مدينة ودمدني مدينة عريقة، و تمتاز بعناصر ومواهب عظيمة ومشرفه ساعدت وساهمت في سمعة
المدينة وتقدم البلاد. وكما تمتاز مدينة ودمدني وبأعداد كبيرة من أبناءها في مجال الفن والرياضة وخلافه، أيضا تمتاز بنخبة طيبة وبارزه من أهل التعليم، فهنالك أساتذه عظماء وفطاحلة أبدعوا في فن التدريس في مدينة ودمدني في العديد من المدارس ويعود الفضل اليهم في تربية وتعليم أجيال كثيره في السودان، فمن هؤلاء الاجيال الذين تخرجوا على أيديهم من اعتلى مناصب قيادية هامة في كافة المجالات داخل وخارج السودان ومنهم من عمل في حرف أخرى هامة تساعدهم على طلب الرزق.
و أريد أن أتطرق الى بعض من أمثال هؤلاء الاساتذة الذين اعتبرهم أحد القمم في ممارسة فن التدريس في مدني وفي رأي لن يشهد السودان مثل هذا الجيل من الاستاذة أبدا خاصة في هذا الزمان الغابر.
ومن أمثلة هؤلاء أساتذه درسوني في مدني عندما كنت أدرس المرحلة الثانوية العامة في مدرسة شدو، فهنالك الاستاذ ياسين حيث كان يتمتع هذا الاستاذ بأسلوب فريد عالى ورائع في تدريس اللغة العربية حيث يعتبر واحدا من أكفاء الاساتذه السودانيين الذين درسوا اللغة العربية.
كما أن هنالك الاستاذين كمال والاستاذ ياسين والاستاذ عبدالله الفكي الكامل – يا سلام – هؤلاء أساتذه أيضا يتمتعون بأساليب فريده وجيده خاصة في تدريس اللغة الانجليزية والرياضيات وقد فرضت شخصياتهم القوية احترام جميع الطلبة لهم وتقديرهم فهؤلاء الجيل من الاساتذه كانوا عمالقة بمعني الكلمة وقلما تجد مثلهم في هذا الزمان.
وفي المرحلة الثانوية العليا بمدرسة النيل الازرق حاليا "السني" كان هنالك الاستاذ صلاح الذي كان يلقب بـ "صلاخ كيمياء"، هذا الاستاذ له اسلوب فريد جدا في تدريس مادة الكيمياء التي أحبها وأخلص لها وكان يعطى الكثير من وقته وجهده حتى يطمئن من افهام الطالب للمادة، اذكر انه كان يحضر الى الفصل حاملا معه فقط "الطباشيره في يده اليمني والمساحة في يده اليسري" ويبدأ الحصة والتحدث بطريقة سلسه جذابه وشيقه تجبر الطالب على متابعته للدرس من أوله الى آخره دون الشعور بمرور الوقت الى ان يحين موعد دق الجرس.
كما أن هنالك استاذا كان مشهورا يدرس اللغة العربية أيضا في مدرسة النيل الازرق لكن ذاكرتي وبكل أسف لم تسعفني في أن اتذكر اسمه. هذا الاستاذ كان متمكننا من اللغة العربية ويدرسها بفن رائع، مع انني كنت أكاديمي ولا أحب حصة اللغة العربية لكن ذلك الاستاذ الرائع جذب العديد من الطلبة بأسلوبه الجميل في التدريس الى متابعته وحب حصة اللغة العربية.
ومن المواضيع الطريفة التي طرحها الاستاذ في احدى حصص اللغة العربية والتي لازالت عالقة بذهني واحببتها كثيرا ويعرفها العديد من الطلبة الذين درسوا الثانوية العليا خلال فترة السبعينيات وحتي الثمانينيات حيث رأيت الأستدلال بها للتذكير وكذلك حتي يستفيد منها الجيل الجديد الذي لم يحالفه الحظ للحاق بركب الحضارة التعليمة لتلك الفترة الزاهية، ولا أدري ان كان لايزال تدرس نفس المواد التي كانت تدرس في السابق. لقد اعجبتني طريقة سرد الاستاذ وشرحه لقصة الشاعر الاعرابى الراعي الذي كان يسكن الصحراء ويقوم يرعى الاغنام وينظم الشعر مثله كمثل أي شاعر اعرابي.
قرر الشاعر ولظروف ما أن يترك رعي الغنم والصحراء والعيش في المدينة. وكعادة العرب أن يجتمع الناس في يوم من أيام الاسبوع لدى مجلس أمير المؤمنين، فمنهم من يتقدم يطلب الى أمير المؤمنين أن يقضي له حاجة يطلبها والبعض الآخر مثل الشعراء يقوم بألقاء أبيات شعرية يمدح فيها أمير المؤمنين لعل وعسى أن يكافئه أمير المؤمنين ببعض من المال اذا اعجبته الأبيات الشعرية.
عندما حضر الشاعر الاعرابي الى المدينة ذهب مع الناس الى قصر أمير المؤمنين وبدأ الناس في تقديم طلباتهم كما قام الشعراء بألقاء أبيات الشعر في مدح أمير المؤمنين. جاء دور صاحبنا الاعرابي وقام بألقاء الابيات الشعرية التالية محاولا مدح أمير المؤمنين:
أنت كالكلب في الوفاء
وكالتيس في قراع الخطب
وقبل أن يكمل شاعرنا أبياته الشعرية قام عليه حراس أمير المؤمنين لضربه وقطع عنقه لأنه شبه أمير المؤمنين بالحيوانات وبالتالي عدم احترام الحاكم. ولكن أمير المؤمنين كان على قدر من النبل والذكاء فطلب من الحراس ان لايأذوا الاعرابي ويتركوه فى حاله، وعرف أمير المؤمنين أن الشاعر قادم من الصحراء ولذلك استمد أبياته الشعرية من بيئته الصحراوية التي يعيش فيها حيث انه كان لايشاهد في الصحراء سواء الرمال و السماء والحيوانات مثل الجمال والأغنام وبقية الحيوانات الأليفة الأخرى مثل الكلاب.
بعد أن استقر شاعرنا في المدينة وشاهد الماء والخضرة والزهور والجمال قام بتنظيم الابيات الشعرية التالية وهي أروع ماقيل في الشعر:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبنا الهوى من حيث أدري ولا أدري
أنني أعلم بأن أمثال هؤلاء الأساتذه العمالقة كان موجودا في مدارس أخرى بمدني، وأنا أرى انه اذا كان هناك تكريم يجب علينا أن نكرم مثل هؤلاء الاساتذة الذين أثروا الحياة التعليمية في مدني وضحوا بالكثير من أجل تعليم الأجيال. وأدعو من الله العلى القدير أن يجزيهم عنا خير الجزاء وهو خير الرازقين.
عزيز
المفضلات