنة والثلاثون
عكفنا أنا و (مها) في استخراج بطاقات عضوية بالنقابة لجميع العمال والموظفين .. وقد أظهرت براعة في الرصد واستخراج المعلومات لا عهد لي بها طبعاً .. وقبل الانتهاء من العملية تعمدت ملامسة يدها أكثر من مرة على أمل ان تستجيب لي .. بيد أنها كانت تسحب يدها وترمقني بنظرة هي مزيج من التوبيخ والعتاب لكنها لا تشكل قاعدة للرفض .. لذلك قررت ان أحلق في أفق عينيها كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً .. فعندما أسألها أتباطأ في السؤال وعندما تجيبني أتظاهر بعدم الفهم .. فيصيبها نوع من التململ اللذيذ .. واحياناً توجه بعض العبارات التي لا يتم تبادلها إلا بين الاصدقاء …( يا خي حاول أفهم .. أنا ما عارفة الرماني في البلاوي دي شنو ؟!) وعندما ابدو وكأنني غضبت فعلاً من ملاحظاتها تغادر المكتب إلى البوفيه وتعود وبيدها كوب عصير تقدمه لي وهي توشوشني بهمس رقيق فيه شئ من الاعتذار .. وكنت استمتع بمشاكساتها تلك وأشعر انها تقربناً من بعضنا البعض أكثر فأكثر .. وقبل أن ننجز مهمتنا قالت لي ( شريط سلمي أختك رهيب .. عجبك ؟؟ طبعاً وكل صديقاتي نسخوا منه واليوم سمعته في مسجل الحافلة التي وصلت عليها للشغل .. معقول ؟! ).. سلمى الرائعة تستاهل كل خير .. وقد كانت خير معين لزوجها شنكل بعد ان عاد من المستشفى .. قالت لي عبر الهاتف .. لقد كان في حالة يرثى لها .. حاولت اقناعه بأن ليس كل من وضع بذرة في رحم إمرأة هو بالضرورة أب .. وإنما الاب هو الذي يربي ويسهر الليالي لمجرد اصابة طفله بنوبة برد خفيفة .. أما (جوليا) فقد اغلقت على نفسها الغرفة يوماً كاملاً .. لعلها كانت تراجع مشوارها مع ذاك الرجل الذي اصبح الآن بين يدي الله .. فهل ستحقد عليه وهو تحت التراب .. أما المستر رتشارد الذي وجد نفسه أباً لأكثر من فرد .. ابنته الرائعة (لوسيانا ) وشنكل ابنه بالتبني الذي يكن حباً عميقاً لاخته ب .. وكذلك سلمى التي كانت تناديه دائماً بكلمة (father) ولا تناديه باسمه وتجهد في ترتيب احتياجاته واحتياجات زوجته وابنته .. اها .. سرحت وين ؟ مها وقد اخرجتني من تأملاتي .. تعيسة وسيئة الحظ تلك التي استحوذت على تفكيرك .. قالت مها ذلك مازحة .. أبداً ؟؟ كنت أفكر في كلام سلمى .. اتصلت من نيويورك ؟! أيوه .. امبارح الساعة عشرة بالليل .. طيب خلينا في المفيد .. هنالك يا سيدي مائة وثلاثة وثلاثون عامل وموظف خارج السجل الوظيفي .. وكيف ذلك .. لأنهم ببساطة عمال وموظفون مؤقتون .. اتخيل ثلاثة سنين وهم بهذه الحالة .. اخذت الكشف وتوجهت إلى مكتب السيد المدير الذي قابلني ببرود شديد بعد الإنذار الذي أصدرته النقابة بالدخول في إضراب بنهاية الاسبوع .. قلت له .. لقد نجحت في إقناع الزملاء بمنحك فرصة شهر على شرط ان تقوم بتثبيت هذه القائمة في الوظائف .. ولكن هذا يتطلب وقتاً كبيراً شهر فقط يا سيادة المدير .. شهر فقط .
عادت بطة إلى احضان المعلم الكيك بعد ان فشلت في زواجها من ذلك الثري العجوز .. وقد قالت لي في آخر لقاء معها بأن كبرى بنات زوجها المطلقة والتي تقيم وابنتها ذات الثلاثة اعوام معهم في المنزل قد أحالت حياتها إلى جحيم لا يطاق وكيف انها تغتنم فرصة مغادرة والدها لمتجره فتذيقها صنوف العذاب .. كانت مثلاً ترمي فوق رأسها إمعاء الفراخ عندما تلمحها تمر تحت البلكونة اذ تقيم في الطابق الاول وتقيم بطة مع زوجها في الطابق الارضي .. تقوم برمي بقايا امعاء الفراخ فوق رأسها .. وكيف أنها في إحدى المرات دلقت الطعام فوق رأسها .. وكانت تتعمد قطع الكهرباء عنها عبر مفاتيح الكهرباء الموجودة في أعلى المنزل وعندما تحتج على تصرفاتها تلك تخبرها بأن الكهرباء مقطوعة أو انها لم ترها وهي تمر تحت البلكونة واحياناً تثور في وجهها وتصفها بالمخادعة والافعى و العقرب التي ضحكت على والدها وتزوجته من أجل ثروته .. إذن لقد عادت بطة إلى المعلم الكيك وقد اخبرني بذلك كافولة وقد التقي أحد الصبية الذين كانوا يتعاملون في بيع قطع الغيار المسروقة صدفة .. قال له ( صاحبتكم ديك ساكنة سكنه مع المعلم الكيك ..) ومن ثمّ قص عليه كيف انها تحضر بعربة تاكسي كل يوم تقريباً وهي تحمل ما لذّ وطاب من الطعام بدعوى حمله لشقيقتها المريضة بالمستشفى .. من قال لك مثل هذا الكلام .. والأسوأ انها تمضي سحابة اليوم كلها مع المعلم الكيك وشلته يلعبون الورق ويدخنون الحشيش وبطة ترقص لهم وهي شبه عارية .. بطة تعمل كل هذا ..؟ ويحضر لها سائق التاكسي في الثانية ظهراً كل مرة ليعيدها إلى منزلها وهكذا بصفة يومية تقريباً ..( يا خسارة يا بطة ..) لا بد وقد يئست من استعادتي هذه المرة فلجات إلى مثل هذه التصرفات البائسة .. لقد قالت لك انها لا تحب زوجها وانها قد احبتك انت وانتهي الأمر .. هذه سيدة غريبة الاطوار .. ضائعة منفلتة والسبب انها لا تنتمي إلى أسرة حقيقية .. لو أن لديها ذرة من الكرامة أو ضمير لحافظت على سمعتها وسمعة زوجها .. لابد أن المسكين وقد وقع في حبائلها عاجز تماماً عن السيطرة عليها .. تأسفنا على ما آلت عليه وعدنا لموضوعنا الاصلي وهو الاعداد لحفل زفاف شقيقتي منه .. ولن يكون زواج (نادية) كزواج شقيقتي سلمى الذي تم في ظروف استثنائية أملتها حرص (جوليا) والدة (شنكل) صديقي على ان تمضي خطتها في اصطحاب ابنها وزوجته معها إلى امريكا دون عوائق .. ولأن سيرة نادية اصبحت على كل لسان بالحي.. الكل يتحدث عن دماثة اخلاقها وتفانيها في خدمة اهل الحي لا سيما المرضى منهم .. لذلك تحولت اجراءات الاستعداد للعرس إلى ما يشبه الملحمة .. فأنت تجد نسوة الحي وقد تجمعن في فناء دارنا يجهزن الخضروات من تقطيع للبصل وسحن للبهارات وقد انهمك بعض الشبان في طلاء المنزل من الداخل والخارج وكانت ثلة منهم تجلس أمام منزلنا مساء كل يوم على كراسي وبعضهم على الارض يشربون الشاي باللبن ويتبادلون الحكايات والنكات .. وهم يستمعون إلى شريط (نادية) .. الشريط الذي ارسلته شقيقتي سلمي من نيويورك بمناسبة زواجها من كافوله والذي انتشر كما تنتشر النار في الهشيم .. فانت تسمعه في الحافلات واكشاك الليمون و بالكافتريات .. وحتى داخل الأسر .. صوت رخيم وأغاني تدعو للحماسة والقيم النبيلة .. فماذا بعد ..انها الرائعة سلمى عويضة .
المفضلات