بين شمس عُميشاء و ريح هُويجاء!!
في ذات نهار شتوي و تحت جو صحو و سماء صافية كان عجوزً يتمشى وحيداً في العراء و هو يتنسم الهواء الطلق في البيداء،
و هو يرتدي معطفاً ثقيلاً من الصوف الخالص، حين وقعت عليه عين شمسٍ عمشاء في ساعة سمر و هناء مع هبة نسمة طائشة
تتجاذبان أطراف الأنس الجميل فإذا بهما تتخذان من ذاك العجوز شماعةً لتعليق الهموم و قتل الوجوم في الأخذ والرد. قالتا:
- ما الرأي في لو أننا تبارينا في أيُنا تكون أقدرعلى تجريد ذاك الهائم على وجهه من معطفه. هنا هاجت الريح و ماجت و قالت :
- لا شك في أنني الأقدر على جعله يخلع ملابسه كلها بنفخة واحدة ، بل، إذا دعاني الأمر فسأدك الأرض تحت قدميه دكة واحدة.
تبسمت الشمس بهدوء و قالت :
- على رسلك يا ريح و لا تتعجلي الأمور هكذا كعادتك. ثم لا يفوتنَّك أن الله قد يضع سره في أضعف و أعجز خلقه.
- لا تضيعي وقتنافي ا لثرثرة يا شمس، و سأريك الآن بياني بالعمل.
هنا أشاحت الشمس بوجههاثم أرخت رموشها و توارت خلف غيمة راحلة لتفسح المجال لصاحبتها التي انطلقت تعبث بالأجواء،
و هي ترسل هوج الأعاصير و تثير هدير الزوابع و تقتلع الأشجار من جذوعها و تموج بمياه البحار و تعيث رعباً في روع ذاك المسكين
الذي جعل يترنح تحتها متل (ورتابة بين السما والسحابة) و طارت نفسه شعاعاً كهباء منثور. فلم لم يجد له مصداً ليقاوم به سوى
معطفه الذي كلما عصفت بصاحبه الريح ماج و اضطرب و كأن الرجل يزداد قوةً و تشبثاً به على أية حال في صراع للبقاء.حتى أيقنت
الريح أنه ما من جدوى من ذلك؛ و سوف لن يتخلى الهدف عن معطفه إلا على آلة حدباء، أو تتخاذل هي عن غايتها و تفتر عنها شدة
عزمها فتضع أوزار حربها لتخسر جولة من رهانها مع الشمس, و التي لما جاء دورها لم تكلف نفسها جهداً أكثر من أن أشاحت الغيمة
المنسدلة على وجهها و راحت ترسل خيوط شعاع عسجدية رفيعة و هي تنظر بكل حلم و تؤدةٍ وأناة إلى حيث يقبع ذاك الملتحف بردائه
و المتدثر بمعطفه و الذي يبدو أ نه بدأ يشعر برعشة دفءٍ تدغدغ مسام جلده تصببت على إثرها حبات العرق من جبينه كما يفعل الطل
حين يغمر بنداه وجنات الورود؛ مما أعطاه شعوراً بالاسترخاء الشديد جعله يخلع معطفه من تلقاء نفسه و بدون أدنى جهد يستحق العناء.
تنويهة:
ليت الريح تكون قد تلقنت، و نتعلم معها، درساً هاماً كهذا بأن: العنف ما دخل شيئاً إلا شانه، و أن الرفق ما ارتبط بشيء إلا زانه.
و ما من دعوة ستكون مجدية و لا مثمرة إلا إذا أُسرجت لها ركاب الحكمة و حسن الموعظة ، و ضربت لها أكباد الفهم الناضج و القول
اللين و الحوار البناء، حتى تستوي الأمور على نار هادئة خضراء.و نحن في زمان تكاد فيه الأمة تلد ربتها و يستجدي الأب رضا وليده.
المفضلات