في كادوقلي المحاصرة في إقليم كردفان، يستبد الخوف بالمدنيين جراء تصاعد العنف وتفاقم المجاعة، وفق شهادات جمعتها فرانس برس من المدينة الواقعة جنوب الخرطوم. وكأن ما عانته عاصمة ولاية جنوب كردفان من دمار منذ اندلاع الحرب قبل عامين ونصف عام بين الجيش وقوات الدعم السريع لم يكن كافيا، حتى تصاعدت حدة الهجمات عليها في الأسابيع الأخيرة. وأسفرت أحدث هذه الهجمات، وهي غارة جوية بطائرة مسيرة على قاعدة تابعة لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة السبت، عن مقتل ستة جنود من بنغلادش. ومن المدينة المنكوبة، حصلت فرانس برس على روايتين نادرتين عن الحياة اليومية فيها، من مصدرين لم يتم التصريح عن هويتيهما لأسباب أمنية. وتحدث كلا المصدرين عن تصعيد متسارع في وتيرة العنف وعن حالة الرعب التي يعيشها السكان. فقال أحدهما "تعرضنا مؤخرا لقصف مدفعي عنيف وهجمات كثيرة بالطائرات المسيرة... نعيش في خوف دائم من القصف العشوائي في أي لحظة ... الجميع مجبرون على البقاء في منازلهم". وتسيطر قوات الجيش على المدينة المحاطة بجبال النوبة وتحاصرها قوات الدعم السريع من "كل الجهات".
وهناك طريق واحد يؤدي إلى خارج المدينة في كلا الاتجاهين: جنوبا إلى دولة جنوب السودان، أو شمالا إلى مدينة الدلنج المحاصرة أيضاً وقد فتك الجوع بسكانها. لكن قبل عام ونصف عام، "قطعت" هذا الطريق الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، حليف قوات الدعم السريع.
وأضاف المصدر "مع إغلاق هذا الطريق، أصبحت مدينة كادوقلي معزولة تماما عن بقية السودان". ويتمركز مقاتلو الحركة حاليا على المرتفعات الشرقية المطلة على المدينة. وتابع "يمكن رؤيتهم بوضوح بالعين المجردة على قمة الجبل، مع مدفعيتهم الثقيلة".
وعلى الجانب الآخر، تتمركز قوات الدعم السريع من حيث تُمطر المدينة بالقذائف ذات العيار الثقيل التي تنهمر عليها عشوائيا. ويرد الجيش على القصف "من حين الى آخر". قال المصدر "يواجه المدنيون وضعا مأسويا، فنحن معرضون لخطر الإصابة بالمدفعية الثقيلة والرصاص الذي ينهمر فوق رؤوسنا عشوائيا، والهجمات التي تستهدف بوضوح كل شيء في المدينة، ليس فقط الأهداف العسكرية، بل أيضا الأماكن التي أوى إليها النازحون" الذين شردتهم الحرب. إلى جانب القصف وإطلاق النار، يعيش الناس أيضا في خوف من اتهامهم بالتجسس الذي قد يؤدي إلى "سجنهم ... وإعدامهم بدم بارد"، كما قال الشخص الثاني. وتابع "نحن لا نخشى غارات الطائرات المُسيرة فحسب، بل نشعر أيضا بالخطر نفسه... فنحن نُتهم في أكثر الأحيان بالتجسس... هذا يُفاقم قلقنا، فنحن مُعرّضون للخطر باستمرار".
وقال المصدر الأول إن الإمدادات القليلة التي تصل إلى المدينة المحاصرة "تُهرّب وتُباع بأسعار باهظة لا تستطيع معظم العائلات تحمّلها". وأوضح المصدر الثاني أن هناك نقصا في كل شيء وخصوصا "الطعام والدواء". وتعتمد معظم العائلات على محصول محلي واحد تنتجه المنطقة هي الذرة الرفيعة، وهي أيضا يصعب الحصول عليها. وبينما يزرع البعض خضراوات في فناء منازلهم، اضطر كثر إلى "أكل ما يجدونه في الغابة لضمان بقائهم على قيد الحياة. وبالطبع، تعتمد عائلات كثيرة على التسول". وروى هذا المصدر كيف دفع الجوع البعض إلى الموت بطرق مروعة. وقال "أودّ أن أروي لكم قصة أربعة أشقاء، تراوح أعمارهم بين أربع واثنتي عشرة سنة، توفوا بعد تناولهم ثمار شجرة سامة، بعد أن لم يجدوا ما يأكلونه غير ذلك... دُفنوا في المقبرة هنا، وستبقى ذكراهم محفورة في ذاكرتي ما حييت".
من جهة أخرى، تصدر السودان مجددا قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية الصادرة عن لجنة الإنقاذ الدولية، في ظل صراع مستمر أودى بحياة عشرات الآلاف. وهذه هي المرة الثالثة على التوالي التي يتصدر فيها السودان القائمة، التي نشرت الثلاثاء. وتسلط القائمة الضوء على الدول العشرين الأكثر عرضة لحالات طوارئ إنسانية جديدة أو تفاقم أخرى جارية. وقال ديفيد ميليباند الرئيس التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية في بيان "ما تشهده اللجنة على أرض الواقع ليس حادثا مأساويا. فالعالم لا يكتفي بالتقاعس عن الاستجابة للأزمة، بل إن الأفعال والأقوال تساهم في تفاقمها وإطالة أمدها". وأضاف "حجم الأزمة في السودان، التي تصدرت قائمة المراقبة للعام الثالث على التوالي، وأصبحت الآن أكبر أزمة إنسانية مسجلة على الإطلاق، دليل على هذا الخلل".
كما ندد المفوض السامي للاجئين في الأمم المتحدة بالاقتطاعات في المساعدات الإنسانية هذا العام، معتبرا أنها "غير مسؤولة" على وقع تهميش واستغلال للاجئين. وقال فيليبو غراندي في مستهل اجتماع متابعة للمنتدى العالمي حول اللاجئين في جنيف "طبعت العام الفائت سلسلة من الأزمات: إنها عاصفة فعلية".
وأشار إلى "الفظائع اللامتناهية التي ترتكب في السودان وأوكرانيا وغزة وبورما"، منددا كذلك بـ"الانهيار المفاجىء وغير المسؤول والذي يفتقر الى رؤية بعيدة المدى للمساعدة الدولية".

---
جريدة الرياض
http://www.alriyadh.com/2165779]لقراءة الخبر كاملاً فضلاً اضغط هنا[/url]