قابلني متجهما كعادته .. وباغتني أيضا كعادته :
(شفت الناس دي بقت كيف ؟ يوسف العربي بتاع الدكان تصدق طلبت منو سيجارة سلف رفض لي وصرصر لي تقول مشروعهم الزراعي الجا فازي منو ده هدمتي انا .. ياخي دي بشرية دي ).. ثم اطلق عبارته الشهيرة (دنيا بنت كلب ) .. وتمتمت انا بحيث لم يفهم هل انا معه ام مع يوسف العربي .. هذا هو (عطا المنان) مدير الابتدائي اولاد .. وجهزت نفسي لحوار لن اشارك فيه لا سلبا ولا ايجابا .. واتاني الانقاذ كاملا غير منقوص بتوقف حافلة الخط الوحيدة امامنا والتي اعرف مكان (تشميعي ) فيها جيدا ..هنا كل يعرف مكانه ...تفاصيل لم تتغير منذ زمن بعيد .. فبعد قليل سأنزل لانني الاقرب الي باب الحافلة لاساعد( بت شلعي) على رفع خضارها القليل الذي تفترشه لبيعه في السوق والذي لم يزد ايضا من زمن بعيد .. هنا لاشئ يزيد سوى المعاناة ..
(عوض السمح) سينزل في المحطة القادمة فهو لن يصل الى السوق رغم انه احرص خلق الله على ايجاد مقعد له داخل الحافلة .. عوض لن تجد كبير عناء في ايجاده داخل الحافلة سيدلك عليه عطره الواحد هذا اذا جاز ان نسمي مزيل العرق (كوبرا) عطرا .. عوض يصحو باكرا وياخذ حماما حتى لو كانت تثلج بالخارج ثم يرتدي ملابسه واظن انه يصرف وقتا لا بأس به امام المراّة ثم يقطع مسافة طويلة راجلا حيث منزل (اّدم طمبل باي) سواق الحافلة وياخذ عوض مقعده قبل ان يستيقظ ادم من نومه حتى .. عوض سينزل في المحطة القادمة فهو لن يذهب الى اي مكان .. سينزل لانه يحجز هذا المقعد ل(عواطف الممرضة) ... هاهي الحافلة تتوقف وهاهي عواطف تستعد للركوب وهاهو عوض ينزل في سلام كوني غريب .. وهاهي فرصتي لاقتناص نظره الى ابتسامته الغريبة .. ابتسامة عوض تكمن غرابتها في انه يمكن ان تسميها ابتسامة (مجازا) فعوض يستخدم معظم اجزاء جسده تقريبا في هذه اللحظة .. سينهض بسرعة .. سيميل رأسه ناحية اليمين قليلا وبزاوية حادة وبسرعة ايضا .. سيقوس ظهره قليلا في حركة تشبه تقوس ظهور (القطط) ... يداه في تلك اللحظة سيحشرهما في جيوب بنطاله رغم حوجته الماسة للاستناد عليهما ليتسرب من بين المقاعد المتلاصقة .. واغرب الحركات على الاطلاق هي حركة اذنيه فبالرغم من صعوبة تحريك الاذنين (خلقيا ) بالنسبة للبشر الا ان اذني عوض ترقدان الى الخلف في حركة خفيفة في تلك اللحظة مما يصدر اليك احساسا بانه يتحفز وبشكل ماكر .. وااخر مرحلة من كل ذلك هي تحريك عضو الابتسام الاساسي في المسألة (فمه) والذي ينفرج بشكل غريب الى الجانب الايسر فيما لايشبه الابتسام على الاطلاق .. ابتسامة (عوض السمح) شحيحة للغاية ايضا فهو يبتسم مرة واحدة في اليوم .. اذن فهو يبتسم فقط ست مرات في الاسبوع .. فسنثتثني يوم الجمعة لانه يوم العطلة و(عواطف ) الكائن الوحيد الذي يمتلك شفرة هذه الابتسامة المجازية ..وعواطف لن تذهب الى المستشفي يوم الجمعة فهو عطلة .
(عوض السمح) اسمه عوض الله الشاذلي و(السمح) هذه اطلقها عليها الذين عاصروا شبابه من ابناء هذا المكان والذين ذهب معظمهم الان ... (عوض السمح) فاق الستين بقليل وان بدا اصغر من ذلك .. حدثني والدي (عليه رحمة الله) حينما سألته مرة عنه ان عوض هذا كانما نبت من الارض او خر من السماء .. فهم لايذكرون تحديدا متى سكن هنا لقد اكتشفوا فجاة انه يسكن بمنزل (الطاهر خضر) الذي هجر هذا المكان منذ زمن بعيد هو واسرته وباع منزله ذاك والذي يبدو انه باعه لعوض .. والدي اكد لي تماما انهم لم يروا عربة تنقل عفشا الى هذا المنزل ولم يسمع حتى جاره الملاصق عن حركة تنم عن انتقال ساكن جديد .. (عوض السمح) ظهر فجأة في اجتماع لجنة المسجد السنوي و لم ينتبه احد الى وجوده الا في نهاية الاجتماع حيث انتبهنا الى جلوسه بقرب عمك (شيخ مالك ) امام المسجد وهما منهمكان في حديث طويل وهامس نهض بعده (شيخ مالك) وخاطبنا قائلا :
- (يا اخوانا بعد السلام على الحبيب المصطفي دايركم ترحبو معاي باخوكم عوض الله الشاذلي وهو حيجاورنا هنا في بيت الطاهر خضر الله يطراهو بالخير ..وسائلين ربنا انو يلقانا اهل ونلقاهو اخو اخوان ..)
وحينما اتم شيخ مالك كلامه انتظرنا كلنا ان ينهض عوض ليتحدث لنا قليلا عن نفسه ولكنه اكتفى بالسلام وخرج . سألت والدي عن الحديث الذي اتلقطه احيانا عن الحادثة التي شغلت الناس هنا في زمان مضى والتي بطلها كان عوض السمح وهل هي حقيقية ام مجرد اسطورة كباقي التي تسيطر على عقول نساء ورجال هذه البقعة ؟ والدي نظر الي مليا وأجابني إجابة لم تكن كافية لاشباع فضولي حول شخصية (عوض السمح) .. ولما الححت عليه .. اخبرني بانه لا يدري ولكن يقال ان ( ود الكبجل ) كان هو الذي رأى ما تسمعه الان .
مضوي حامد أو ( ود الكبجل ) كنت متا كدا أنني سأجد صعوبة كبيرة في استنطاقه ولكن فضولي أصبح كالجرب الذي يأكلني من كل مكان فقررت استنطاقه مهما كلفني ذلك ...
المفضلات