صفحة 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 25 من 84

الموضوع: موسم الهجره إلي الشمال

     
  1. #1
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890

    موسم الهجره إلي الشمال

    نص كامل مكتوب لرواية موسم الهجرة إلى الشمال ـ الطيب صالح









    إخواني وأخواتي

    يطيب لي أن أقوم بوضع هذه الرواية العالمية الجميلة
    لأديبنا العالمي الراحل المقيم / الطيب صالح
    حيث أنني قمت بإعادة طباعتها ووضها بعد ذلك
    في هذا البوست كنص مكتوب ، حيث أن جميع النسخ الموجودة على الشبكة العنكبوتية
    كلها من الملفات الصورية الـ PDF حيث أن بعض من الاخوة الأعضاء يجدون صعوبة
    في تحميلها وأن بعض المنتديات تلزمك بضرورة التسجيل في المنتدى قبل تحميل الرواية
    ويعاني أيضاً الأعضاء بعد التحميل من تشفير البيانات لإكمال التحميل ، هذا بالإضافة
    إلى أنها غير واضحة ومن الطبعات القديمة .
    آمل أن يستفيد منها الجميع






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  2.  
  3. #2
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890






    نبذة عن الأديب والروائي العالمي الراحل الطيب صالح


    الطيب صالح أديب سوداني فهو أحد أشهر الأدباء العرب . ولد عام (1348هـ ـ 1929م) بقرية كرمكول بالقرب من قرية دبة الفقراء في منطقة مروي بالولاية الشمالية وينتسب لقبيلة الركابية ، عاش مطلع حياته (مرحلة الطفولة) في منطقة كرمكول وانتقل في شبابه إلى العاصمة الخرطوم لإكمال دراسته ، حصل على درجة البكالوريوس في العلوم . سافر إلى بريطانيا لمواصلة دراساته العليا ، حيث قام بتغيير تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية .
    تنقل الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية ، عمل الطيب صالح لسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية ، وترقى فيها حتى وصل إلى منصب مدير قاسم الدراما ، وبعد استقالته من البي بي سي عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية ، ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة الإعلام القطرية وكيلاً ومشرفاً على أجهزة الإعلام . عمل بعد ذلك مديراً إقليمياً لمنظمة (اليونيسكو) في باريس ، وعمل ممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي أيضاً ، ويمكن القول أن حالة الترحال والتنقل بين بلدان العالم التي عاشها أديبنا الراحل أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم وفضلاً عن ذلك أحوال شعبه وبلاده وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايته التي نحن بصددها اليوم (موسم الهجرة إلى الشمال) والتي تم نشرها في أواخر الستينات من القرن الماضي في بيروت وتعتبر من بين أفضل مائة رواية في العالم للقرن العشرين واعتبرت أفضل رواية عربية في القرن العشرين وذلك بالأكاديمية العربية في دمشق ، وحصلت على العديد من الجوائز العالمية حيث تم تتويجه بلقب (عبقري الأدب العربي) في العام 2001م .
    حيث أنه قام بكتابة العديد من الروايات والقراءات المختلفة والتي ترجمت إلى ما يفوق الثلاثون لغة حول العالم فمنها (موسم الهجرة إلى الشمال) ، (مريود) ، (عرس الزين) ، (ضو البيت) ، (دومة ود حامد) ، (المنسي) . قام الأديب الراحل بإصدار عدة روايات وعدة مجموعات قصصية قصيرة . حيث كان له عاموداً أسبوعياً في صحيفة بريطانية تصدر باللغة العربية بإسم (المجلة) .
    إن الطيب صالح كان يستحق أن جائزة نوبل للآداب التي فاز بها أديبنا المبدع الأستاذ نجيب محفوظ ، فكلاهما فارس هذا الفن، ولكن الطيب صالح لم يعبر عن الرواية السودانية فقط ، كما فعل الأستاذ نجيب محفوظ في إبداعه في مجال القصة والرواية المصرية ، ولكنه نقل صوراً عميقة وعبر عنها في لغة أدبية سامية ومعالجة روائية بديعة أعجب بها جميع القراء سواء في الوطن العربي أو الغرب كما أعجبوا بكتابات الروائي الكبير نجيب محفوظ ورفاقه . لكن أحداً لا ينكر أن الطيب صالح كان هو نافذة من هذه النوافذ الواسعة والمضيئة والتي أطل بها أدبنا فيما بيننا وبين بعضنا وفيما بيننا وبين الغرب .
    والروائي الرائع والرجل الذي تعدت بصماته الأدب السوداني والعربي وأوصلت أصواتنا إلى العالم الغربي والشرقيفهو من حملنا قلمه وتخطى بنا الإطار العربي حتى قرأ له بعض الأدباء في الغرب بعضاً من إنتاجه الأصيل منه رواية (موسم الهجرة إلى الشمال).
    فالرواية التي نحن بصددها اليوم (موسم الهجرة إلى الشمال) التي انتهى من كتابة نصها أديبنا الراحل في عام 1967م . فكما ورد في نصها : يزور فيها الكاتب بطل الرواية مصطفى سعيد الطالب النابغة العربي الأفريقي الذي جاء من الجنوب ليزور الغرب ، فحينما خلص من دراسته الجامعية تم التعاقد معه كمحاضر في إحدى الجامعات البريطانية حيث تبنى قيم المجتمع البريطاني ، يتعرف على زوجته (جين موريس) ، وهي بريطانية ترفض قبول الإملاء من زوجها . والذي عاد بعد سبعة أعوام إلى بلده ، فالتقى براوي القصة الذي عاش أيضاً في لندن . القصة نفسها تروى عن طريق قصص يرويها الراوي والبطل






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  4.  
  5. #3
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(5)ـ


    عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة ، سبعة أعوام على وجه التحديد ، كنت خلالها أتعلم في أوروبا . تعلمت الكثير ، وغاب عني الكثير ، لكن تلك قصة أخرى المهم أنني عدت وبي شوق عظيم إلى أهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل ، سبعة أعوام وأنا أحن إليهم وأحلم بهم ، ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة أن وجدتني حقيقة قائماً بينهم ، فرحوا بي وضجوا حولي ، ولم يمض وقت طويل حتى أحسست كأن ثلجاً يذوب في دخيلتي ، فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس ، ذاك دفء الحياة في العشيرة ، فقدته زماناً في بلاد (( تموت من البرد حيتانها )) . تعودت أذناي أصواتهم ، وألفت عيناي أشكالهم من كثيرة ما فكرت فيهم في الغيبة ، قام بيني وبينهم شيء مثل الضباب ، أول وهلة رأيتهم . لكن الضباب راح ، واستيقظت ثاني يوم وصولي ، في فراشي الذي أعرفه في الغرفة التي تشهد جدرانها على ترهات حياتي في طفولتها ومطلع شبابها وأرخيت أذني للريح . ذاك لعمري صوت أعرفه ، له في ....






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  6.  
  7. #4
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(6)ـ


    بلدنا وشوشة مرحة . صوت الريح وهي تمر بالنخل غيره وهي تمر بحقول القمح . وسمعت هديل القمري ، ونظرت خلال النافذة إلى النخلة القائمة في فناء دارنا ، فعلمت أن الحياة لا تزال بخير ، أنظر إلى جذعها القوي المعتدل ، وإلى عروقها الضاربة في الأرض ، وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها فأحس بالطمأنينة . أحس أنني لست ريشة في مهب الريح ، ولكني مثل تلك النخلة ، مخلوق له أصول ، له جذور له هدف .
    وجاءت أمي تحمل الشاي . وفرغ أبي من صلاته وأوراده فجاء . وجاءت أختي ، وجاء أخواي ، وجلسنا نشرب الشاي ونتحدث ، شأننا منذ تفتحت عيناي على الحياة . نعم ، الحياة طيبة ، والدنيا كحالها لم تتغير .
    فجأة تذكرت وجهاً رأيته بين المستقبلين لم أعرفه . سألتهم عنه ، ووصفته لهم . رجل ربعة القامة ، في نحو الخمسين أو يزيد قليلاً من شوارب الرجال في البلد . رجل وسيم .
    وقال أبي : (( هذا مصطفى )) .
    مصطفى من ؟ هل هو أحد المغتربين من أبناء البلد عاد ؟ وقال أبي أن مصطفى ليس من أهل البلد ، لكنه غريب جاء منذ خمسة أعوام ، اشترى مزرعة وبنى بيتاً وتزوج بنت محمود ... رجل في حاله ، لا يعلمون عنه الكثير . لا أعلم تماماً ماذا أثار فضولي ، لكنني تذكرت أنه يوم ...






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  8.  
  9. #5
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(7)ـ


    وصولي كان صامتاً . كل أحد سألني وسألته . سألوني عن أوروبا . هل الناس مثلنا أم يختلفون عنا ؟ هل المعيشة غالية أم رخيصة ؟ ماذا يفعل الناس في الشتاء ؟ يقولون إن النساء سافرات يرقصن علانية مع الرجال . وسألني ود الريس : (( هل صحيح أنهم لا يتزوجون ولكن الرجل منهم يعيش مع المرأة بالحرام ؟ )) .
    أسئلة كثيرة رددت عليها حسب علمي . دهشوا حين قلت لهم أن الأوروبيين ، إذا استثنينا فوارق ضئيلة ، مثلنا تماماً ، يتزوجون ويربون أولادهم حسب التقاليد والأصول ، ولهم أخلاق حسنة ، وهم عموماً قوم طيبون .
    وسألني محجوب ك (( هل بينهم مزارعون ؟ )) . وقلت له : (( نعم بينهم مزارعون وبينهم كل شيء . منهم العامل والطيب والمزارع والمعلم مثلنا تماماً )) . وآثرت ألا أقول بقية ما خطر على بالي : (( مثلنا تماماً . يولدون ويموتون وفي الرحلة من المهد إلى اللحد يحلمون أحلاماً بعضها يصدق وبعضها يخيب . يخافون من المجهول ، وينشدون الحب ، ويبحثون عن الطمأنينة في الزوج والولد ز فيهم أقوياء ، وبعضهم حرمته الحياة . لكن الفروق تضيق وأغلب الضعفاء لم يعودوا ضعفاء )) . لم أقل لمحجوب هذا ، وليتني قلت ، فقد كان ذكياً . خفت ، من غروري ألا يفهم .






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  10.  
  11. #6
    عضو ذهبي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    ام درمان - الراشدين
    المشاركات
    3,009

    نتابعك بشغف



    واصل يا جميل

    اللهم صلي وسلم وبارك على الحبيب المصطفى
    عدد خلقك
    ورضا نفسك
    وزنة عرشك
    ومداد كلماتك


    http://fc01.deviantart.com/fs13/f/20...alanbecker.swf
  12.  
  13. #7
    وسام التميز الثقافي

    Array الصورة الرمزية مصطفى هاتريك
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المشاركات
    2,423



    كنت وقتها طالبا بجامعة القاضي عياض بمدينة مراكش , وكنا نعاني كثيرا في التعريف

    بالسودان و أهله , فأهل المغرب العربي لا يعلمون ولا القليل عن المشرق العربي و بخاصة

    السودان _ ربما لقصور أدواته الإعلامية _

    حين ألتقيت لطيفة بنت الحاج إندهشت كثيرا لمعرفتها الوثيقة بالسودان وثقافة أهله ,,

    ولكن زالت هذه الدهشة عندما علمت أنهم يدرسون الطيب صالح و موسم الهجرة إلى الشمال

    بكلية الآداب , فصرت و كنت و لا زلت أفتخر كثيرا بأني من قوم الطيب صالح


    الشكر موصول لك يا عاشق الترحال

    منو الزيك ولد وإستالد الأولاد
    منو الزيك بجيبم ديمة عشرة أنداد
    منو الزيك ببز الدنيا موية وزاد
    منو الزيك ضروع وزروع ونيل مداد
    منو الزيك بطانة وغـابة دون حداد
    منو الزيك سهول وادي وجبال أوتاد
    منو الزيك أصل موروث من الأجداد
    منو الزيك جراتق دم قُــدام وجداد
    قشي الدمعـة يا بت الرجال ما بحكموك أولاد
  14.  
  15. #8
    سكرتير مجلس الادارة
    Array الصورة الرمزية ساريه
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    الدولة
    مدينة الجمال مدنى
    المشاركات
    2,243


    بعض ما قاله عبد القادر حميده عن الروايه وبطلها ....

    ..رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" نالت شهرتها من كونها من أولى الروايات التي تناولت، بشكل فني راق الصدام بين الحضارات وموقف إنسان العالم الثالث ـ النامي ورؤيته للعام الأول المتقدم، ذلك الصدام الذي تجلى في الأعمال الوحشية دائماً، والرقيقة الشجية أحياناً، لبطل الرواية "مصطفى سعيد" .. )
    وهى
    رواية تحكي زمن الانتقام .. و التفوق في كل شيء رغم تاريخ الهزائم الطويل ، مع ايغال في توظيف العنف ، الشبق و الموت ، الاعتداد بالذات ، الكرامة ، و كذا الأشياء الحريفة و العادية و المألوفة و المقتبسة من الواقع مباشرة ..

    مصطفى سعيد ....

    شخصية ولدت عام 71 بميلاد هذه الرواية ، دخل الغرب فاتحا مملوءا بعقد الشرق أو منتقما لتاريخ عريض من الانكسارات ، شخصية كادت تقضي على الطيب صالح نفسه حيث اشتهر بها و تبعته أينما حل و ارتحل ....

    رواية اثارت الكثير من الجدل وما زالت ...

    واصل عاشق الترحال ونحن متابعين ....

    هذا هو النسيان ..أن تتذكر الماضى ولا تتذكر الحكاية ......
  16.  
  17. #9
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد علونى مشاهدة المشاركة
    نتابعك بشغف



    واصل يا جميل
    تسلم علي المرور






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  18.  
  19. #10
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى هاتريك مشاهدة المشاركة


    كنت وقتها طالبا بجامعة القاضي عياض بمدينة مراكش , وكنا نعاني كثيرا في التعريف

    بالسودان و أهله , فأهل المغرب العربي لا يعلمون ولا القليل عن المشرق العربي و بخاصة

    السودان _ ربما لقصور أدواته الإعلامية _

    حين ألتقيت لطيفة بنت الحاج إندهشت كثيرا لمعرفتها الوثيقة بالسودان وثقافة أهله ,,

    ولكن زالت هذه الدهشة عندما علمت أنهم يدرسون الطيب صالح و موسم الهجرة إلى الشمال

    بكلية الآداب , فصرت و كنت و لا زلت أفتخر كثيرا بأني من قوم الطيب صالح


    الشكر موصول لك يا عاشق الترحال



    لك التحيه اخي هاتريك ومشكور علي المرور






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  20.  
  21. #11
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساريه مشاهدة المشاركة

    بعض ما قاله عبد القادر حميده عن الروايه وبطلها ....

    ..رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" نالت شهرتها من كونها من أولى الروايات التي تناولت، بشكل فني راق الصدام بين الحضارات وموقف إنسان العالم الثالث ـ النامي ورؤيته للعام الأول المتقدم، ذلك الصدام الذي تجلى في الأعمال الوحشية دائماً، والرقيقة الشجية أحياناً، لبطل الرواية "مصطفى سعيد" .. )
    وهى
    رواية تحكي زمن الانتقام .. و التفوق في كل شيء رغم تاريخ الهزائم الطويل ، مع ايغال في توظيف العنف ، الشبق و الموت ، الاعتداد بالذات ، الكرامة ، و كذا الأشياء الحريفة و العادية و المألوفة و المقتبسة من الواقع مباشرة ..

    مصطفى سعيد ....

    شخصية ولدت عام 71 بميلاد هذه الرواية ، دخل الغرب فاتحا مملوءا بعقد الشرق أو منتقما لتاريخ عريض من الانكسارات ، شخصية كادت تقضي على الطيب صالح نفسه حيث اشتهر بها و تبعته أينما حل و ارتحل ....

    رواية اثارت الكثير من الجدل وما زالت ...

    واصل عاشق الترحال ونحن متابعين ....


    سلمت يداك التي حطت لنا هذه الكلمات الجميله ولك التحيه أخت ساريه






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  22.  
  23. #12
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ ( 8 ) ـ


    وقالت بنت مجذوب ضاحكة : (( خفنا أن تعود إلينا بنصرانية غلفاء )) .
    لكن مصطفى لم يقل شيئاً . ظل يستمع في صمت ، يبتسم أحياناً ، ابتسامة أذكر الآن أنها كانت غامضة ، مثل شخص يحدث نفسه .
    نسيت مصطفى بعد ذلك ، فقد بدأت أعيد صلتي بالناس والأشياء في القرية . كنت سعيداً تلك الأيام ، كطفل يرى وجهه في المرآة لأول مرة . وكانت أمي لي بالمرصاد ، تذكرني بمن مات ، لأذهب وأعزي ، وتذكرني بمن تزوج ، لأذهب وأهنئ . جبت البلد طولاً وعرضاً معزياً ومهنئاً . ويوماً ذهبت على مكاني الأثير ، عند جذع شجرة طلح على ضفة النهر . كم عدد الساعات التي قضيتها في طفولتي تحت تلك الشجرة ، أرمي الحجارة في النهر وأحلم ، ويشرد خيالي في الأفق البعيد . أسمع أنين السواقي على النهر ، وتصايح الناس في الحقول ، وخوار ثور أو نهيق حمال . كان الحظ يسعدني أحياناً ، فتمر الباخرة أمامي صاعدة أو نازلة . من مكاني وقامت على ضفة النيل طلمبات لضخ الماء ، كل مكنة تؤدي عمل مائة ساقية . ورأيت الضفة تتقهقر عاماً بعد عام أما لطمات الماء ، وفي جانب آخر يتقهقر الماء أمامها . وكانت تخطر في ذهني أحياناً أفكار غريبة . كنت أفكر ، وأنا أرى ....






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  24.  
  25. #13
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(9)ـ


    الشاطئ يضيق في مكان ، ويتسع في مكان ، أن ذلك شأن الحياة ، تعطي بيد وتأخذ باليد الأخرى . لكن لعلني أدركت ذلك فيما بعد . أنا الآن ، على أي حال ، أدرك هذه الحكمة ، لكن بذهني فقط ، إذ أن عضلاتي تحت جلدي مرنة مطواعة وقلبي متفائل . إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة ، أريد أن أعطي بسخاء ، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر ، ثمة آفاق كثيرة لابد أن تُزار ، ثمة ثمار يجب أن تُقطف ، كتب كثيرة تُقرأ ، وصفحات بيضاء في سجل العمر ، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جريء . وأنظر على النهر بدأ ماؤه يربد بالطمي ـ لابد أن الطر هطل في هضاب الحبشة ـ وإلى الرجال قاماتهم متكئة على المحاريث ، أو منحنية على المعاول . وتمتلئ عيناي بالحقول المنبسطة كراحة اليد إلى طرف الصحراء حيث تقوم البيوت . أسمع طائراً يغرد ، أو كلباً ينبع ، أو صوت فأس في الحطب ـ وأحس بالاستقرار . أحس أنني مهم ، وأنني مستمر ، ومتكامل . (( ولا ... لست أنا الحجر يلقى في الماء ، لكنني البذرة تبذر في الحقل )) . وأذهب إلى جدي ، فيحدثني عن الحياة قبل أربعين عاماً ، قبل خمسين عاماً ، لا بل ثمانين ، فيقوى إحساسي بالأمن . كنت أحب جدي ، ويبدو أنه كان يؤثرني . ولعل أحد أسباب صداقتي معه ، إنني كنت منذ صغري تشحذ خيالي حكايات الماضي ، وكان جدي يحب أن يحكي ، ولما سافرت خفت أن يموت في غيبتي . وكنت حين






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  26.  
  27. #14
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(10)ـ


    يلم بي الحنين إلى أهلي ، أراه في منامي . قلت له ذلك ، فضحك وقال : (( حدثني عراف وأنا شاب ، أنني إذا جاوزت عمر النبوة "يعني الستين " فإنني سأصل المائة )) . وحسبنا عمره ، أنا وهو فوجدنا أنه بقي له نحو إثني عشر عاماً .
    كان جدي يحدثني عن حاكم غاشم ، حكم ذلك الإقليم أيام الأتراك . ولست أعلم ما الذي دفع بمصطفى إلى ذهني ، لكني تذكرته بغتة ، فقلت أسأل عنه جدي ، فهو عليم بحسب كل أحد في البلد ونسبه ، بل بأحساب وأنساب مبعثرة قبلي وبحري ، أعلى النهر وأسفله ، لكن جدي هز رأسه وقال انه لا يعلم عنه سوى أنه من نواحي الخرطوم ، وأنه جاء إلى البلد منذ خمسة أعوام ، واشترى أرضاً تفرق وارثوها ، ولم تبق منهم إلا إمرأة . فأغراها الرجل بالمال واشتراها منها . ثم قبل أربعة أعوام زوجه محمود إحدى بناته . قلت لجدي : (( أي بناته ؟ )) فقال : (( أظنها حسنه )) . وهز جدي رأسه وقال : (( تلك القبيلة لا يبالون لمن يزوجون بناتهم )) . لكنه أردف ، كأنه يعتذر ، أن مصطفى طول إقامته في البلد ، لم يبدو منه شيء منفر ، وأنه يحضر صلاة الجمعة في المسجد بإنتظام ، وأنه يسارع (( بذراعه وقدحه في الأفراح والأتراح )) .. هكذا طريقة جدي في الكلام .
    ***
    بعد هذا بيومين ، كنت وحدي أقرأ وقت القيلولة






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  28.  
  29. #15
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(11)ـ


    كانت أمي وأختي تلغطان مع بعض النسوة في أقصى البيت ، وكان أبي نائماً ، وقد خرج أخواي لشأن ما ، فخلوت بنفسي ، سمعت نحنحة خارج البيت ، فقمت ، فإذا هو مصطفى ، يحمل بطيخة كبيرة ، وزنبيلاً مملوءاً برتقالاً . ولعله رأي الدهشة على وجهي ، فقال : (( أرجو ألا أكون أيقظتك من نوم . لكنني قلت أجيئك بعينة من ثمر الحقل ، تذوقه . كذلك أحب أن أتعرف إليك . وقت الظهيرة ليس وقت زيارة . أعذرني )) .
    لم يغب عني أدبه الجم ، فأهل بلدنا لا يبالون بعبارات المجاملة . يدخلون في الموضوع دفعة واحدة ، يزورونك ظهراً كان أو عصراً ، لا يهمهم أن يقدموا المعاذير . رددت الود بالود ، ثم جيء بالشاي .
    دققت النظر في وجهه ، وهو مطرق . إنه رجل وسيم دون شك ، جبهته رحبة ، وحاجباه متباعدان ، يقومان أهلة فوق عينيه ، ورأسه بشعره الغزير الأسيب متناسق تماماً مع رقبته وكتفيه ، وانفه حاد منخاراه مليئان بالشعر . ولما رفع وجهه أثناء الحديث ، نظرت إلى فمه وعينيه ، فأحسست بالمزيج الغريب من القوة والضعف في وجه أقرب إلى الجمال منه إلى الوسامة . ويتحدث بهدوء ، لكن صوته واضح قاطع . حين يسكن وجهه . وحين يضحك






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  30.  
  31. #16
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(12)ـ


    يغلب الضعف على القوة . ونظرت إلى ذراعيه ، فكانتا قويتين ، عروقها نافرة ، لكن أصابعه كانت طويلة رشيقة ، حين يصل النظر إليهما بعد تأمل الذراع واليد ، تحس بغتة كأنك انحدرت من الجبل إلى الوادي .
    قلت أدعه يتحدث ، فهو لم يجيء إليَّ في حمأة القيظ ، إلا ليقول لي شيئاً . ولعله من ناحية أخرى جاء بوازع من حسن النية . لكنه قطع علي حدسي . فقال : (( لعلك الوحيد من أهل البلد ، الذي لم أسعد بالتعرف عليه من قبل )) . لماذا لا يترك هذا الأدب ، ونحن في بلد إذا غضب فيها الرجال ، قال بعضهم لبعض : يا إبن الكلب .
    (( سمعت كثيراً عنك من أهلك وأصدقائك )) ـ لا غرو ، فقد كنت أعد نفسي زينة الشباب في البلد .
    (( قالوا أنك نلت شهادة كبيرة ـ ماذا تسمونها ؟ الدكتوراه ؟ )) يقول لي ماذا تسمونها ؟ لم يعجبني ذلك ، فقد كنت أحسب أن الملايين العشرة في القطر كلهم سمعوا إنتصاري ، (( يقولون أنك لامع منذ صغرك )) .
    (( العفو )) ـ هكذا قلت ، لكنني ، والحق يقال ، كنت تلك الأيام مزهواً بنفسي ، حسن الظن بها .
    (( دكتوراه . هذا شيء كبير )) . فقلت له ، وأنا أتصنع التواضع ، إن الأمر لا يعدو أنني قضيت ثلاثة أعوام ، أنقب في حياة شاعر مغمور من شعراء .....






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  32.  
  33. #17
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(13)ـ


    الانكليز . واغتظت ، لا أخفي عليكم أنني اغتظت ، حين ضحك الرجل ملء وجهه ، وقال : (( نحن هنا لا حاجة لنا بالشعر . لو أنك درست علم الزراعة أو الهندسة أو الطب ، لكان خيراً )) . انظر كيف يقول ((نحن)) ولا يشملني بها ، مع العلم بأن البلد بلدي ، وهو ـ لا أنا ـ الغريب .
    لكنه ابتسم في وجهي برقة ، ولاحظت كيف طغى الضعف في وجهه على القوة ، وكيف أن عينيه في الواقع جميلتان كعيني أنثى ، وقال :
    (( لكن نحن مزارعون نفكر فيما يعنينا ، إنما العلم ، مهما كان ، ضروري لرفعة الوطن )) .
    صمت برهة ، فازدحمت أسئلة كثيرة في رأسي : من أين هو ؟ ولماذا استقر في هذا البلد ؟ وما هي قصته ؟ ولكنني آثرت التريث ، وأسعفني هو فقال :
    (( الحياة في هذا البلد هينة خيرة . الناس طيبون عشرتهم سهلة )) .
    فقلت له : (( إنهم يذكرونك بالخير . جدي يقول أنك رجل فاضل )) .
    ضحك حينئذ ، ربما لأنه تذكر مقابلة له مع جدي ، وبدأ كأنه سر من قولي ، وقال :
    (( جدك .. ذاك رجل . ذاك رجل .. تسعون عاماً وقامته منتصبة ، ونظره حاد ، وكل سن في فمه . يقفز فوق الحمار ....






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  34.  
  35. #18
    مشرف القسم الثقافي

    Array الصورة الرمزية ياسر عمر الامين
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    ودمدنى
    المشاركات
    2,635

    هذه الرواية قرأتها مرات ومرات والى هذه اللحظه كلما طالعتها أحس بأنى أقرأها للمرة الأولى..

    لك الشكر أجزله أخى عاشق الترحال..

    يا وحى الهامنا وموضع احترامنا يا مدنى الجميله ليك مليون سلامنا.
  36.  
  37. #19
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر عمر الأمين مشاهدة المشاركة
    هذه الرواية قرأتها مرات ومرات والى هذه اللحظه كلما طالعتها أحس بأنى أقرأها للمرة الأولى..

    لك الشكر أجزله أخى عاشق الترحال..
    لك تحياتي وشكري علي المرور الذي اسعدني






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  38.  
  39. #20
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(14)ـ


    خفيفاً ، ويمشي من بيته للمسجد في الفجر . هاه ذاك رجل )) . كان خلصاً وهو يقول هذا . ولم لا ؟ وجدي في واقع الأمر ، أعجوبة .
    وخفت أن يفلت الرجل قبل أن أعلم عنه شيئاً ـ إلى هذا الحد بلغ فضولي ـ فجرى السؤال على لساني قبل أن أفكر : (( هل صحيح أنك من الخرطوم ؟ )) .
    وفوجئ الرجل قليلاً وخيل لي أن ما بين عينيه قد تعكر ، لكنه بسرعة ومهارة عاد إلى هدوئه ، قال لي وهو يتعمد أن يبتسم : (( من ضواحي الخرطوم في الواقع . قل الخرطوم )) .
    صمت برهة قصيرة ، وكأنه يناقش بينه وبين نفسه ، هل يصمت أم يعطيني المزيد ، ثم رأيت الطيف الساحر يحول حول عينيه ، تماماً كما رأيته أول يوم ، وقال وهو ينظر إليَّ وجهاً قبالة وجه : (( كنت في الخرطوم أعمل في التجارة . ثم لأسباب عديدة ، قررت أن أتحول للزراعة . كنت طول حياتي أشتاق للاستقرار في هذا الجزء من القطر ، لا أعلم السبب . وركبت الباخرة ، وأنا لا أعلم وجهتي . ولما رست في هذا البلد أعجبتني هيئتها . وهجس هاجس في قلبي : هذا هو المكان . وهكذا كان ، كما ترى . لم يخب ظني في البلد ولا أهله )) . ثم صمت ، وقام قائلاً أنه ذاهب للحقل ، ودعاني للعشاء في بيته بعد يومين .
    ولما أوصلته للباب ، قال لي وهو يودعني ، والطيف الساحر أكثر وضوحاً حول عينيه : (( جدك يعرف السر )) .
    ولم يمهلني حتى أسأله : (( أي سر يعرفه جدي ؟ جدي ......






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  40.  
  41. #21
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(15)ـ


    ليست له أسرار )) . ولكنه مضى مبتعداً بخطوات نشيطة متحفزة ، رأسه يميل قليلاً إلى اليسار .
    ***
    ذهبت للعشاء فوجدت محجوباً ، والعمدة ، وسعيد التاجر ، وأبي . تعشينا دون أن يقول مصطفى شيئاً يثير الإهتمام . كان كعادته يسمع أكثر مما يتكلم . كنت ، حين يخفت الحديث وحين أجد أنه لا يعنيني كثيراً ، أتلفت حولي كأنني أحاول أن أجد في غرف البيت وجدرانه الجواب على الأسئلة التي تدور في رأسي . لكنه كان بيتاً عادياً ، ليس أحسن ولا أسوأ من بيوت الميسورين في البلد . منقسم إلى جزأين كبقية البيوت ، جزء للنساء ، والقسم الذي فيه (( الديوان )) للرجال ورأيت إلى يمين الديوان غرفة من الطوب الأحمر ، مستطيلة الشكل ، ذات نوافذ خضراء . سقفها لم يكن مسطحاً كالعادة ولكنه كان مثلثاً كظهر الثور .
    قمنا أنا ومحجوب وتركنا الباقين . وفي الطريق سألت محجوباً عن مصطفى . لم يخبرني بجديد لكنه قال : (( مصطفى رجل عميق )) .
    قضيت في البلد شهرين ، كنت خلالهما سعيداً . وقد جمعتني الصدفة بمصطفى عدة مرات . مرة دعيت لحضور إجتماع لجنة المشروع الزراعي . دعاني محجوب ، رئيس اللجنة وقد كان صديقي ، نشأنا معاً منذ طفولتنا . دخلت عليهم .....






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  42.  
  43. #22
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(16)ـ


    وكان مصطفى بينهم ، وكانوا يبحثون أمراً يتعلق بتوزيع الماء على الحقوق . ويبدو أن بعض الناس ، ومنهم من هو عضو في اللجنة ، كانوا يفتحون الماء في حقولهم قبل الموعد المحدد لهم . واحتد النقاش وتصايحوا بعضهم على بعض وفجأة رأيت مصطفى يهب واقفاً . هدأ اللغط واستمعوا إليه باحترام زائد . وقال مصطفى أن الخضوع للنظام في المشروع أمر مهم وإلا اختلطت الأمور وسادت الفوضى ، وأن على أعضاء اللجنة خاصة أن يكونوا قدوة لغيرهم ، فإذا خالفوا القانون عوقبوا كبقية الناس . ولما فرغ من كلامه هز أغلب أعضاء اللجنة رؤوسهم استحساناً ، وصمت من عناهم الكلام .
    لم يكن ثمة أدنى شك في أن الرجل من عجينة أخرى ، وأنه أحقهم برئاسة اللجنة ، لكن ربما لأنه ليس من أهل البلد لم ينتخبوه .
    ***
    بعد هذا بنحو أسبوع ، حدث شيء أذهلني . دعاني محجوب لمجلس شراب . وبينما نحن نسمر جاء مصطفى يكلم محجوباً في شأن من شؤون المشروع . دعاه محجوب أن يجلس فاعتذر ، ولكن محجوب حلف عليه بالطلاق . مرة أخرى لاحظت سحابة التبرم تنعقد ما بين عينيه ، ولكن جلس ، وعاد بسرعة إلى هدوئه الطبيعي . وناوله محجوب كأساً من الشراب ، فتردد برهة ثم أمسك بها ووضعها إلى جانبه .....






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  44.  
  45. #23
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(17)ـ


    دون أن يشرب منها . ومرة أخرى أقسم محجوب ، فشرب مصطفى . كنت أعرف محجوباً متهوراً ، فخطر لي أن أمنعه عن مضايقة الرجل ، إذ من الواضح أنه غير راغب في الجلسة أصلاً . لكن خاطراً آخر هجس في ذهني ، فتوقفت . شرب مصطفى الكأس الأولى باشمئزاز واضح ، شربها بسرعة ، كأنها دواء مقيت . لكنه لما وصل إلى الكأس الثالثة ، أخذ يبطئ ويمص الشراب مصاً ، بلذة . حينئذ ارتخت عضلات وجهه ، وغاب التوتر في أركان فمه ، وأصبحت عيناه حالمتين ناعستين ، أكثر من ذي قبل . القوة التي تحسها في رأسه وجبهته وأنفه ، ضاعت تماماً في الضعف الذي سال ، مع الشراب ، على عينه وفمه . وشرب مصطفى كأساً رابعة ، وكأساً خامسة . لم يعد في حاجة إلى تشجيع ، لكن محجوباً كان يحلف بالطلاق على أي حال . دفن مصطفى قامته في المقعد ، ومدد رجليه . وأمسك الكأس بكلتا يديه ، وسرجت عيناه ، كما خيل لي ، في آفاق بعيدة ، ثم ، فجأة سمعته يتلو شعراً إنكليزياً ، بصوت واضح ونطق سليم . قرأ قصيدة وجدتها فيما بعد بين قصائد عن الحرب العالمية الأولى :
    (( هؤلاء نساء فلاندرز ينتظرن الضائعين ،
    ينتظرن الضائعين الذين أبداً لن يغادروا الميناء ،
    ينتظرن الضائعين الذين أبداً لن يجيء بهم القطار ،






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  46.  
  47. #24
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(18)ـ


    إلى أحضان هؤلاء النسوة ، ذوات الوجوه الميتة ،
    ينتظرن الضائعين ،
    الذين يرقدون موتى في الخندق والحاجز والطين في ظلام الليل .
    هذه محطة تشارنغ كروس . الساعة جاوزت الواحدة .
    ثمة ضوء ضئيل
    ثمة ألم عظيم )) .
    وبعد ذلك تأوه ، وهو لا يزال ممسكاً بالكأس بين يديه وعيناه سارحتان ، في آفاق داخل نفسه .
    أقول لكم ، لو أن عفريتاً انشقت عنه الأرض فجأة ، ووقف أمامي ، عيناه تقدحان اللهب ، لما ذعرت أكثر مما ذعرت . وخامرني ، بغتة ، شعور فظيع ، شيء مثل الكابوس ، كأننا نحن الرجال المجتمعين في تلك الغرفة ، لم نكن حقيقة ، إنما وهماً من الأوهام . وقفزت ، ووقفت فوق الرجل ، وصحت فيه : (( ما هذا الذي تقول ؟ ما هذا الذي تقول ؟ )) نظر إلي نظرة جامدة ، لا أدري كيف أصفها ، لكن لعلها كانت خليطاً من الاحتقار والضيق . ودفعني بعنف بيده ، ثم هب واقفاً ، وخرج من الغرفة في خطوات ثابتة ، مرفوع الرأس ، كأنه شيء ميكانيكي . كان محجوب مشغول يضحك مع بقية من في المجلس ، فلم ينتبه لما حدث .
    ذهبت إليه ثاني يوم في حقله ، فوجدته مكباً يحفر الأرض حول شجرة ليمون . كان مرتدياً سروالاً من الكاكي قصيراً ...






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة
  48.  
  49. #25
    عضو فضي
    Array الصورة الرمزية عاشق الترحال
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    الدولة
    ماعندي محل محدد
    المشاركات
    1,890


    الصفحة ـ(19)ـ


    متسخاً ، وقميصاً من الدبلان يصل إلى ركبتيه ، وعلى وجهه بقع من الطين . حياني بأدبه الجم كعادته وقال لي : (( بعض فروع هذه الشجرة تثمر ليموناً ، وبعضها يثمر برتقالاً )) . فقلت له بالإنجليزي ، عمداً : (( شيء مدهش )) . فنظر إلي مستغرباً وقال : (( ماذا ؟ )) فأعدت الجملة . ضحك وقال لي : (( هل أنستك إقامتك الطويلة في إنجلترا العربي ، أم تحسب أننا خواجات ؟ )) قلت له : (( لكنك ليلة أمس قرأت الشعر اللغة الإنجليزية )) .
    غاظني صمته . فقلت له : (( من الواضح أنك شخص آخر غير ما تزعم . من الخير أن تقول لي الحقيقة )) . لم يبد عليه أي تأثر بالتهديد الذي ضمنته كلامي ، ومضى يحفر حول الشجرة . ولما فرغ من حفره ، قال وهو ينفض الطين عن يديه دون أن ينظر إلي : (( لا أدري ما ذا قلت وماذا فعلت في الليلة الماضية . السكران لا يؤاخذ على كلامه . إذا كنت قلت شيئاً ، فهو كخترفة النائم ، أو هذيان المحموم . ليست له قيمة . أنا هو هذه الشخص الذي أمامك ، كما يعرفه كل أحد في البلد . لست خلاف ذلك ، وليس عندي شيء أخفيه )) .
    ذهبت إلى البيت ، ورأسي يضج بالأفكار . أنا واثق أن وراء (( مصطفى )) قصة ، أو شيئاً لا يود أن يبوح به . هل خانتني أذناي ليلة البارحة ؟ الشعر الإنجليزي الذي قرأه ،






    إذا طُعـــنت من الخلف ،،،،،،،تأكـــد أنك في المقدمــــــــة

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid