سباق ياباني أميركي لإطلاق أسرع القطارات
"الرصاصة" ثورة جديدة في عالم النقل البري
عدنان عضيمة:الأتحاد
يعتبر الأول من يوليو الماضي يوماً مشهوداً بالنسبة لليابانيين الذين عرف عنهم التفوق في ضروب الابتكار والإبداع التكنولوجي. ففي هذا اليوم شهدوا، وشهد معهم العالم أجمع، إطلاق أسرع قطار في العالم تحت اسم (القطار الرصاصة إن 700) حين كسر حاجز الـ 300 كيلومتر في الساعة. وبالرغم من أن الأجدر بالفوز بهذا اللقب هو القطار الفرنسي الجديد (تي جي في) الذي تم تجريبه على مرأى من رجال الصحافة والخبراء، إلا أنه لم يوضع قيد الخدمة بحيث يسير بتلك السرعات الاستعراضية.
و(القطار الرصاصة) هو أول قطار في العالم يتم تجهيزه بنظام بالغ الأهمية يدعى (نظام التحكم بالانعطاف بقوة المضاغط الهوائية) والذي يسمح لجسم القطار كله بالدوران على المنعطفات الحادة من دون الحاجة للإبطاء. ويتميز أيضاً بالفواصل البنائية بين عرباته، وهي عبارة عن صفائح بلاستيكية مرنة تستر الفراغات الفاصلة بين كل عربة والتي تليها مما يعطي القطار برمته شكلاً انسيابياً متصلاً لا انقطاع فيه، ويمنع الدوّامات الهوائية التي تنشأ عادة من مقاومة الهواء المتسرّب إلى الفراغات الفاصلة بين العربات. ويضاف إلى كل ذلك أن القطار الجديد يتميز بالركوب الهادىء الخالي من الضجيج، ويستهلك من الطاقة الكهربائية أقل بنحو 19 بالمئة من استهلاك بقية أنواع القطارات السريعة. ويضاف إلى ذلك التسارع العالي، حيث يزيد تسارع (القطار الرصاصة إن 700) بمعدل 30 بالمئة عن نسخته الأقدم حيث يمكنه بلوغ سرعة 100 كيلومتر في الساعة بعد الانطلاق بـ37 ثانية؛ وهذا يُعدّ إنجازاً عظيماً بالنسبة لجسم هائل الحجم يبلغ وزنه 700 طن.
وأمام الحاجة المتزايدة التي شعر بها الأميركيون لترقية وتطوير صناعة النقل بالسكك الحديدية خلال السنوات القليلة الماضية التي شهدت طفرة اقتصادية شاملة، فلقد عمدوا لبناء قطار وصفه الخبراء بأنه يمثل ثورة كاملة في عالم النقل البرّي. وأطلقت عليه مجلة (بوبيلار ميكانيكس) اسم (آلة المستقبل) لأن في وسعه أن ينقل عشرات الآلاف الأطنان من البضائع دفعة واحدة على طول سكك خاصة يمكنها أن تتحمل وزنه الكبير. وهو موجّه بالكمبيوتر بحيث لا يبقى أمام سائقه إلا مهمة المراقبة من دون الحاجة للتدخل في تغيير مساره عند المنعطفات أو تقاطعات السكك. ويتولى نظام تحديد الموضع الذي يعمل بالاتصال مع الأقمار الاصطناعية إرسال الإشارات المستمرة إلى محطة المراقبة حول مكانه وسرعته في أي لحظة. والقطار مدفوع بمحرك جبّار جديد تماماً وصف بأنه يرسي معايير جديدة وغير مسبوقة من حيث الفعالية وانخفاض معدل استهلاك الوقود.
ويتم بناء القطار الأميركي العملاق تحت سقف مركب ضخم تبلغ مساحته 3,8 مليون قدم مربع (380 ألف متر مربع) تابع لشركة جنرال إلكتريك بولاية بنسلفينيا ويعمل فيه مئات المهندسين والكهربائيين والمتخصصين بتركيب وفحص التجهيزات والأدوات. وتعد القاطرة ''إفوليوشن'' المتخصصة بدفع القطار الأقوى في تاريخ القاطرات، وهي مصممة بحيث تستجيب للشروط العالمية لحماية البيئة من حيث انخفاض معدل انبعاث الغازات الضارة منها، وتتضمن محركاً ضخماً يتألف من 12 أسطوانة.
ويقول الخبراء إن المحرك الجديد سوف يستهلك من الوقود خلال فترة عمله كلها أقل بنحو 800 ألف لتر من المحركات التي سبقته بالرغم من أنه أقوى منها جميعاً. ويعمل المهندسون على ابتكار نظام هجين مساعد يسمح بالاستفادة من طاقة الكبح الضائعة بعد تحويلها إلى طاقة كهربائية. وعندما راح المحللون يتابعون هذا السباق المحتدم لبناء القطارات الضخمة، خرجوا من ذلك بالنتيجة التي تفيد بأن عصر القطارات آتٍ؛ وهم لا يشكون في أن القطارات العملاقة يمكن أن تكون الوسيلة العملية المقبلة لنقل المسافرين والبضائع؛ فهي قادرة على الانطلاق باستخدام خطوط الطاقة الكهربائية، وتعد أكثر أماناً من الطائرات، وطاقتها في التحميل والتفريغ أكبر من طاقة السفن.
ويذكر المؤرخون أن الحركة التنموية في الولايات المتحدة كانت دائماً رديفة التطورات التي تطرأ في مجال النقل بالسكك الحديدية. ومع حلول عقد السبعينات من القرن الماضي، بدا وكأن هذه الصناعة بدأت تشهد مراحل انهيارها وتقوضها، ولكنها عادت اليوم إلى واجهة الأحداث وباتت تشهد تطوراً ثورياً حقيقياً. ويقول جراي وولف صاحب شركة تعنى بتحليل حوادث المرور في الطرق العادية والسكك الحديدية: ''لقد شهدت صناعة النقل بالقطارات تطورات ابتكارية ضخمة دون أن يلاحظها الناس''. ومن هذه التطورات أن النقل بالسكك الحديدية أصبح من القطاعات التي يتحكم فيها الكمبيوتر بشكل كامل تقريباً، كما شهدت تطورات كبيرة من حيث زيادة الفعالية الميكانيكية للقاطرات. وتذكر إحصائيات حديثة أن نحو 42 بالمئة من صناعة النقل في الولايات المتحدة تتم عن طريق السكك الحديدية، وأن مليارات الأطنان من البضائع يتم نقلها كل يوم بواسطة القطارات.
المفضلات