ثم على رأي المثل خلينا طالما اتبلبلنا النعوم.
فلنسأل بدورنا ونقول: ثم ما علاقة الإبداع بالثقافة. إذ يرى
الناقد الانكليزي/ ت.س إليوت و الذي كثيراً ما حذرنا البروف العلامة/
عبد الله الطيب من أنه مستشرقٌ سارقٌ بارعٌ ، يرى بأن الكمال في أي نشاطٍ بشريٍّ
واحدٍ ليس جديراً بأن يسبغ سمة الثقافة على أحدٍ, لكون التحضر بلا فكرٍ أو حساسيةٍ للفنون
قد يجنح بالمرء إلى عفويةٍ و سذاجةٍ. كما أن علماً بدون تهذيبٍ، إنما هو حرثٌ على ظهر قطعة زئبقٍ ,
و أن الحذلقة الفكرية المجردة ملكات إنسانية لا تستدر إعجاباً إلا بمقدار ما ينتزعه ذكاء صبية معجزة في
لعبة الشطرنج أو ( الستا و الطاب و الكار و الدملوج) على حسب الوسط الثقافي, مثلما أن موهبةً بلا إطارٍ تربويٍّ
و بلا رعايةٍ أخلاقيةٍ، إنما تعد زيفاً و ذراً للرماد في عيون العُميان . فلو عجزنا أن نجد الثقافة ماثلةً في أية واحدةٍ من
هذه الكمالات بمفردها، فمن باب أبعد، كيف نتوخاها في أي فردٍ واحدٍ أن يكون كامل الأوصاف فيها جميعاً, إذاً، نخلص
لكون فرضية أيجاد شخصٍ كامل التثقيف و جامعٍ لمزايا الكمال في أي شيء، هو محض افتراء و أضغاث أحلام؛ و نظراً
لاستحالة ذلك جاز لنا إسباغ الثقافة على مجتمع بأسره و ليس على فرد بعينه. و حتى لا ندعي استقامةَ ظلٍ وعوده
أعوجُ ، و لكي يقوم المثقف بدوره المنوط، وجب تحليه بصفاتٍ و سجايا خاصةٍ منها الكثير، و يأتي على ذروة سنامها يقظةٌ
في الضمير و موضوعيةٌ في التقدير و استشعار للمسؤولية في كافة الأمور, و ذلك ببسالة موقف و استقلالية رأي و برؤية
نقدية ثاقبة و مواكبة للواقع، مع إيمانٍ راسخٍ بقيم الحرية و العدالة الاجتماعية و ليس بالضرورة المساواة، و التي هي في
نظري شخصياً تعتبر الوجه المشوه للعدل: إذ لا يستوي ، مثلاً، الذين يعلمون و الذين لا يعلمون. و لا يمكن تصور أي
مثقفٍ لا يتفاعل مع قضايا عصره ، أو يغرد نشازاً خارج أطيار سربه و لا يقلقه مصير أمته، و لا تتوهج أفكاره
تحت رماد ثالوث القهر و الجهل و التخلف الذي يضرب أطنابه في أركان بلاده؛ هذا شريطة
أن نتكئ على جدار ماضينا، فلا نفسح له فرجةً بين محازي أقدامنا تكون أوسع
مما يمكننا للاستئناس بتجاربه، دون أن ندعه يسرق منا زخم حاضرنا.
لا بأس أن نأخذ ممن سبقنا بقدرما يمكننا من اللحاق بهدون أن ندعه
يستلب عقولنا فيستبيح ترابنا؛ أو أن نسلم مفاتيح
فضليات مدننا لجهال المغول التتار!
********&&&&&********
المفضلات