مفهوم غسل المال الحرامرافق قيام الجريمة المنظمة وانتشار عصابات الإجرام قيام نشاطات اقتصادية واسعة غير مشروعة من قبل هذه العصابات، حيث تحصل هذه العصابات على أموال طائلة عن طريق نشاطاتها الإجرامية.ولما كان كسب المال عن طريق النشاط الإجرامي محظورًا، فإن الدولة التي يقع فيها مثل هذا الأمر تلجأ إلى محاربة العصابات الإجرامية ومطاردتها لمنعها من الاستمرار في ممارسة أعمالها الإجرامية. ولكي تفلت هذه العصابات من هذه المطاردات، خاصة تلك المطاردات التي تتمكن الدولة من خلالها بالاستيلاء على أموال هذه العصابات، وتجميد أرصدتها، فإنها تلجأ إلى نقل أموالها المكتسبة من مصادر حرام، من أماكن اكتسابها وحيازتها، إلى أماكن أخرى خارج الدولة، حيث يتم توظيف هذه الأموال في مشاريع إنتاجية ومرافق اقتصادية، دون أن تعلم الدولة التي دخلتها هذه الأموال أن هذه الأموال مصدرها حرام أو مخالف للقانون، حيث إن العنصر الأساسي في هذه العملية هو إخفاء مصدر هذا المال الذي دخل في مشروع اقتصادي، ولذلك تُعرَّف عملية تبييض المال الحرام أو غسيل المال القذر بأنها: "عملية من شأنها إخفاء المصدر غير المشروع الذي منه الأموال".ولما كانت هذه العملية تقوم على السرية المطلقة، فإن عصابات الإجرام وجدت في المصارف المكان الأنسب للقيام بعمليات تبييض المال الحرام وغسيله؛ نظرًا لما تتمتع به المصارف من حرص دائم على السرية الكاملة فيما يخص الودائع التي تدخل إلى خزانتها، وترفض تقديم كشف حساب أو إظهار رقم لرصيد المتعامل معها، وهذا بدوره شجَّع عصابات الإجرام على وضع مثل هذه الأموال في مصارف عالمية على شكل ودائع ادخارية تحقق أرباحًا بفوائد ثابتة.فكأن هذا المال الآتي من مصدر غير مشروع إذا أُدخل في عمل يُقِرُّه القانون ويأذن به تحوَّل من مال حرام قذر إلى مال نظيف، كالثوب المتسخ الذي يحمل القذر إذا وُضع في الماء النظيف أصبح نظيفًا وزال عنه القذر، ولهذا أطلق الاقتصاديون على هذه الظاهرة اسم تبييض المال الحرام أو غسيل المال القذر.مصادر المال الحرام الذي يخضع للتبييض:من الحقائق المسلمة في الدول التي ينتشر فيها كسب المال بطريق غير مشروع أن هناك نسبة كبيرة من الأموال التي تخضع لعملية الغسل والتبييض بعد حيازتها من طريق يحظره القانون تأتي عن طريق الاتجار غير المشروع في العقاقير المخدرة على المستوى العالمي؛ نظرًا لما تُدِرّه هذه التجارة من ملايين الدولارات سنويًّا تذهب كلها إلى جيوب قادة العصابات الإجرامية، وقد وجدت عصابات الإجرام المنظم أن في هذه التجارة إكسير الحياة لمؤسساتها الإجرامية، حيث أصبح هذا النشاط الآثم قاسمًا مشتركًا بين مؤسسات الجريمة المنظمة، وهو ما أدى إلى قيام تحالفات إستراتيجية بين هذه المؤسسات الإجرامية على نطاق واسع في الدول التي تشتهر بعمليات تبييض المال الحرام: كروسيا، وإيطاليا، والدانمارك، وتركيا.وتبييض الأموال غير المشروعة لا يشمل الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات والعقاقير المحرمة فحسب، بل يمتد ليشمل عائدات الجريمة كلها، ومنها الأموال الناتجة عن الجرائم الخطيرة، مثل جرائم السطو، والاختلاس، والابتزاز، والخطف، وسرقة الآثار والمقتنيات الفنية، وعمليات التزوير الواسع النطاق للنقود والعملات، وكذلك تشمل عمليات تبييض المال الحرام الأموال المحرمة التي تنشأ عن جرائم الدعارة، والفجور، والميسر.حيث تشير التقديرات إلى أن نصف مجموع هذه العمليات مصدره تجارة المخدرات غير المشروعة، أما النصف الآخر فمصادره متعددة ومتنوعة، مثل: أعمال الاحتيال والتزوير، وسرقة السيارات، وما شابه ذلك.كما أن تهريب الأسلحة يعتبر مصدرًا مهمًّا للحصول على المال الحرام، فإذا تم جمع هذه الأعمال الإجرامية، فإنها تشكل في النهاية فئة كبيرة من النشاطات التي ينشأ عنها المال الحرام.كمية المال الحرام التي تُغسل في العالم:أصبحت عوائد المال الحرام تشكل عبئًا ثقيلاً على الدول، وأصبحت الدول تنظر إلى العمليات التي يتم من خلالها تبييض المال الحرام على أنها من المحظورات القانونية والاقتصادية التي ينبغي ملاحقتها ومنعها.ومما تعترف به الدول في هذا الموضوع أيضًا صعوبة تقدير الكمية الحقيقية للأموال الحرام التي تخضع لعمليات التبييض والغسل؛ لأن هذا من قبيل العمل الإجرامي، والعمل الإجرامي لا ينجح إلى إذا كان سريًّا مستترًا بعيدًا عن المراقبة، وبعيدًا عن أعين الناس.فعلى الرغم من التنسيق المتزايد بين الأجهزة السرية في العالم التي تختص في مكافحة الجريمة والمجرمين، فإن هذه الأجهزة لا تملك خريطة كاملة عن حركة الأموال القذرة التي يعتقد أنها تمثل أرقامًا خيالية، حيث أُعلن في آخر مؤتمر لمكافحة الجريمة المنظمة في العالم الذي عقد في فيينا عاصمة النمسا أن "المافيا" الإيطالية تحصل على أرباح تزيد عن ثلاثمائة مليار دولار من بيع المخدرات. وهناك إحصائيات وتقديرات أولية تشير إلى أن حجم الأموال القذرة التي تخضع لعملية الغسل يقدر بمائة مليار دولار داخل الواليات المتحدة الأمريكية، وثلاثمائة مليار دولار في مختلف أنحاء العالم. ويقدر خبراء اقتصاديون آخرون أن كمية المال القذر المتداول الآن في العالم يبلغ حوالي ستمائة مليار دولار.وبتقدير الخبراء الاقتصاديين، فإن هذه الأرقام تعني أن دخل الجريمة المنظمة يشكِّل أكثر من ثلث الناتج القومي لكل دول العالم، حيث يستخدم جزء من هذا الدخل في التأثير على ضعاف النفوس من العاملين في أجهزة مكافحة الجريمة، وفي تسهيل القيام بالعمليات الإجرامية من خلال إغلاق العيون وصم الآذان بعد ملء الأفواه بالنقود. كما تستغل هذه الأموال في إظهار كبار المجرمين في بعض الأحيان بمظهر الأبرياء الذين يقدمون العون والهبات لدور العلم والعبادة والعلاج وملاجئ الأيتام وكبار السن.......إن هذا المال مصدره حرام، فلا يجوز للمسلمين أن يقبلوا به أو أن ينتفعوا به ما دام أنه من كسب حرام، وما دام أنه من مصدر لا يقره الإسلام ولا يقبل به .منقوووووول
المفضلات