النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: سعة الافق

     
  1. #1
    عضو مجتهد
    Array الصورة الرمزية مصطفى احمد على
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    المشاركات
    196

    سعة الافق

    سعة الأفق



    من نعمة الله – تعالى – على العبد أن يرزقه سعة في الأفق، وعمقاً في النظر، فيتسع فكره، وينطلق في آفاق رحبة واسعة، ويؤتيه الله بصيرة نافذة تجعله ينفذ إلى أعماق الحقائق وأبعادها، فيقدرها بقدرها، ويضعها في مواضعها.

    ومما يعين الإنسان على سعة الأفق:

    حرصه على طلب العلم والجدّ فيه، وأخذه من أهله الأثبات الراسخين، والصبر على تتبع مسائله في مظانها المختلفة، وحرصه في بدء الطلب على أن يأخذ من كل فن أصوله وقواعده لكي تتكامل معارفه وتألف علومه، والعلم هو الركيزة الأساس التي تبني عقل الإنسان وتجعله يستقيم على الجادة؛ ألم ترَ أن الجاهل يعيش في ظلمة فلا يبصر طريقه، فإذا عرض له عارض صار يتخبط ويضطرب؟ بينما ترى صاحب العلم والفهم حاذقاً فطناً يفتح الله عليه من أبواب العلوم ما يجعله قادراً على رؤية أبعاد واسعة لا يراها من هو دونه.

    تنوع ثقافاته، وتعدد قراءاته في مختلف أنواع المعرفة العلمية، فالمتخصص في الدراسات الشرعية – مثلاً – لا ينحصر في هذا التخصص؛ بل تمتد عنايته واطلاعه إلى الدراسات الأدبية والفكرية والإنسانية الأخرى؛ فهو يتنقل في حقول العلم والفكر، ويمتص رحيق الأزهار بألوانها وأشكالها المتنوعة، وهكذا بقية المتخصصين في فروع أخرى من العلم.

    كثرة محاورته ومجالسته لأهل العلم والرأي؛ فبالحوار العلمي الجاد تتسع مدارك الإنسان، ويقف على أشياء قد لا تخطر باله على الإطلاق، وقديماً قال عمر بن عبد العزيز – رحمه الله-: "إني وجدتُ لقاء الرجال تلقيحاً لألبابهم"

    ولهذا كان السلف يحثّون طالب العلم على الرحلة والسفر لملاقاة العلماء واكتساب مختلف أنواع العلوم والمعارف، وفي هذا يقول ابن خلدون: "على كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها"(4).


    أما الإنسان الذي لا يفكر، أو يفكر بطريقة راتبة أو عشوائية، فإنه بالضرورة إنسان عاجز لا يقوى على إعطاء التصور الصحيح للمسائل، بل قد يقوده تفكيره أحياناً إلى التخبط والاضطراب.

    اطّلاعه على التجارب والخبرات البشرية في القديم والحديث محاولاً قدر الطاقة اختزانها في عقله لكي يستطيع توظيفها التوظيف الأمثل إذا دعت الحاجة إلى ذلك، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

    تحرره من التقليد الأعمى بكل صوره وأشكاله؛ فهو يستفيد من أشياخه وأقرانه وأصحابه وغيرهم، ثم ينطلق بفكره الحرّ يتلمّس مختلف السبل بعقلية ناضجة مستقلة؛ وليس كل الناس يقوى على ذلك؛ فأصحاب الفكر هم المعادن الكريمة النادرة، وهم القادرون على توجيه الأمة،


    * ضيق الأفق:

    من الأدواء الفكرية المنتشرة عند كثير من الناس: ضيق الأفق، والنظر إلى المسائل المختلفة بسطحية مفرطة؛ فكم ينقبض صدر المرء حينما يرى من بعض الناس أن القضايا المصيرية العظيمة في مسيرة الأمة تؤخذ بعين الغفلة والسذاجة وقلة الفهم والبصيرة!

    ومن أبرز أسباب ضيق الأفق:

    الجهل وقلَّة البضاعة؛ فكم جرَّ الجهل على أصحابه من المهالك والمفاسد! والجهل دركات بعضها أسوأ من بعض، وكلما ازداد المرء جهلاً ازداد تهالكاً وانحرافاً، وهل رأيت جاهلاً يقوى على إدراك حقائق الأشياء ومقاصدها، أو يقدر على قراءة الواقع واستشراف المستقبل؟!

    – قلة الفهم والوعي؛ وهما أمران زائدان على مجرَّد الجهل، فرُبَّ صاحب علْم لا يفيده علمه كبيرَ فائدةٍ بسبب ضعف فهمه وعسر إدراكه؛ لأنّه وقف عند حروف الألفاظ، ولم ينفذ إلى معانيها ومراميها، والفهم بضاعة نادرة لا يؤتاها إلا أصحاب العقل الراسخ والبصر النافذ، وصاحب الفهم يفتح الله عليه من إدراك النصوص والوقائع ما لا يخطر على بال غيره،
    الرتابة في التفكير ورؤية المسائل، والاعتماد على المألوف المعتاد فقط، وهذا بالتأكيد يجعل الإنسان أسيراً في بيت مغلق، كما يجعله في عزلة فكرية يحبس فيها عقله، فلا يقوى على النظر والإبداع والتجديد.

    التربية التقليدية الهزيلة التي تنتشر في كثير من المحاضن التربوية، وتشكل عقول الناس تشكيلاً يقتل معظم ملكات الإبداع والتفكير.

    التقليد الأعمى الذي يسد منافذ التفكير، ويجعل المرء مجرد تابع لغيره، فلا يستطيع أن يبني رأيه وفكره بناءً صحياً متجرداً؛ ولهذا تجد أنّ المقلد لشيخ أو لمذهب أو لطائفة من أكثر الناس ضيقاً في الأفق؛ وذلك لأنه لم ينظر إلا من نافذة واحدة، ولم يفكر إلا من زاوية محدودة، وتراه يتنقل بين سراديب ضيقة تنتهي به أخيراً إلى بلادة ذهنية تعصف بتفكيره وتجعله أحياناً يقتنع بالشيء ونقيضه في آن واحد..!

    الاكتفاء بالنظر إلى ظواهر الأمور المجردة، والتعلق بقشورها القريبة، دون النفاذ إلى أعماقها، أو النظر إلى أبعادها ومقاصدها، ويؤدي ذلك إلى الاغترار بالشكل والبهرج على حساب الحقائق والمضامين؛ مما يحجب الرؤية بغمامة معتمة تطغى على البصيرة، وكم من الأشياء من حولنا نراها في مظهرها الخارجي رؤية معينة؛ ولكننا إذا تجاوزنا ذلك إلى دواخلها، وأزلنا القشرة الرقيقة التي تحيط بها تبينت لنا صورة أخرى مختلفة وبعيدة كل البعد عن الصورة الأولى.

    وانظر إلى صفة المنافقين في القرآن: "وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ" (المنافقون: من الآية4)؛ فهل تكفي هذه الصفة الظاهرية لأجسامهم وأقوالهم في إعطاء تصور صحيح متكامل عن هؤلاء القوم؟! بالتأكيد لا تكفي؛ فالقرآن يوضح حقيقة هذا المظهر: "هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (المنافقون: من الآية4).

    ونظير ذلك أيضاً: الاغترار بالكم على حساب الكيف، وانظر مثلاً إلى قول الله – تعالى-: "وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً" (التوبة: من الآية25)، ثم قارن ذلك بقوله – تعالى-: "إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ" (الأنفال: من الآية65)، ويتضح من ذلك أن معاني الأمور ومقاصدها الصحيحة تتجلى في حقائقها ومعادنها الأصيلة.

    وليس المقصود هنا أن الشكل الظاهري أو الكم مرفوضان كلية؛ ولكن المقصود التحذير من الاكتفاء بهما، أو الوقوف عند حدودهما فحسب.

    النظرة الجزئية الضيقة التي تختزل المسائل الكبيرة إلى إطار محدود صغير؛ مما يؤدي – بالتأكيد – إلى تكوُّن تصور هزيل مبتور لا يمثل إلا جزءاً يسيراً من الحقيقة؛ بل قد يؤدي هذا التصور إلى تشويه الحقيقة بسبب نقصها وافتقارها للنظرة الشمولية المتكاملة.

    الخلط في تقدير المصالح والمفاسد، والجهل في ترتيب الأولويات؛ مما قد يؤدي إلى التعلق بالمصلحة القريبة العاجلة، وإن ترتب عليها مفاسد كبيرة في العاجل والآجل، أو يؤدي إلى تقديم المصالح المفضولة على حساب المصالح الفاضلة.

    التعديل الأخير تم بواسطة مصطفى احمد على ; 19-03-2013 الساعة 10:40 PM
  2.  
  3. #2
    نائب المشرف العام
    Array
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    9,979





    لكَ التحية أخي مصطفى أحمد.

    كلام جميل،
    ومن ناحية أخرى
    سعة الأفق لا تكمن فقط في طريقة تفكير الأشخاص
    وتطوير أنفسهم وتقويمها فقط،
    بل يمكنهم أن يكونوا بسعة أفقهم عوناً للآخرين،
    ليس بتبادل المعلومات أو مدها أو منحها فقط
    بل يستطيعون تغيير حياة البعض ومساعدتهم
    على إعادة تقييم أنفسهم،
    ربما عبر العديد من الطرق
    ولكنها نتجت في الأصل من سعة أفقهم ونظرتهم الشاملة
    للأمور والمختلفة في أحيان كثيرة لبعض الأمور.
    .............................

    لكَ الشكر أخي مصطفى مع التقدير.





    علِّمي نفسك ما تندهشي

    صدِّقي كل الما معقول!!

    -----------------------

    سأبقى ماحييت بدار دنيا .. رفيقاً لا يخون ولا يجافي
    وأحفظ عهدكم في عمق قلبي .. ويروي ودكم نظم القوافي

    ويبقى دائماً هناك وإن (مرام) لتحقيقه.

    -----------------------------------------------

    اللهم اغفر لوالدي، وارحمهما وأطل في عمريهما يارب العالمين.

    -----------------------------------------------

    اللهم ارحمني برحمتك، واغفر لي يا مالك الغُفران،
    واجعل قبري روضة من رياضك، وأدخلني فسيح جناتك،
    يا رب العالمين.
  4.  
  5. #3
    عضو مجتهد
    Array الصورة الرمزية مصطفى احمد على
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    المشاركات
    196

    الشكر اجزله لك اختى بت الرفاعى
    والله فى عون العبد مادام العبد فى عون اخيه
    فى شتى المجالات التى تخدم الانسانيه
    وليس مختصر على شى معين
    لك الشكر على المرور الذى اسعدنى

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
by boussaid